«الفوضى والأزمة السياسية في العراق تخدم مصالح تنظيم داعش».. هكذا حذر المبعوث الدولي للعراق، جان كوبيس، في كلمته أمام الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، في إشارة إلى سلسلة الاحتجاجات واقتحام البرلمان العراقي، وعدم القدرة على تشكيل حكومة تكنوقراط حتى الآن.
تفجيرات وتراجع
على الرغم من الإعلان المستمر عن تراجع داعش في العراق بعد تكثيف استهدافه من جانب قوات التحالف الدولي، إلا أن هذا الإعلان جاء بالتزامن مع سلسلة تفجيرات متزامنة في عدة مدن عراقية وقع أكثرها دموية في منطقة الصدر، التي يمثل المواطنون الشيعة غالبية سكانها.
وأعلن الجنرال الأمريكي، جاري فوليسكي، أمس الأربعاء، في مؤتمر صحفي عبر الفيديو من بغداد، أن «تنظيم داعش يخسر أراض يوميا في العراق، ويعاني من أجل إعادة تنظيم قواته بعد كل هجوم»، فيما أعلنت الحكومة العراقية أن «رقعة المناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرة تنظيم داعش، انخفضت من 40% إلى 14% من إجمالي مساحة البلاد».
ولا يزال داعش يسيطر على مناطق عدة شمال وغرب العراق، من بينها الموصل، ثاني أكبر الدول العراقية.
وبافتراض أن تنظيم داعِش يتراجع بالفعل في العراق، فإن التفجيرات تذكر بإمكانية قيام التنظيم الإرهابي بمضاعفة عملياته الإرهابية في ظل مؤسسات ضعيفة في الدولة.
استغلال للأزمة السياسية
توقيت التفجيرات الإرهابية لم يكن مصادفة، فقد جاء بالتزامن مع أزمة سياسية خانقة تعصف بالعراق، حيث لا يستطيع نواب البرلمان الاتفاق فيما بينهم حول التئام المجلس، فيما تعاني الحكومة من شبه شلل جراء الخلافات الحزبية والفئوية.
وجاءت التفجيرات بعد أسبوع على تظاهرات دعا لها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي اقتحم أنصاره البرلمان، احتجاجا على الفساد والسياسة الطائفية في البلاد، وسط دعوات لإصلاح النظام السياسي، الذي وضعت الولايات المتحدة أسسه عقب الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، مهددين باقتحام آخر للمنطقة الخضراء ما لم يتم تنفيذ مطالبهم.
ويرى مراقبون أن التفجيرات تهدف بالأساس إلى تقويض الجهود الحكومية لإحكام الأمن في العاصمة العراقية، وإبطال المساعي نحو دفعة قوية يقودها المواطنون الشيعة للإصلاح السياسي في ظل ثبات موقفهم تجاه عدة تفجيرات متتالية، وسط مخاوف من تعرضهم لحرب طائفية مماثلة لأخرى وقعت في عام 2006، عندما استهدف تنظيم القاعدة في العراق مزارا للشيعة هناك.
تزايد الجماعات الشيعية المسلحة في العراق بعلم من الولايات المتحدة جعل الأزمة العراقية أسوأ، حيث هاجم الشيعة ذوو التسليح الأعلى السنة في العراق، بما يخلق بيئة مناسبة لتنامي تنظيم داعش الإرهابي.
الحكومة في مأزق
وتواجه الحكومة العراقية الحالية اتهامات بالتقصير الأمني والوضع المتدهور في العراق، ما دفع رئيس الوزراء حيدر العبادي بالاجتماع بكبار القادة الأمنيين لبحث الهجمات التي ضربت بغداد، كما أمر بفتح تحقيق فوري لمعرفة الأسباب التي أدت إلى حدوث تلك الخروقات الأمنية، ومحاسبة المقصرين.
يأتي ذلك وسط مطالبات أعضاء من البرلمان للقائد العام للقوات المسلحة بإقالة وزيري الدفاع والداخلية وقائد عمليات بغداد، على خلفية التدهور الأمني الخطير، الذي شهدته العاصمة بغداد وعدد من المحافظات مؤخرا، منددين بالاكتفاء بإصدار البيانات الاستنكارية.
الشيعة.. هدف دائم لـ«داعش»
التفجيرات الأكثر دموية، التي وقعت أمس، الأربعاء، وراح ضحيتها ما يقرب من 90 قتيلا، لم تكن الأولى التي يستهدف فيها داعش الشيعة في العراق، حيث ذكَرت تفجيرات أمس، بأخرى وقعت متزامنة في العراق في 13 يونيو 2012، باستخدام 16 عبوة ناسفة، و17 سيارة مفخخة، وشن 5 هجمات في مناطق مختلفة في مدن بغداد، والحلة، والموصل، والأنبار، وسامراء، وكركوك، والسماوة، وديالي، وهي التفجيرات التي راح ضحيتها أكثر 48 عراقيا وإصابة 284 آخرون.
ووفق إحصائيات الأمم المتحدة، فإن 741 عراقيا، على الأقل، قتلوا في أبريل الماضي نتيجة أعمال العنف، بينهم 410 من المدنيين، فضلا عن 1374 جريحا في الشهر نفسه.
