رياض أبو عواد يكتب عن أفلام الجونة
كثيرة هي الأفلام العربية وغيرها التي صورت حياة سجناء ارتبطت نسائهم برجال آخرين بعد اعتقالهم، وكانت بغالبيتها مكتوبة من وجهة نظر الرجال، لكن الفيلم التونسي “حلم نورا”، لهند بوجمعة، قدم صورة معكوسة من خلال وجهة نظر امرأة ورؤيتها لبطلتها المرأة في سياق حياة فاسدة.
فالمهم ليس السجين المعتقل، المهم المرأة التي تعيش الحياة خارج السجن، وتعاملها مع تعقيدات هذه الحياة من خلال عدة نواحي.
الفيلم عرض ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الجونة السينمائي، وفازت بطلته الفنانة هند صبري بجائزة أفضل تمثيل دور أول نساء، وهي تستحق ذلك رغم وجود منافسات حقيقيات على هذه الجائزة.
ويمكن قراءة الفيلم من خلال مستويين، إنساني أولا، وسياسي ثانيا، وفي المستوى الأول يأتي اعتقال زوج نورا (هند صبري) لمشاركته في سرقة.
تحب خلال فترة اعتقاله رجلا آخر، وتسعى للطلاق من زوجها، والارتباط بالحبيب الذي ملاء حياتها فرحا، كما توحي هند صبري بتمثيلها المغرق بتفاصيل شخصية المرأة، التي تحب وتحس بثقل كابوس الزوج الفاسد.
قرار رئاسي بالإفراج عن عدد من المعتقليين، بينهم زوجها، يقلب حياتها رأسا على عقب، هي والحبيب، حيث لا مفر من المواجهة، فلا يجدان مفرا سوى الهرب، لكن الأحداث لا تتيح لهما تحقيق هذا الهروب.
شك زوجها بأنها على علاقة أخرى نتيجة عدم تجاوبها معه عاطفا وجسديا، وبدأ في رحلة البحث، من تفتيش هاتفها المحمول يعرف بالعلاقة التي تربطها بالرجل الآخر، ويبدأ باستفزازها أمام الأبناء، إلا أنها تمنعه من إدحال الأبناء في صراعهما.
ويقوم الزوج بالانتقام منها ومن حبيبها من خلال الإيقاع بالحبيب بإجبار زوجته على المشاركة في الفخ، الذي نصبه لحبيبها، حيث يلتقيها مع مجموعة من اللصوص أصدقائه ويقوم بالاعتداء الجنسي عليه.
وهذه المشاهد، التي فاقمت الصراع وصولا للاعتداء على الحبيب، أضعفت سياق السيناريو، الذي كان يسير بسلاسة جميلة، فلا الأداء ولا فكرة الاعتداء، ولا ما تراكم عليها، يشكل إنجازا دراميا بنفس المستوى الأول في الفيلم.
وضمن سياق الفيلم، يتم تصوير مشاهد يقوم بها الزوج وأصدقاؤه بالسرقة ويظهر شخص يحصل منهم على حصيلة سرقاتهم، يتبين ضمن المسار أن هذا الشخص هو من رجال البوليس، ويشغل هؤلاء لمصلحته.
ويستطيع أن يبرأ الزوج نفسه من تهمة سرقة ورشة الحبيب والاعتداء عليه، وأن يحول الحبيب ونورا إلى متهمين، إلا أنه يفرج عندهم جميعا دون أن يدان أحد.
وهنا تكمن القراءة السياسية للفيلم، فمتى فسدت السلطة فسدت الحياة وفسد الحب وأصبح الفساد مستشريا في كل خلايا المجتمع، ونحن في العالم العربي خير مثال على الفساد الفاضح للسلطة، وانتهاك الإنسان وحقوقه على جميع الأصعدة، واللص الصغير يخدم الأكبر، والأكبر يخدم الأكبر، وهكذا وصولا لتحويل حياة المجتمعات إلى جحيم، بما في ذلك حالة الحب الجميلة، التي صورها الفيلم كان لا بد لها أن تنكسر في حياة يكتظ فيها الفساد.
