تحقيق – مينا حبيب
لم تكن مريم أيوب تحلم سوى بحياة هادئة، ولكن تلك المرأة الصعيدية لم تكن تدري أن زواجها سيكون بداية لفصل مؤلم من العنف على يد زوجها.
فمع أول أيام زواجها بدأ الزوج في استخدام العنف ضدها، أما هي فلم تستطع مواجهته، بل كانت تتعامل معه بخضوع وخنوع. كانت تردد العبارة الشهيرة “عاوزة أعيش ومضحكش الناس عليا”، وهي تلك العبارة التي ترددها الكثير من النساء المغلوبات على أمرهن وترددها كثير من الأسر لتشجيع بناتهن على تقبل العنف وتحمله.
على مدار أكثر من عشر سنوات، كانت مريم تترك بيتها غاضبة تارة وتهرب منه تارة أخرى بعدما إزداد عنف زوجها وقام بحبسها ومنعها من الخروج.
هربت أخيرا من ذلك البيت الذي تصفه “بالجحيم” مع أبنتها، لتبدأ رحلة من الهرب أملا في الحياة، ولكنه إستمر في تهديدها وتهديد أسرتها.
“كثير من الرجال يعتبرون ضرب زوجاتهم أمرا طبيعيا” هذا ما أكدته دكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع، وأضافت أن قبول العنف في المرة الأولى يفتح الباب لتكراره مرارا ويصير عادة للزوج يصعب تغييرها فيما بعد.
أما الدكتورة نهى صبري أستاذ الطب النفسي، فتضيف أن العنف الأسري يوجه ضد المرأة ويعقبه إعتذار ثم قبول للاعتذار ويتكرر الأمر بهذه الوتيرة. وأكدت أن السلوك العدواني يحتاج إلى وقفة حازمة.
هذا بالفعل ما حدث مع مريم التي فوجئت بتصرفات زوجها عندما عادت دون وقفة حازمة، حيث عاملها الزوج بمنتهى المذلة وكأنها حيوان دون كرامة.
ثم تطور الأمر ليمزق ملابسها ويكسر مقتنياتها ويتفنن في إهانتها ويهددها بأنها يجب أن تطيعه في كل شيء كما أكد لها إنها ليست سوى خادمة في بيته لا تتمتع بأي حقوق.
لم تنته الحكاية هنا، فذلك الزوج الذي ازدادت سطوته وجبروته ولم يجد رادعا يمنعه من تعذيب زوجته وترهيبها قرر أن يقوم بخطف أبنته ليزيدها حسرة وألما.
أعد العدة لذلك مع بعض أصدقائه واستقل “توكتوك” ليقوم بفعلته، ولكنها قاومت بكل طاقتها لتنقذ ابنتها.
استشاط الزوج غضبا، ولأنه كان يرى أن العنف ضدها مستباحا، أمسك بآلة حادة وبدا يسدد طعناته في مختلف أنحاء جسدها.
كانت مريم تنزف، ولكنها لم ترى شيئا سوى أبنتها التي يمكن أن يأخذها هؤلاء الوحوش. تمسكت بها حتى النهاية، ولم يتمكنوا تلك المرة من خطفها. إلا أن جروحها التي أحتار الأطباء في حصرها، تطلبت ١٦٥ غرزة لتضميدها.
هذه القصة المرعبة، وذلك العنف الذي تعرضت له مريم هو جزء من سلسلة من العنف المتزايد الذي تواجهه كثير من النساء في مصر بشكل متزايد، في ظاهرة عالمية إزدادت حدتها بعد جائحة كورونا.
فمنظمة الصحة العالمية تشير إلى أن واحدة من كل 3 نساء تتعرض لعنف بدني أو جنسي.
وفي دراسة حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أشارت أن العنف النفسي هو الأعلى من بين أنواع العنف التي تعاني منه المرأة بين 18-64 عاما، حيث بلغ 22.3%، يليه العنف الجسدى 11.8%، ثم العنف الجنسى 6.5%.
هذا يعني أن ملايين النساء يواجهن العنف الأسري، وهي ارقام ضخمة تتطلب وجود عدد من المؤسسات لدعم المرأة المعنفة.
وقالت رئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد، إن مؤسسات دعم المرأة تقدم للنساء استشارات قانونية بعد استقبال الشكاوى، كما تقوم المؤسسات بالتواصل مع مسؤولة الاستضافة بوزارة التضامن الاجتماعي لتوفير بيوت آمنة للنساء، كما تتواصل مع وحدة مكافحة العنف بالداخلية.
ومنذ عدة أشهر فوجيء البرلمان المصري بمقترح قانون لتغليظ عقوبة الزوج الذي يعتدي على زوجته. قانون وصف بأنه يهدف لحماية النساء من ظاهرة العنف في المجتمع.
النائبة نشوى الديب، عضو مجلس النواب المصري، قالت إن القانون هو محاولة لإيجاد طريقة موحدة للنظر في كل محاور العنف بشكل عام، والعنف ضد المرأة بشكل خاص. نحن بحاجة إلى تغيير ثقافة المجتمع، ولذلك فالمجتمع المدني والأحزاب والنقابات والمؤسسات الدينية والدراما والإعلام يجب أن تسهم في تغيير فكر وسلوك وثقافة الناس، ورفض العنف.
من جهتها أعلنت وزارة الصحة المصرية أنه يجري الانتهاء من 21 عيادة تخصصية لمناهضة العنف ضد المرأة كمرحلة أولى يعقبها التوسع في تقديم الخدمة بمختلف المحافظات.
ومع زيارة إحدى هذه الوحدات بالقصر العيني بالقاهرة والذي تم افتتاحه في نهاية عام 2020، قال الدكتور ممدوح شيبة، رئيس قسم أمراض النساء والولادة بكلية طب القصر العينيأ إن الوحدة تسهم في تمكين المرأة من الناحية المادية والجسمانية ومنع العنف. الوحدة أنشئت بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة وهيئة الأمم لشؤون السكان للتوعية ومكافحة العنف والتعامل مع آثار العنف ضد المرأة، بالاضافة إلى محاربة الختان ومعالجة الآثار الجسمانية والنفسية الناتجة عن هذه الممارسات.
أضاف شيبة أن معظم السيدات اللاتي استقبلتهم الوحدة من صغار السن أقل من 21 عاما، وذلك لأن ردود أفعالهم تكون أقل من غيرهن من النساء.
فيما قالت الدكتور أمنية عثمان، أستاذ النساء والولادة بكلية طب القصر العيني، إن “النساء يجب أن ترفض العنف والإبلاغ في حالة التعرض للعنف. هنا تحصل النساء على الدعم الطبي الأولي، ويمكن أن يتم تحويلها للمجلس القومي للمرأة للحصول على الدعم القانوني وغيره، كما نتواصل مع وزارة التضامن الاجتماعي لتوفير أماكن لاستضافتهم، وتدريبهم على العمل”.
إذا يجب على المرأة رفض العنف ومواجهته لأن قبوله يعني الاستمرار في تقبله بشكل متزايد، قد تعود معه إلى أهلها جثة هامدة وكأن تزويج ابنتهم كان بمثابة إصدار حكم بالإعدام. لذلك يجب على المجتمع بكافة مؤسساته المشاركة في نشر الوعي وتقديم الدعم للمرأة في مواجهة العنف العنف المتزايد في المجتمع، ومنع تكرار قصة مريم مع غيرها من النساء.