هل تغلق الصحف اللبنانية أبوابها؟ التساؤل محاصر بإجابة لا تستبعد اختفاء الصحافة الورقية في لبنان، تحت ضغط أزمة مالية خانقة، تواجه الصحف على اختلاف توجهاتها السياسية وانتماءات أصحابها.
رئيس تحرير صحيفة السفير، طلال سلمان، يرى أن الوجوم، الذي سيستدعي الحزن الجماعي، لن يقتصر على اللبنانيين وحدهم، فالعرب في مشارق أرضهم الواسعة وفي مغاربها سارعوا إلى التعبير عن صدمتهم بما تتعرض له الصحافة في لبنان من مخاطر قد تودي بها.
وأضاف أن، صحافة لبنان، على اختلاف اتجاهاتها، لعبت دورا رائدا في نشر الوعي مشرقا ومغربا، وربطت بين العرب في سائر أقطارهم، وأسهمت في معارك التحرير والتحرر، التي خاضوها ضد الاحتلال الأجنبي عموما.
عن صحافة لبنان وأزمتها الوجودية
وتحت عنوان «عن صحافة لبنان وأزمتها الوجودية»، كتبت صحيفة السفير اللبنانية، «ليس هذا رثاء للصحافة في لبنان، بل هو رثاء للوطن، إن غياب الصحافة إدانة لهذا النظام السياسي ورجالاته، الذين ضربوه بطاعون الطائفية، التي أهاجوها ليستمر تحكمهم بدولته ونهب خيراته، إن الوطن العربي، بأقطاره جميعا، يكاد يخلو من صحافة تستحق اسمها، فالمؤسسات الصحفية عموما تكاد تكون مسترهنة للحاكم، ملكا كان أم أميرا أم رئيسا بأصوات مزورة وفرها القمع والرشوة واعتبرها مصدرا لشرعيته».
وأضافت السفير، لن تستسلم الصحافة، ولن تختفي طالما بقي في لبنان «رأي عام» يعلي صوته مناصرا القضايا المحقة، فاضحا الفاسدين ومستغلي الوظيفة العامة ونهابي المال العام.
صندوق وطني لدعم الصحافة
وكتب الصحفي اللبناني، معن بشور: تتهدد أزمة مالية كبريات الصحف اللبنانية (السفير، النهار، اللواء)، وتضطرها للخروج من إصداراتها الورقية، ما يشعر اللبناني بالحزن والغضب في آن، لغياب صحف لها تاريخ.
وتساءل بشور: ألا تستطيع دولة تتسرب من خزائنها المليارات في هدر أو فساد أو صفقات تفوح روائحها، أن تخصص جزءا من موازنتها، المعطلة منذ أكثر من 10 سنوات، لدعم صحافة لبنانية تمثل أجمل صور لبنان، وتوفر عملا لعشرات الآلاف من المحررين والإداريين والعمال في ظروف تطغى عليها بطالة بكل أشكالها الظاهرة أو المقنعة، بل ألا تستطيع مصارف لبنانية ورجال أعمال أن يؤسسوا صندوق دعم الصحافة اللبنانية، التي قدمت منذ بدايات القرن الماضي الشهيد تلو الشهيد على مذبح الحرية في لبنان، المطلوب حركة لبنانية واسعة لإنقاذ الصحافة اللبنانية، حارسة الحرية، ومنارة الكلمة، وفضاء التفاعل الفكري والسياسي.
الصحافة الورقية.. أزمة الوجود إلى العلن
كتبت صحيفة البلد اللبنانية، أنه لم يعد خافيا على أحد أن أزمة الصحف باتت أمرا واقعا تتسارع خطاه نحو «كارثة»، عجز المعنيون عن التأقلم معها قبل أن تقع، لأن التعايش مع الأزمات ثقافة برع فيها اللبنانيون، على عتبة الأزمات القديمة والمستحدثة في شتى المجالات، فخرجت الأزمة مؤخرا من أسوار الأحاديث الجانبية والاجتماعات المتوارية عن الأنظار بين أهل البيت الصحفي الواحد لتتكرس عبر رسائل ومذكرات إدارية رسمية وجهتها بعض المؤسسات للعاملين لديها، لتضعهم بصورة الوضع المأزوم الذي تعيشه الصحف، والذي قد يصل إلى حد التوقف عن الصدور.
وذكرت صحيفة اللواء اللبنانية، أن خبر واحد نشره أحد المواقع الإلكترونية تناول مذكرات رسمية وجهتها اثنتان من أعرق الصحف اللبنانية إلى موظفيها، فاتحة بذلك باب الأزمة على كل الاحتمالات، كان كفيلا بإيقاظ المعنيين على أزمة أطالوا السكوت عليها، رغم وضوح معالمها منذ سنوات، وراح أهل الصحافة يتناقلون الخبر على صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي متحسرين على مصير أقلامهم ومستقبل مهنةٍ كانت من أرقى المهن، التي اشتهر بها لبنان على مر العصور.
وقالت صحيفة الأخبار اللبنانية، لقد توالت المواقف الرسمية النادبة على أطلال صحافةٍ هي جزء لا يتجزأ من «ذاكرة لبنان الوطنية والثقافية والاجتماعية».
وأضافت الأخبار اللبنانية، أبدى وزير الإعلام، رمزي جريج، أسفه لما صدر من بيانات عن إدارة صحف عريقة تشير إلى صعوبة الاستمرار نتيجة الضائقة المالية، ورأى أن توقف هذه الصحف عن الصدور ورقيا وتقليص عدد العاملين فيها، يفقدان لبنان دوره الرائد على الصعيد الإعلامي، وعلى الدولة أن تدعم الصحافة اللبنانية.
ودعا وزير العمل، سجعان قزي، إلى حالة طوارئ إعلامية، واقترح إنشاء صندوق دعم للمؤسسات الإعلامية، وعبر بدوره في بيان له عن حالة «الأسى والاكتئاب»، التي شعر بها، وهو يقرأ البيانات الصادرة عن إدارات عدد من المؤسسات الصحافية، التي تشكو بصدق صعوبة الاستمرار بالصدور نتيجة الضائقة المالية، فيما تعج البلاد بالثروات الطائلة التي تصرف على أمور سطحية وتافهة، وأكد على ضرورة التحرك لإنقاذ الصحافة اللبنانية.
وعقد مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية اجتماعا استثنائيا يوم أمس، الأحد، للبحث في «الازمة المستجدة في عدد من الصحف التي لوحت بوقف الصدور، أو باتخاذ إجراءات تطاول العاملين فيها، نتيجة الأزمة الحادة، التي تعاني منها الصحافة الورقية».
وقرر المجلس التصدي للأزمة بتحرك واسع من خلال عقد اجتماعات مع رئيسي المجلس النيابي والحكومة ووزيري الاعلام والعمل والبحث في وسائل تأمين ديمومة عمل الصحافة اللبنانية واستمراريته، ودعت النقابة أصحاب الصحف إلى التريث في اتخاذ أي خطوات متسرعة بانتظار البحث عن حلول مشتركة.
ويؤكد أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بالجامعة اللبنانية، أحمد زين، أن توقف الصحف عن الإصدار يعكس وجود أزمة على مستوى الناقل «ناقل المعلومات الورقي»، وهي مشكلة كان يتوجب على المؤسسات أن تتداركها منذ أكثر من 20 سنة، عبر اتباع استراتيجية تتأقلم مع الناقل الإلكتروني، الذي يجتاح العالم، والذي يستطيع بدوره أن يحل مكان الناقل الورقي وأكثر.
ويجزم زين الدين بأن الورق باتت أيامه معدودة، وسينتهي خلال سنة أو اثنتين، كما أن جيل القراءة على الورق سينتهي، يرى زين الدين بأن على الصحف أن تفكر بوسائل دعم تسمح لها بالاستمرار لفترة انتقالية حتى تتأقلم مع الظروف الجديدة، لتؤقلم استراتيجياتها التجارية وفق هذه النواقل الجديدة.