الفيلم السوداني «ستموت في العشرين».. الكل مشوه لكن الحياة تنتصر

كتب: رياض أبو عواد

يرتكز الفيلم السوداني “ستموت في العشرين” لأمجد أبو العلا الذي عُرض في فعاليات المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في الدورة الثالثة لمهرجان الجونة على قصة للكاتب السوداني حمور زيادة، تحمل نفس الاسم.

وبسبب حصول الفيلم على جائزة أسد المستقبل في مهرجان فينيسيا الدولة حملت الفيلم قبل مشاهدته توقعات مدهشة وبعد المشاهدة أحسست أن الفيلم حاز على جائزة مهرجان فينيسيا   لأسباب سياسية أكثر منها أسباب فنية خصوصا وأن المتغيرات الكثيرة الحاصلة في السودان على صعيد سياسي تدفع الجميع للوقوف في مساندة المنتج الثقافي والإنساني والفني.

وهذا لم يقلل من قيمة الفيلم عند مشاهدته فهناك تصوير جميل ومشاهد جميلة تم التقاطها بجمالية عالية مثل مشهد عودة بطل الفيلم بعد أول صراع له مع النهار إلى المنزل عابرا ممرا مظلم ظهر فيه كملاك من خلال التصوير عند تحويل ثوبه الأبيض إلى هالة تحيط بالجسد المنهك والروح التائهة، كذلك مشهد قدوم الدراويش فوق المراكب النهرية وجمالية تصوير المشهد.

إلا  أن الفيلم يرتكز على فكرة المولد والدراويش وهي من الأفكار والمشاهد المكررة في أفلام عربية كثيرة دارت أحداثها حول الموالد الدينية والتطلع إلى المستقبل من خلال المشايخ ورجال الدين ورجالات الطرق الصوفية أحد أبرز سمات بروز ظاهرة الدراويش الذين تتكرر مشاهدهم أكثر من مرة في الفيلم.

وينطلق الفيلم من تصوير حياة قرية سودانية تعيش كفاف يومها وتشهد ميلاد “مزمل” بطل الفيلم والنقطة المركزية في تحريك الخطوط الدرامية للفيلم بدءا من لحظة مباركته رضيعا من قبل شيخ طريقة الدراويش التي تصادفت مع موت  أحد الدراويش خلال الاحتفال بجانب المقام الذي يستقبل فيه الشيخ مريديه فتكون فال سوء يرشح الرضيع للموت في العشرين من عمره.

وجاء اختيار الاسم الديني للرضيع “مزمل” وهو أحد صفات الرسول وتعني الملتف بثوبه وملابسه استعدادا للنوم وهو أيضا عنوان إحدى سور القرآن لتعطي بعدا غيبيا قدم في أشكال متعددة في الفيلم من استسلام كامل للقدر وعدم التمرد عليه بسبب التوقعات الغيبية إلى حكمت على الفتى في الموت في العشرين بما يحدد أحداث الفيلم في اتجاهات متناقضة بين الحب واللاحب بين الربح الخسارة وبين الغيب ورجال الدين والعلم.

فمنذ طفولته يعيش انتظارا طويلا للموت المحدد والمتأخر ويقدم في إطار رمزي من خلال الخوف من السباحة في النهر العظيم بما يحمله من إيحاءات تدفق الحياة فيتم تصوير أكثر من مشهد في محاولة الاقتراب من النيل إلا أنها تبؤ بالفشل إلا في مرتين إحدهما مليئة بالخوف ولا تتجاوز الشاطئ وأخيرة لحظة تمرده على فكرة الموت شابا فيدخل النيل ويعبر عن غضبه من خلال صراعه وصراخه على الماء الجاري بعظمة الحياة وينقذه والده الذي كان رمزا للغياب وللموت لأنه هجر زوجته وابنه الرضيع للعمل في الخارج ولم يعد إلى القرية إلا بعد أن اقترب عمر ابنه من العشرين.

يقابل الأب رمز الغياب والتنازل عن دور الأب في حياة الابن وجود المصور سليمان الذي جال العالم والخارج عن عالم القرية المحاصر بالفكر الغيبي والنفعي كما عبر عنه الحوار القائم بين الفتى الذي يتجه لحفظ القرآن استعدادا لرحيله عن عالمنا في سن العشرين وصاحب البقالة المتدين التي يعمل بها عندما يكتشف أن صاحب البقالة يبيع الكحول لسليمان بداية المعرفة بين الفتى ورمز المعرفة المتناقضة مع المجتمع الغيبي في القرية سليمان.

تفتح العلاقة بينه وبين سليمان آفاقه المعرفية من خلال السينما وآلة العرض السينمائي التي يرثها سليمان عن والده التي يعتبرها أنها كانت صلة الوصل الوحيدة مع والده المختلف معه بكل شيء عدا هذا الاهتمام.

ويعرض سليمان السكير العربيد صاحب المعرفة نتيجة تجوله في العالم وفهمه التناقض ورفضه العالم الغيبي والكفر الديني الفتى لتحدي واقعه وعدم الوقوف عند حافة انتظار  الموت طوال الفترة باقناعه انك معرفتك الحقيقة من خلال التضاد برشه الحبر الأسود على الورقة الناصعة البياض ويحرب على تجريب الرذيلة مع الفتاة التي يحبها وتحبه منذ الطفولة.

ألا أن حبه للفتاة يمنعه من فعل ذلك رافضا عروضها المتكررة بالزواج خوفا من الموت المبكر وتركها وحيدة يتسبب موقفه هذا بردة فعل عنيفة عندها فتوافق على شخص آخر تقدم لها وهذا يخلق حالة التحول عنده من الانتظار الى التمرد.

ويبدأ تمرده في الصراع مع النيل رمز الحياة وفي نفس الوقت خوف الموت المتجدد والمتأصل فيه بسبب النبوءة فيخوض معركته مع النيل وينقذه والده كما أشرنا سابقا.

خلال ذلك يموت سليمان وقبل أن تجف تربته كما يقولون يذهب مزمل إلى السيدة التي كانت تعيش مع سليمان ويقوم بما يشابه اغتصابها وبعدها ينطلق في الحياة من خلال مشهد يسابق فيها الشاحنة التي تحضر المسافرين العائدين إلى القرية والخارجين منها.

كل هذه الإشارات بغض النظر عن الإكثار من مشاهد المولد تنقل التناقض بين الفكر الغيبي والفكر العملي وبين التعاسة التي يفرضها الفكر الغيبي على الأشخاص والبشر كما مع مزمل والدته ووالده  والالتفاف عليه من أجل الحياة كما فعل البقال المتدين بين الصلاة وبيع الكحول (هذه نقرة وهذه نقرة أخرى) وبين الحب والغيبي الذي دمر علاقة المزمل مع حبيبة طفولته ومراهقته وشبابه.

وبين الفكر العلمي الذي ربطه الفيلم بفكرة الخطيئة والخروج على المجتمع كما عبر عنه سليمان وكما عبرت عنه المشاهد الأخيرة في تمرد مزمل على توقعات موته فالخطئية أساس الخروج من الجنة إلا أنها بداية المعرفة والانطلاق نحو السعادة بشكلها الحياتي فالحياة تعيش باستمراريتها.

وبعيدا عن الفكرة التي قدمها الفيلم فهو يغازل العين الأوروبية في أكثر من مشهد حتى يجد قبولا مثل الإكثار من مشاهد الواقع الفنتازي للفكر الغيبي في بلاد الشرق التي تبهر العين الغربية إلى جانب المشهد المفتعل بين الفتى والشيخ والذي يوحي بنوع من العلاقات المثلية.

بالإضافة الى مشاركته التاريخ السينمائي لكثير من الأفلام العربية التي تناولت فكرة الفكري الغيبي إلى كانت تجمله هذه الأفلام بسمة عامة وتشوف الفكر العلمي إلى حد كبير من خلال تقديم رموزه كنوع من الأشخاص المتهتكين والسكرين إلا إنه اختلف مع الآخرين بالنتيجة عند إشارته إلى إلا أن الخطيئة قد تكون بداية للانطلاق إلى الحياة والفكر العلمي المتصالح مع الطبيعة والإنسان.

المخرج السوداني أمجد أبو العلاء

وفيلم يشكل مجالا للاحتفاء به بمناسبة إنه سابع فيلم روائي في التاريخ السينمائي السوداني إلى جانب تبشيره بصعود مخرج شاب جديد يمتلك نظرة جمالية يمكن لها أن تتطور وأن تكون بداية لرافد ابداعي جديد.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]