ما إن يبدأ المصلون في قطاع غزة بالعودة إلى بيوتهم بعد أداء صلاة عيد الفطر السعيد حتى تبدأ رائحة السمك المملح او ما يطلق عليها المواطنون في القطاع اسم “الفسيخ” بالتطاير في شوارع المدينة وازقتها المثقلة بهموم الحصار والانقسام وجرائم الاحتلال.
عادة موروثة :
وتزدحم اسواق غزة ليلة العيد بهذا النوع من الأسماك والذي يحرص الكثير من الفلسطينيين على شراءه, حيث تعتبر وجبة “الفسيخ” من العادات الرئيسية التي تبرز في عيد الفطر, وكأنها بداية مرحلة غذائية جديدة بعد رحلة صيام طويلة امتدت إلى الشهر, حيث تحرص أغلب العائلات على اقتناءها وشراءها ومن تم اعدادها واجتماع جميع افراد العائلة عليها لتناولها .
ولم تكن عادة اكل “الفسيخ” في صباح يوم العيد بالجديدة, فهي متوارثة منذ القدم، حيث يرى أهل غزة أن الفسيخ يعوضهم عن الأملاح التي فقدها الجسم خلال صيام شهر رمضان المبارك، وأنه يحمي الجسم من الإرهاق والتعب، وخصوصًا المعدة التي خاضت معركة الصيام .
ويرى الحاج الخمسيني خليل السعيد إن عائلته : “اعتادت على تناول الفسيخ في إفطار أول أيام عيد الفطر، فهي التي تجعلنا نشعر بأجواء حقيقية للعيد”. ويضيف، “لا يمكن ان يمر العيد دون وجبة السمك المملح” .
ويرى الفلسطينيون أن تناول الفسيخ صبيحة العيد يعمل على حفظ توازن المعدة حيث يتكاثر تناول الحلويات في العيد مما يكون سببا في الإسهال وأوجاع المعدة ، فيكون الفسيخ بمثابة حافظ لجسم الانسان من التلبوك المعوي .
اعداد الفسيخ :
وتتفنن العوائل الفلسطينية في تقديم هذه الوجبة, وتقول ام محمدو ” تبدا عملية تجهيزه تمهيداً لقليه من خلال تنقيعه في الماء للتخفيف من ملحه, ومن ثم يتم تنظيفه وغسله جيداً بالطحين والماء والليمون، ثم قليه, وتقديمه للأكل”، فيما تعمد بعض الأسر على استحضار طبق من البندورة المقلية للتلذذ في تناول هذه الوجبة التي تنجح في جمع كل أفراد الأسرة حولة في مشهد، يؤكد على تماسك الاواصر الأسرية .
وتتنوع الأسماك التي يصنع منها الفسيخ، “فمنها ما هو مصنوع من أسماك (البوري) و(الجرع) و(السردين) و(الرينجة) ولعل أجودها المصنوع من (البوري)”، كما ان اسعاره تختلف باختلاف نوع السمك المصنوع منه, حيث يبلغ سعر كيلو الفسيخ المجهز من سمك الجرح ما يقرب العشرين شيقلا ، فيما يصل كيلو فسيخ سمك البوري ثلاثين شيقلا .
وتبدا عملية تحضير “الفسيخ” قبل ثلاثة اشهر من العيد, حيث يقول سليم بكر وهو صاحب بسطة لبيعه , “عملية تحضير الفسيخ تم من خلال تتبيله بكميات كبيرة من الملح الخشن، وبهار الكركم الذي يمنحه لوناً أصفر، ثم يخزن لمدة ثلاثة أشهر أو أقل حسب نوع وحجم السمك، وخلال تلك الفترة يتم تجديد الملح ثلاث مرات”.
ويستهلك أهالي غزة ما يقارب من 30 ألف طن من السمك المملح “الفسيخ” خلال أيام العيد المبارك، كونهم يعتبرونه الوجبة المفضلة لديهم.
محاذير في تناوله :
ورغم ان تناول وجبة الفسيخ تكاد تكون العامل المشترك الذي يجمع العوائل الفلسطينية في غزة, إلا أن بعض خبراء التغذية والأطباء يحذرون من الإفراط في تناوله خصوصاً في أول أيام العيد لما له من مخاطر كبيرة قد تسبب مشاكل صحية تتكرر كل عام، تتمثل في سوء الهضم، والحموضة في المعدة، والدوار، وارتفاع الضغط لدى المسنين والنساء الحوامل, وذلك نظراً لملوحته الشديدة، وطريقة تحضيره التي تجعله عرضة لحمل أنواع خطيرة من البكتيريا.
ويحذر هؤلاء من وجود الكثير من أنواع الفسيخ الفاسدة تحتوي على بكتريا لا هوائية خطيرة، تنتج عن عدم تخزينه بشكل صحيح مما يسبب الكثير من حالات التسمم لدى المواطنين”.
