القدس: حقائق التاريخ..وشواهد الجغرافيا

قد يكون من الخطأ تصور التاريخ على أنه مؤامرة، ولكن ليس من الخطأ القول إن للمؤامرة دور في تحريك أحداث التاريخ، وإدارة صراعات القوى والمصالح.. وكانت المؤامرة أوضح ـ وربما أوقح ـ في مجريات الأحداث بإتجاه أبواب فلسطين، وكانت  (القدس) هي عنوان الدعاوى التبشيرية في كل خطوة، وهي المقصد والهدف الأكبر الذي يلامس حدود القداسة في حلم الصهيونية، وكان البحث عن اللحظة المناسبة، أن يدخل الحلم إلى عالم الحقائق السياسية، ومنذ  البدايات الأولى للحركة الصهيونية، حيث دأب منظورها على ترسيخ ما يسمونه الهدف الأعظم في أذهان يهود العالم، وهو إحتلال القدس لتصبح عاصمة لدولتهم المنتظرة .. وأن من يملك القدس يملك فلسطين.. وتجقق «الحلم المجنون» على لسان رئيس أمريكي، تصفه غالبية  الأمريكان أنفسهم بأنه «مجنون .. أبله»!!

 

 

 

 

وقد كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتكثيف الإستيطان في القدس بالذات، واحدة من أهم ركائز الدعوة لتحقيق هذا الهدف ( ولم تكن هناك قاعدة يهودية كافية تستطيع أن تتحمل عبء هجرة يهودية مؤثرة ) .. ويكفي أن نذكر أن عدد اليهود في فلسطين عام 1488 لم يتجاوز سبعين أسرة يهودية، وفي عام 1521  أصبح عددها ألف وخمسمائة أسرة، وفي عام 1798 تلقى الإمبراطور نابليون بونابرت تقريرا من مجموعة ضباط إستكشاف  سبقت جيشه إلى فلسطين في بداية الحملة الفرنسية على مصر.. ويقول التقرير المرفوع إلى نابليون، إن عدد اليهود في فلسطين 1800 منهم 135 في مدينة القدس !!

 

 

 

 

 

 

 

وإذا كانت السنوات واللحظات الأشد تعقيدا بأزماتها، هي الأكثر إستدعاء لضرورات تنشيط الذاكرة بالعودة إلي الماضي، وحينما تشتد الحاجة إلى محاولة قراءة التاريخ .. ومع مراعاة أن الماضي نفسه مفتوح رغم مرور الحقب والقرون.. فإن حوافظ التاريخ، تسجل أن العرب هم الذين بنوا القدس منذ 3000 سنة قبل الميلاد، أي منذ حوالي خمسة آلاف عام ، وأن اليبوسيين « بطن من بطون العرب الأوائل الذين نشأوا في قلب الجزيرة العربية»  هم أول من سكنوا أرض القدس واستوطنوها وأقاموا أبنيتها وتكاثروا على أرضها وشيدوا معالمها وجعلوها عاصمة ملكا لهم .. ونشأت المدينة عربية اللسان ، حيث سادت في البداية الكنعانية والأرامية ، وكلتاهما مشتقتان من العربية الأولى ، وظلتا سائدتين حتى حلت اللغة العربية الحديثة بدخول العرب المسلمين إلى المدينة ، ومنذ ذلك الوقت البعيد ظل العرب بالقدس عبر عصورها القديمة والوسيطة والحديثة ، لم يغادروها ، رغم توافد المحتلين والغزاة على المدينة .. والعبرانيون غزوا القدس سنة 1000 قبل الميلاد ، وأسسوا فيها مملكة داود وسليمان ، ولم يحكموا القدس حكما موحدا سوى مدة سبعين سنة ، ثم تجزأت المملكة وإنهارت ، وتوزع اليهود في الدول المجاورة على شكل جاليات ، في حين ظل سواد الشعب والحكام في القدس وفلسطين عربيا كنعانيا.

 

 

 

 

 

 

ولعل أسماء القدس على مر العصور تؤكد عروبتها ، ومن هذه الأسماء « يبوس » نسبة لليبوسيين ، كما أسماها الكنعانيون « أورسالم » أو مدينة السلام ، والتسمية العبرية التي عرفت فيما بعد وهي « أورشليم » مشتقة عنها .. وأسماها اليونانيون «بروساليم » ، وكانت في أوائل الفتح الروماني تدعى « هيروسليما » ، ثم أخذت الاسم الأوروبي « جيروساليم» .. ومنذ عام 139 ميلادية وطيلة العهد المسيحي سميت المدينة « إيلياء» ومعناها «بيت الله » ، أما  «القدس » فهذا الإسم معروف منذ أوائل الحكم الإسلامي وحتى الآن .. وحكم القدس أقوام عدة ، من كنعانيين ، وسوريين ، ومصريين «فراعنة » ، وبابليين ، وفرس ، ويونان، ورومان ، وبيزنطيين ، ومسلمين عرب ، وفرنجة  (صليبيين) ، ومسلمين أتراك .. وتم تدمير المدينة ومعبد سليمان عام 587 قبل الميلاد على يد البابليين ، الذين حملوا معهم اليهود أسرى إلى بلادهم ، وعندما غزا « سيروس » ملك فارس،  مملكة بابل ،عاد اليهود إلى القدس عام 530 قبل الميلاد وأقاموا معبدهم من جديد . ولكنه دمر ثانية عام 170 قبل الميلاد عندما هبّ اليهود ضد حكام المدينة .. وعندما إحتل الرومان فلسطين وحكموا مدينة القدس عام 63 قبل الميلاد ، تمكن اليهود من تدعيم نفوذهم ، فأذن الرومان لهم ببناء المعبد للمرة الثالثة عام 40 قبل الميلاد ، غير أن الخلاف دب بينهم وبين الرومان في عهد  « تيتوس » الذي حكم المدينة عام 171 ميلادية ، فدمر المعبد نهائيا ولم يبق منه غير حائطه الغربي ، ثم طرد اليهود أنفسهم من القدس 135 ميلاديا ليعيشوا في الشتات .. ومنع اليهود من الإقامة في المدينة طوال حكم الرومان وحكم البيزنطيين ، حتى حكمها العرب المسلمون عام 638 ميلاديا في عهد عمر بن الخطاب الذي سمح لليهود بالعودة وتشييد معابدهم في القدس ، وسمح المسلمون لليهود بإقامة شعائرهم الدينية عند الحائط الغربي بحرية تامة ، وظل الأمر كذلك حتى حكم الفرنجة «الصليبيون» المدينة قرابة 88 عاما فعاملوا اليهود بغلظة ، ولم يسترجع هؤلاء حريتهم خالصة في الإقامة وممارسة الشعائر إلا بعد أن دخلها صلاح الدين عام 1117 ميلاديا، ثم إستمر حكم المسلمون للمدينة حتى زمن الانتداب البريطاني «الاحتلال البريطاني» لفلسطين .

 

 

 

وذلك كله يعني :

 

  • أن الكنعانيين «وليس اليهود» هم الذين أنشأوا مدينة القدس وظلوا وحدهم سكانها طوال 800 عام .

 

 

  • أن المسلمين حكموا المدينة حوالي 1300 عام حتى إحتلها البريطانيون ، غير أن الفلسطينيين سواء كانوا وثنيين أول الأمر ثم مسيحيين ومسلمين ، فقد عاشوا في المدينة وشكلوا الأغلبية العظمى من سكانها منذ عام 135 ميلاديا حين طرد اليهود منها وعاشوا في الشتات .. أي أن الفلسطينيين ظلوا سكان القدس طوال 1800 عام.

 

 

  • أن اليهود ظلوا مضطهدين محرومين من الإقامة في القدس وتشييد معابدهم في رحابها حتى حكمها العرب والمسلمون فمنحوهم حرية الإقامة وتشييد المعابد .

 

 

 

 

 

وبالعودة إلى السنوات الأولى من عمر التاريخ ، وعلى ضوء الإكتشافات الأثرية الحديثة، فإن منطقة القدس وما حولها ، قد سكنت ما يربو على عشرة آلاف عام  ق . م ، ففي العصر الحجري الوسيط بين 1000 ـ 8000 سنة ق . م ، ظهر النطوفيون في فلسطين ، وجاءت تسميتهم نسبة إلى وادي النطوف غربي القدس .. وبإجماع الباحثين تعتبر النطوفية الحضارة الأولى على طريق تقدم الإنسان وإرتقائه ، فمن خلالها وصلت التحولات الإقتصادية والإجتماعية في فلسطين قمتها ، وحين بلغ «النطوفيون» درجة عالية من التقدم ، تم وضع الأساس المادي والفكري المباشر للإنعطاف الجذري والأهم من تاريخ البشرية ، وأهم ما إمتازت به هذه الحضارة ، إنتقالها بالإنسان من مرحلة الصيد وجمع الطعام ، إلى مرحلة الزراعة وتدجين الحيوان ، وبذلك تحول من الإقتصاد الإستهلاكي ، إلى الإقتصاد الإنتاجي ، وكان القمح والشعير أول ما زرع الإنسان، وليس لدينا دليل على ممارسة أي شعب آخر غير النطوفي للزراعة ، في مثل هذا العصر البعيد .. ومما إمتازت به هذه الحضارة أيضا ، قدرتها على تغيير الوجدان الروحي للإنسان تغييرا جذريا ، وهنا يكمن السر في القداسة التي لازمت هذه البقعة من الأرض منذ ما قبل التاريخ وطوال عصورها التاريخية ، وإلى يومنا هذا .. ويؤكد «هنري فرانكفورت»  في كتابه (فجر الحضارة في الشرق الأدنى) أنه بعد عهد النطوفيين أو خلاله، تمت هذه الإكتشافات المهمة ، ونشرت بين القرى الممتدة من وادي النيل خلال الدلتا ، ومنها في قوس من أريحا ،عبر جبيل  وأوغاريت على الشاطئ السوري ، إلى مرسين في قلقيلية ، ومن خلال سهل عاموق ، للشرق من أنطاكية ، عبر جرابلس على الفرات  إلى تل حلف ، وبازار شلغار في شمال سوريا ، إلى نينوي وحسونة قرب الموصل ، ثم إلى الشرق إلى سيالك قرب كاشان أواسط إيران .. ويشير المؤرخ والباحث «غولايف» في كتابه (المدن القديمة) إلى ملامح هذه الحضارة ويذكر أن الزراعة وتدجين الحيوان والتبدلات المرتبطة بهما ، قد حولت بوضوح ـ أكثر من أي شيء آخر ـ ظروف تطور الحضارة البشرية،  وغيرت بيئة الإنسان الطبيعية وبيولوجيتة ، وغيرت كل كوكبنا إلى درجة معينة.

 

 

  • وتأسيسا على ما سبق ..  يكون الإنسان (النطوفي الفلسطيني) في القدس والأراضي المحيطة بها ، قد قدم للبشرية خدمات جليلة، هي الأساس الأول للحضارة الحديثة .

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]