الصراع على النفط في ليبيا.. لماذا هرب حرس المنشآت؟
تزخر ليبيا بالعديد من الشخصيات الجدلية، منها آمر حرس المنشآت النفطية إبراهيم الجضران، والذي أسس في 17 أغسطس/آب 2013 ما عُرف بالمكتب السياسي لإقليم برقة شرق ليبيا، والذي يتبعه مكتب تنفيذي في شكل حكومة تضم عددا من الوزراء يترأسها عبدربه البرعصي، وقد قام برفع مطالب، أبرزها المطالبة بإقرار نظام فيدرالي في ليبيا، واقتسام الثروة.
ثم ما لبث أن سيطر الجضران على الموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي على سواحل وسط ليبيا ومنع تصدير النفط.
ينتمي الجضران، آمر عمليات السدرة «منطقة النفط وسط ليبيا» والمسيطر على حرس المنشآت النفطية في الوقت الحالي، إلى قبيلة المغاربة ذات الثقل السكاني والقبلي في منطقة نطاق الموانئ النفطية، ويعد واحدا ممن خرجوا لإسقاط نظام القذافي في ثورة 2011.
وقد نجح الجضران في استقطاب عدد من شيوخ القبائل، وضم الكثير من المسلحين إلى جانبه.
ويرى كثير من المتابعين لممارسات الجضران، الذي نصب نفسه حارساً للمنشآت النفطية مستنداً لقوتي السلاح والقبيلة، أنه يتعامل مع الدولة المنقسمة على نفسها بمنطق الابتزاز، حيث زار الجضران في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الفائت مدينة البيضاء، شرق ليبيا، مقر عبدالله الثني رئيس الحكومة الموالية للبرلمان المنحل، وطلب الجضران من الثني مبلغ 300 مليون دينار ليبي (حوالى 170 مليون دولار) يقول إنها مستحقات مسلحيه القائمين على حراسة المنشآت النفطية. وهو ما أثار غضب بعض وجهاء مدينة البيضاء، الذين اعتبروا هذا بمثابة الابتزاز للحكومة ونهب لمبالغ ضخمة من الدولة باسم مستحقات حرس المنشآت النفطية، وطالبوا بطرد الجضران من المدينة، حيث كان يقيم في ضيافة عبدربه البرعصي، رئيس ما عرف بالمكتب التنفيذي لإقليم برقة التابع للمكتب السياسي للإقليم الذي يترأسه الجضران.
منذ إغلاق ميناء السدرة وميناء رأس لانوف على يد مسلحي الجضران في أغسطس/آب 2013، تعاني ليبيا من انخفاض شديد في إنتاج النفط، بلغ 350 ألف برميل يومياً، مقارنة بـ 1.6 مليون برميل قبل الثورة.
تعزز هذا الهبوط الحاد في الإنتاج بالمعارك الدائرة حالياً في منطقة الهلال النفطي التي تحتوى على حوالى 60% من احتياطي ليبيا من النفط، وهو ما انعكس سلباً على اقتصاد البلاد.
وبعد التوقف شبه التام لإنتاج وتصدير النفط الخام مع بداية النصف الثاني من عام 2013، بدأت تظهر مؤشرات سلبية في الاقتصاد الليبي، منها انخفاض معدل النمو الاقتصادي، وتحقيق عجز في الميزانية العامة، وتراجع احتياطيات المصرف المركزي الليبي من النقد الأجنبي.
ومن المتوقع أن تحقق الإيرادات العامة عجزاً غير مسبوق يقارب 22 مليار دولار، بحسب بيانات المركزي الليبي، والذي سينعكس على انخفاض حجم احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية بنفس المقدار تقريباً، فضلاً عن انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وتدهور قيمة الدينار الليبي في السوق الموازي. كل هذه المؤشرات مصدر قلق كبير للمصرف المركزي ولمن يقومون برسم السياسات الاقتصادية.
ونظرا للنزاع على الحكم بين الحكومتين المنبثقة عن البرلمان المنحل، برئاسة عبدالله الثني، والمنبثقة عن المؤتمر الوطني العام، برئاسة عمر الحاسي، اضطر مصرف ليبيا المركزي إلى إعلان الحياد حماية لمقدرات الشعب من الصراع السياسي، حسب وصف بيان المصرف.
وقد وُجهت مؤخرا اتهامات لحرس المنشآت النفطية في ليبيا بسرقة النفط والفشل في حماية المنشآت مما سهل تقدم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي أدى لخسارة نحو ستين مليون دولار من العائدات النفطية.
وقال رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، مصطفى صنع الله، إن هذه القوات التي تقدر بنحو 27 ألف مقاتل تحولت «لأكبر عقبة للاستفادة من عائدات هذه المنشآت وعائق أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية».
ويضيف في حديث لصحيفة إندبندنت البريطانية، أن هذه القوات باتت «جيشا خاصا» يعمل وفق أهواء قائده إبراهيم الجضران، وتابع أنها «حاولت بيع النفط لحسابها، وفشلت في حماية الأماكن التي من المفترض أن تدافع عنها».
ذهب إلى حد اتهام هذه القوات بأن «أفعالها أدت لتراجع إنتاج النفط بنسبة 70%، وكان من المفترض أن تكون هذه القوات في خدمة ليبيا ولكن ولاءها بات فقط لجني الأموال».
وسيطرت هذه القوات على الموانئ النفطية والمباني التابعة لها في راس لانوف وسدرة والزيتونة، في شمال ليبيا.
وفي مارس/آذار 2014 أعلن الجضران أنه منح لنفسه صلاحيات إضافية وأرسل سفينة ترفع علم كوريا الشمالية محملة بـ 234 ألف برميل من النفط الخام لبيعها في الخارج.
وأدت هذه الحادثة إلى انهيار حكومة طبرق التي كان يرأسها علي زيدان، وفراره خارج البلاد، إلا أن السفينة صودرت من قبل البحرية الأميركية قبالة قبرص بعد أيام من مغادرتها ميناء سدرة.
وينفي الجضران الذي كان أحد الثوار ضد نظام القذافي «اتهامات البعض لقواته بسرقة النفط»، مؤكدا أنه لم يصدّر أية شحنة بعد مصادرة السفينة عام 2014.
وشن تنظيم داعش الذي يسيطر على مدينة سرت عدة هجمات على المنشآت النفطية، ما خلف دمارا كبيرا في بناها التحتية.
وعن هذا يقول «صنع الله»، إنه أرسل سفينة لميناء راس لانوف لتفريغ خزانات النفط الخام لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلا أن الجضران رفض دخولها للميناء، وبعدها لم تستطع قواته رد هجمات التنظيم على الميناء فدمر النفط المخزن.
وأوضح أن «عدد المهاجمين لم يكن كبيرا، وسأل: لا نعرف لماذا هرب حرس المنشآت؟».
وزاد أنهم «فشلوا في حماية المنشآت الأخرى وتم نهبها، والبنى التحتية تدمرت بشكل كبير».
وتابع صنع الله أن «تنظيم الدولة لا يسيطر على المنشآت النفطية، لكنه يدمرها بأعداد قليلة من العناصر، هم يريدون منع توحيد البلاد تحت راية حكومة واحدة، نحتاج للوحدة لإنقاذ الاقتصاد المترنح أصلا».
وختم بأن «حرس المنشآت يعيق الوحدة أيضا، يجب حله أو ضمه للجيش المستقبلي، من دون حكومة واحدة لن يكون هناك أمن وليبيا تسير لمزيد من الفوضى وانعدام القانون».
وكان البرلمان الليبي المنحل رفض، خلال جلسة عقدها في طبرق شرقي البلاد، منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، وطالب بتعديل المادة الثامنة من الدستور كشرط لقبولها.
وتنص تلك المادة على «نقل كل صلاحيات المناصب الأمنية والعسكرية والمدنية إلى مجلس رئاسة وزراء حكومة الوفاق بعد توقيع الاتفاق مباشرة، على أن يتخذ مجلس الوزراء قرارا بشأنها خلال مدة لا تتجاوز عشرين يوما، وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال هذه المدة، يقوم المجلس باتخاذ قرارات تعيينات جديدة خلال مدة ثلاثين يوما».
وقد شنت قوات الجيش الوطني أمس الأحد، هجوما مباغتا على منطقة الهلال النفطي وأعلنت إحكام سيطرتها على بوابات أجدابيا وميناء السدرة وراس لانوف و ميناء الزويتينة في منطقة الهلال النفطي التي كان يسيطر عليها حرس المنشآت النفطية، في عملية أطلق عليها القائد العام للجيش الفريق أول ركن خليفة حفتر اسم «البرق الخاطف».
وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، في بيان لها إحكام السيطرة التامة على موانئ الزويتينة وراس لانوف والبريقة والسدرة، مؤكدة أنها تحت حماية الجيش الوطني الليبي.
وقالت القيادة العامة في بيانها المنشور عبر صفحتها على موقع «فيسبوك»، اليوم الاثنين، «ايمانا من جيشك الوطني بمسؤوليته على حماية قوت الشعب وثرواته من العبث والفساد، قامت قواتكم المسلحة مع بزوع فجر اليوم الأحد الموافق 11 – 9 – 2016، بتنفيذ عملية البرق الخاطف، وأحكمت سيطرتها التامة على موانئ الهلال النفطي في الزويتينة والبريقة وراس لانوف والسدرة، لتصبح هذه الموانئ تحت حماية الجيش الوطني الليبي جيش كل الليبيين».
وأكد البيان أن مسؤولية تشغيل هذه الموانئ والتصرف فيها يعود «إلى المؤسسة الوطنية للنفط، مع التأكيد على عدم تدخل القوات المسلحة في شؤون التشغيل أو التصدير و إبرام الصفقات التجارية، باعتبارها اختصاصا مدنيا بحتا».
وطمأنت القيادة العامة «الشعب الليبي بأن هذه الخطوة ترمي إلى استعادة الشعب سيطرته على مقدراته ومنع العابثين من المساس بها».
وردا على هذا الهجوم، دانت الولايات المتحدة وخمسة من كبار حلفائها الاوروبيين أمس الإثنين الهجوم الذي تشنه منذ الأحد قوات الحكومة الموازية في ليبيا بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، على موانئ النفط في الهلال النفطي والذي تمكنت في اعقابه من الاستيلاء على ثلاثة من هذه الموانئ.
وقالت الدول الست في بيان مشترك، إن «حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة تدين الهجمات التي استهدفت في نهاية الأسبوع موانئ زويتينة وراس لانوف والسدرة والبريقة النفطية في ليبيا».
وترعى هذه الدول الست العملية المعقدة لإعادة توحيد ليبيا وإعادة إعمار هذا البلد الغارق في الفوضى، منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي في 2011.
وشدد البيان على أن النفط ملك للشعب الليبي، ويجب بالتالي أن تديره حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس.
وأضافت الدول الست، ندعو كل القوات المسلحة الموجودة في الهلال النفطي للانسحاب الفوري وغير المشروط، مطالبة بـ«وقف فوري لإطلاق النار» ومجددة دعمها لحكومة الوحدة الوطنية.
والإثنين اقتربت قوات الحكومة الموازية من السيطرة بشكل كامل على منطقة الهلال النفطي، بعدما وضعت يدها على ميناء ثالث في المنطقة.