رغم أن القضية معلقة منذ أكثر من 5 عقود، ومع فشل المباحثات والوساطات الدولية لتوحيد الجزيرة المقسمة، التي تطلق عليها مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الغرب، وصف «ضحية التاريخ والجغرافية»، بدت مؤشرات التوافق بين شطري قبرص على طريق الوحدة.
وحسب تأكيد وسيط الأمم المتحدة في قبرص، النروجي أسبن بارت ايدي، سجلت المفاوضات بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك، التي جرت أمس، الثلاثاء، لإيجاد حل للجزيرة المقسمة، تقدما ملحوظا على طريق الوحدة.
وإذا كان المبعوث الأممي قد أشار إلى التوافق حول القضايا الأصعب في مسألة الوحدة القبرصية، ومع توافر الإرادة السياسية من الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسيادس، وزعيم القبارصة الأتراك مصطفى أكينجي، للعمل على طريق الوحدة، رغم الأوضاع الجيوسياسية المعقدة المحيطة بالجزيرة، فإن الدوائر السياسية الغربية رصدت المتغيرات الإقليمية المرتقبة، النتائج والتطورات المتوقعة، بعد أن تصبح قبرص بلدا أوروبيا موحدا.
المتغيرات والتطورات المرتقبة، وفقا لتحليل المركز البحثي لدراسات المستقبل في لندن، ترتبط بسياسات وتوجهات الجزيرة الموحدة، تجاه 3 دول، هي الأقرب جغرافيا، اليونان وتركيا ومصر، وأنه في حال «الوحدة»، فإن قبرص لن تخرج عن سياسات ومواقف «الشطر اليوناني» الأوروبي، وستكون الأقرب لمواقف مصر واليونان تجاه قضايا وأزمات المنطقة، وهو ما يتعارض مع سياسات تركيا، وما تسعى إليه من أهداف ونفوذ في الإقليم.
ويرى الباحث البريطاني في مركز دراسات المستقبل، جورج آدمز، أن مصر هي المستفيد الأكبر من «قبرص الموحدة» والتي تعد دولة أوروبية خارج الوصاية التركية، وأن العلاقات التاريخية التي ربطت بين مصر وقبرص، ستنعكس على شطري الجزيرة الموحدة، التي تمثل بعدا استراتيجيا آمن لمصر في البحر المتوسط.
ويشير الباحث البريطاني إلى «الشراكة الإستراتيجية الثلاثية» بين مصر وقبرص واليونان، والتي ستأخذ بعدا جغرافيا أوسع بضم الشطر الشمالي التركي للجزيرة، واستفادة مصر من تفعيل الاتفاقيات البحرية والخاصة باستكشافات حقول الغاز الطبيعي المشتركة في مياه المتوسط، دون عقبات من الجانب التركي، وسوف يتحرر المحور المصري القبرصي اليوناني من آثار تقسيم قبرص عبر التدخل التركي، خاصة أن قبرص الموحدة ستنحاز أكثر إلى الهوية اليونانية.
ومن جانبه، يؤكد أستاذ التاريخ الحديث، الدكتور محمود القوصي، أن قبرص الموحدة ستفرض تداعيات ونتائج على منطقة المتوسط، وهي بالطبع الأقرب لمصر، وكانت تاريخيا عمقا لمصر داخل مياه البحر المتوسط، ومن المتوقع أن تكون سياسات الدولة الموحدة على نفس مسار اليونان الدولة الصديقة لمصر.
وقال القوصي، في تصريح لـ«الغد العربي»، إن مصر سوف تتعامل وقتئذ مع دولة كاملة وليس «شطر دولة»، ومن هنا تبرز أهمية توحيد قبرص بالنسبة لنا، وهي الجزيرة التي توصف بأنها ضحية التاريخ والجغرافيا، حيث تنازعتها فكرة إعادة مجد الإمبراطورية اليونانية القديمة، من أجل ضم كامل جزيرة قبرص إلى اليونان، وأيضا فكرة إعادة مجد الإمبراطورية العثمانية، بضم الشطر الشمالي إلى تركيا، وكانت النتيجة أن هناك جزءا يونانيا وآخر تركيا، الأول يشغل الجزء الجنوبي من الجزيرة في حوالي 59% من مساحتها البالغة حوالي 9251 كلم2، والثاني يشغل الجزء الشمالي في مساحة تصل إلى 35%، وبقية مساحة الجزيرة البالغة 244 كلم2 هي منطقة عازلة ترابط فيها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على طول الخط الأخضر الفاصل بين شطري الجزيرة منذ عام 1964، حيث يتم تجديد مدتها كل 6 أشهر، ومنذ ذلك التاريخ كان يتم تعويم القضية، وعدم الوصول إلى حل نهائي يرضي الطرفين.
