المتوكل طه يكتب: «بلات فورم» والكورونا.. جَرَس السجن المدوّي

د. المتوكل طه

..وكأني بهذا الفيلم وفي هذا التوقيت الرجراج والاستثنائي الذي يعيشه العالم تحت وطأة الكورونا يريد أن يقول؛ إن النظام العالمي المتوحّش الذي يسيطر على أقوات البشر المحبوسين خوفاً من تفشي الوباء، ينذر بتداعياتٍ وخيمةٍ تتمثّل في أن الناس سيأكلون بعضهم البعض، أو أن هذا النظام الساديّ يجب أن يتوقّف عمّا يقترفه من سرقاتٍ وعبثٍ، لأن الإنسانية تنتفي تماماً تحت شروط هذه المعادلة المُختلّة، وأن كل ما يُقال عن الحقوق والحريات والمبادئ ليس أكثر من لغطٍ لا وزنَ له.

***

يأخدنا فيلم “بلاتفورم” من بدايته، ليقودَنا إلى مضمونه، كأنه يُفَوِّت علينا، سلفاً، مُتعةَ الاكتشاف، وخصوصاً عندما يقول “هناك ثلاثة أنواعٍ من البشر في هذا العالم؛ مَن هم بالأعلى، ومَن هم بالأسفل، ومَن يسقطون”. أي أننا أمام تقاطبٍ طبقيٍّ مُحَدَّدٍ ،يُذكّرنا بما جاء على لسان كارل ماركس في البيان الشيوعي العام 1840 عندما قال “إن تاريخ مجتمعاتنا كلّه صراعٌ طبقي .”

والفيلم عبارة عن سجنٍ من نوعٍ فريدٍ متعدد الطوابق، في كل طابق سجينان يمكث الواحد منهم لمدة شهرٍ في طابقٍ ثم ينتقل إلى طابقٍ آخر إمّا للأعلى أو للأسفل، بصورةٍ عشوائيةٍ غير مُدْرَكةٍ، وتهبط من وسط كل طابقٍ مائدةٌ، تتوقف لمدة دقيقتين، ولا يحِقُّ لأي سجينٍ الاحتفاظ بأي طعام، ثم تهبط المائدة إلى الطوابق السُفلَى.. وهكذا، فمَن كان في الطوابق العليا يأكل حتى التخمة، ومن كان في الطوابق الوسطى فقد يجد شيئاً من بواقي الطعام، أمّا مَن كان في الطوابق الدنيا فإنه لن يجد سوى الأطباق الفارغة، بمعنى أن المائدة، وكلّما نزلت إلى طابقٍ تحتيٍّ قَلَّ الطعام، لأن مَن بالأعلى أتوا عليه، ومَن كان في الطوابق السُفلَى فلن يجد شيئاً. والسجناء يقضون أحكامهم في ظروفٍ دستوبيّةٍ مفزعةٍ .

غير أن بطل الفيلم الذي ذهب باختياره إلى المعتقل مقابل أن يحصل على دبلوم “مُشرِف مبيعات” وكأن هذه التجربة له في السجن يجب أن تُعَلِّمَهُ أن “جميع المُنافسين هم المشكلة التي يجب أن يتغلّب عليها”.. فيما يحِقُّ لكل سجينٍ أن يأخد معه إلى السجن شيئاً، ولهذا نرى أن البطل حَمَلَ معه كتاب “دون كيخوتي دي لا مانتشا” للأديب الإسباني “ميغيل دي ثربانتس سابيدرا” الذي نُشِرَ مع مطلع القرن السابع عشر، ونرى أن سجناء آخرين أخذوا معهم إمّا السكاكين أو الكلاب أو غير ذلك. وباختصار فإن المخرج الإسباني لهذا الفيلم “جالدير أورويثا” أراد أن يُعَمِّق فكرة الفيلم الرئيسة وهي: (أن هناك ما يكفي .. إذا أخذ كلُّ واحدٍ حاجتَه). غير أن الواقع، للأسف، يقول إن الإنسان لم يبلغ حدّ الوعي ولم يدرك بأن مصلحة الآخر هي مصلحته، بل ثبت بأنّ “الإنسان هو ذئبٌ لأخيه” كما يقولون!

وما يُثير الهلع، وهو حقيقيٌّ للأسف أيضاً، أن السجناء في الطوابق السُفلَى لا يجدون بُدّاً إلا أن يأكلوا بعضهم البعض – انظر مشاهد وحوارات زوريون إيغويليور وأنطونيا سان جوان وإليكساندرا مسانغ كيه – لأنهم ببساطةٍ لم يجدوا ما يأكلونه. ويُلحِف الفيلم على امتداد عرضِهِ على هذه الثيمة التي تنفجر في وجوه الذين يأكلون حقوق غيرهم.. أو يأكلون بعضهم البعض. إضافة إلى ما يقترن بالاستهتار والساديّة عندما يقوم سجين من الطوابق العليا بالتبوّل والبصاق على المائدة بعد أن ينتهي من وجبته.. غير سائل بأخيه الإنسان الذي يتضوّر جوعاً ! فضلاً عن الذي يتغوّط على مَن هو دونه.. بعبثٍ جارح !

إلا أن خاتمة الفيلم، التي لم تكن بمستوى زخم بدايته وأواسطه، تصل إلى أن بطل الفيلم مع رجلٍ “أسْوَد” يحاولان أن يبعثا رسالةً إلى الطابق “صفر” (المُتَحَكَّم بالسجن والمسيطر عليه والذي يُعِدُّ الطعام للسجناء ويبعثه إليهم). بمعنى أن نهاية الفيلم لم تشكّل ذروةً تُكَثِّف المعنى الكلي للمضمون، بقدر ما جاءت نهايةً باهتةً ورومانسيةً تُحاول أن توصل رسالتها الى “المُتَحكِّم” في السجن أو لنقل بالكون.

ومن هنا نطرح الأسئلة التالية: إذا كان القائمون على الطابق صفر يُمَثِّلون الواحد بالمئة أو يُمَثِّلون النظام الذي يُحْكِم قبضتَه على عُنُق العالم، أو أن الطابق صفر يمثّل القوة الإلهية، فلماذا تكون “الرسالة” من الأسفل إلى الأعلى؟ أي أن الرسالة يجب أن تكون من الأعلى إلى الأسفل.. هذا إذا كان الطابق صفر يُمَثِّل الآلهة، أما اذا كان يُمَثِّل الطبقة المتوحّشة والمُسيطِرة.. فعندها لن تكون الرسالة مفيدةً، لأن المُتغَوِّل والمُسيطِر لن يأبه بمثل هذه الرسائل البريئة الساذجة والرومانسية.

بلغةٍ أخرى كان ينبغي على القُوَى المسحوقة والجائعة أن يكون فعلها أكثر حدّةً وتأثيراً ونفاذاً وثوريةً وبلاغةً، ويجب أن يكون فعلها ساعياً إلى التغيير ولو بالقوة. وثمة إشارةٌ حمَلَها الفيلم وهي أن الذي يُعَوَّل عليه لتغيير العالم هم المثقفون، باعتبار البطل( إيفان ماساغوي) قارئاً ومهموماً بالكتب والمؤلفات، وكذلك السُود (مُمثَّلاً بإيميليو كوكا).. أي القوى المُهَمَّشة المُنتَهَكة، مثل أشقائنا الأفارقة، الذين تمّ نهبهم واستعبادهم من قبل الأبيض الفاشيّ.

إن فيلم “بلاتفورم” الذي هو سجنٌ محكومٌ بلا رحمةٍ يُشْبِهُ عمارةً متعددة الطوابق، ومن وسط العمارة “بير السِلّم” تهبط منصّة أو مائدة الطعام، من الأعلى لسكّان هذه العمارة إلى مَن هم دون ذلك.. وأن مَن هم في الأعالي ينهبون حقَّ مَن هم في الطوابق الدنيا، وكأني بهذا الفيلم وفي هذا التوقيت الرجراج والاستثنائي الذي يعيشه العالم تحت وطأة الكورونا يريد أن يقول؛ إن النظام العالمي المتوحّش الذي يسيطر على أقوات البشر المحبوسين خوفاً من تفشي الوباء، ينذر بتداعياتٍ وخيمةٍ تتمثل في أن الناس سيأكلون بعضهم البعض، أو أن هذا النظام الساديّ يجب أن يتوقف عمّا يقترفه من سرقاتٍ وعبثٍ، لأن الإنسانية تنتفي تماماً تحت شروط هذه المعادلة المختلّة، وأن كل ما يُقال عن الحقوق والحريات والمبادئ ليس أكثر من لغطٍ لا وزنَ له.

إن فيلم بلاتفورم يقرع الجرس ويُحَذِّرُ من الصراع الطبقي وسقوط القيم التي نهضت على أسس الجشع والأنانية وسرقة ثروات وحقوق الآخرين.. والسؤال: ألَم نكتشف بعد هراء خطاب الأبيض المجرم الذي يعبث ويلهو بمقدّرات وبحيوات البشر؟ أم أننا سندخل، أكثر، في حمأة هذه الحفرة/ السجن الذي يدفع الجوعى لتمزيق لحم بعضهم البعض؟!

وثمة مَن قال إن واحداً بالمئة من البشر يحكمون العالم أو يتحكّمون في الاقتصاد العالمي، وإن أربعةً بالمئة يعملون لصالحهم لتنفيذ هذه المهمة، وإن خمسةً بالمئة مُفكِّرون ومثقفون يعرفون هذه الحقيقة، وإن تسعين بالمئة من الناس لا يدركون هذه الحقيقة ويعيشون في غفلةٍ، وإن كل الصراعات تدور حول محاولة الأربعة بالمئة منع الخمسة بالمئة من إيقاظ التسعين بالمئة لصالح الواحد بالمئة! فهل حقَّقَ الفيلم هذه المقولة المخيفة؟

ربما! ولهذا فعلى الناس الانتباه.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]