السودان والبشير.. رحلة حافلة بالانقلابات
يمر السودان منذ تولي الرئيس عمر البشير في يونيو/ تموز 1989، بحالة انهيار على كافة الأصعدة، انفصل الجنوب، وانهار الاقتصاد، والشمال في طريقه للانفصال بعد، حرب دارفور، وهو ما جعل البشير يتعرض لكثير من الانتقادات والاتهامات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية.
ولد البشير في يناير/ كانون الثاني 1944، في قرية صغيرة تسمى “حوش بانقا”، وينتمي لقبيلة البديرية الدهمشية، إحدى قبائل المجموعة الجعلية، وهو متزوج من امرأتين، وليس لديه أبناء.
تخرج البشير من الكلية الحربية السودانية عام 1967، ثم نال ماجستير العلوم العسكرية بكلية القادة والأركان عام 1981، ثم ماجستير العلوم العسكرية من ماليزيا في عام 1983، وزمالة أكاديمية السودان للعلوم الإدارية عام 1987.
عمل البشير بالقيادة الغربية، ثم القوات المحمولة، وعين قائدا للواء الثامن مشاة منذ 1987 وحتى 1989، قبل أن يصل إلى السلطة بعد قيامه بانقلاب عسكري على حكومة “الأحزاب الديمقراطية”، والتي كان يرأسها في ذلك الوقت الصادق المهدي.
ومنذ ذلك الحين نصب البشير رئيسا شرفيا لجمهورية السودان، كما تولى رئاسة الوزراء أيضا.
قام البشير بذلك الانقلاب بإيعاز من الشيخ حسن الترابي، والذي انقلبت علاقته معه بعد رفضه تعيينه نائبا له، ووقع الانشقاق بينهم عام 1999، حيث خشي البشير من هيمنة الترابي، خاصة بعد إعلانه حل مجلس قيادة الثورة قبل صدور القرار بواسطة البشير، وقبل البشير على مضض حل المجلس العسكري، لكنه رفض مقترحا بالتقاعد من الجيش.
وقرر البشير الإطاحة بالترابي وتجريده من كل أسلحته بحل المجلس الوطني، ثم أعقب ذلك بتجميد منصب الأمين العام في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأمانته العامة، فترك الترابي الحزب والحكومة، وسلك طريق المعارضة ليكون الحزب الشهير “المؤتمر الشعبي” ويصبح أكثر المعارضين ذهابا لسجون البشير، وهو السياسي الوحيد داخل السودان الذي دعا البشير إلى التنحي عن منصبه، على خلفية اتهام المحكمة الجنائية له بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
أعلنت المحكمة الدولية قرارا بإلقاء القبض على البشير بتهمة ارتكاب “جرائم حرب” وجرائم “ضد الإنسانية”، من بينها القتل والاغتصاب والنقل القسري ونهب ممتلكات في حق جزء كبير من المدنيين في إقليم دارفور.
وكانت تلك هي المرة الأولى التي تصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالقبض على “رئيس دولة”، وهو ما يزال في الحكم.
وبالرغم من أن حكومة السودان تنكر أي دعم منها لمجموعات “الجنجاويد” التي تقوم بتلك العمليات الهمجية، إلا أن الكثير من الدول والمؤسسات الدولية يتهمون الحكومة السودانية بتوفير الدعم المادي والأسلحة لفرق “الجنجاويد” وحتى المشاركة معها في هجوماتها على القبائل التي تدعم فرق التمرد، ومن بينها حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة.
وما زال عدد القتلى والجرحى واللاجئين يزداد يوميا، في حين يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي، رغم أن وسائل الإعلام تطرقت بالتفصيل إلى الكارثة الإنسانية في الإقليم، الذي يقدرعدد سكانه بخمسة ملايين شخص.
في التاسع من يوليو/ تموز 2011، انفصلت جمهورية جنوب السودان عن الشمال لتصبح أحدث دولة مستقلة في العالم، بعد حرب أهلية استمرت لنصف قرن من الزمان سقط خلالها ما لا يقل عن 3 ملايين قتيل، وصرح البشير وقتها “بأن انفصال جنوب السودان لن يكون نهاية التاريخ، لكنه بداية جديدة لبناء السودان”.
وعاني الجنوبيون خلال السنوات التي سبقت الانفصال من النظرة الدونية التي كان ينظرها لهم الشماليون، حيث لم يكن يتسنى لهم العمل بالوظائف العسكرية والمدنية والدبلوماسية، فأصبحوا “مهمشين”.
كما لعبت الطبيعة العرقية والدينية دورا في التنافر بين الجنوب والشمال، حيث إن أغلب سكان الجنوب مسيحيون، ووصول الحكم الإسلامي بقيادة البشبر الذي تعهد بالحكم وفقا للشريعة الإسلامية كان لها تأثير قوي في المطالبة بالاستفتاء للانفصال عن الشمال.
شهد عهد البشير العديد من المحاولات للانقلاب عليه، أبرزها كان في مارس/آذار 1990، وقاد ذلك الانقلاب اللواء محمد على حامد، ورائد شرطة متقاعد يدعى جمال الدين الطيب الشافعي، وتم اعتقال الانقلابيين وصدرت الأحكام العسكرية بإعدام قادة الانقلاب، ثم خفف الحكم إلى السجن المؤبد.
وفي إبريل/ نيسان من نفس العام حدث محاولة انقلاب ثانية بقيادة 28 ضابطا، برتب مختلفة، ولكن فشل الانقلاب وقبض على الانقلابيين وتم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم.
وفي 1992 حدثت محاولة ثالثة بقيادة العقيد أحمد خالد نسبت إلى حزب البعث السوداني، ولكنها أيضا فشلت ودخل قادتها إلى السجون.
كما نسبت الحكومة السودانية محاولة انقلابية عام 2004 إلى عناصر بحزب المؤتمر الشعبي، إلا أن السلطات قامت باعتقالهم لفترات طويلة، من بينهم محمد الأمين، الذي كان عضوا بالمجلس العسكري.