المتوكل طه يكتب: فيلم «نمر في الشتاء».. هل النمر الفالت هو الكورونا ؟

د. المتوكل طه

استطاع المخرج الكوري الجنوبي “لي كوانج كوك” أن يقدّم لنا تحفة فنية تكاد تكون غير مسبوقة، بهدوءٍ وحذاقةٍ وقدرةٍ لافتة، دون ضجيج وتشاوف وتنظير. إنه فيلم “نمر في الشتاء” الذي يصلح من عنوانه لأن يقودنا إلى محتوى هذا الفيلم إذ أن “النمر” يعني الخوف والهلع، مثلما أن “الشتاء” يعني البرودة بكل معانيها .

والفيلم من أوّله يتناولُ البطلَ كيونغ يو المحبط الضائع الهشّ البائس الحزين الوحيد والعاجز، والمخذول من صديقته وأصدقائه القليلين. ونرى أن هذا البطل الذي طُرد من شقة صديقته وبدء العمل بوظيفة جديدة بدوام جزئي، كسائق بديل في الليل للاشخاص الذين تحت تأثير الخمر، كان مشروع روائيّ ،غير أنه كفّ عن هذه الهواية، وراح يسوح باحثاً عن عمل، بعدما أضحى دون سكن، وهنا تظهر المخاتلة والسرقةُ ويتجلّى الاحتيال الذي بات سمة لمعظم شخوص الفيلم، ما يعمّق يأس وبؤس البطل الذي لا يجد جهة يركن إليها .

والحكايةُ من أوّلها أن وسائل الإعلام نشرت خبراً مفاده أن نمراً قد هرب من حديقة الحيوان ما يتطلبُ الحذر من الجمهور .

ونرى أن بطلة الفيلم يو جونغ هي روائية أيضاً، وقد فازت بجائزة أبداعية وطنية قبل سنوات، وصدف أنها التقت البطل، فتبيّن أنهما كانا صديقين حبيبين، فتحاول البطلة أن تستعيد دفء العلاقة القديمة مع البطل وتستضيفه في بيتها، لكنه يكون عاجزاً جنسيّاً، ما يعني أنّ هذا العجز الجسدي هو تعبير عن عجزه على العطاء وعجزه عن التواصل مع الآخرين، بل تعبيرٌ عن عجز الحياة نفسها .

إن هذا الفيلم الباحث عن العاطفة المفقودة وعن الصدق في العلاقات، يتمتع بقدرة عميقة وشديدة الوضوح على نقد المجتمع العاجز، وعن إحباط وضياع  وعطب أفراده، وهذا يعني أن المجتمع الكوري الجنوبي هو مجتمع قويّ، لأنه ببساطة يستطيع أن ينتقد ذاته بهذه المجاهرة وهذا الوضوح، ويحاول أن يتجاوز البشاعة والتطفّل والضياع والاحتيال، ويتخطّى كافة السلبيات التي يعترف بوجودها في أحشائه. وما فيلم “باراسايت” الكوري إلا صرخة أخرى في وجه الأخطاء والمثالب التي تنخر لحم الكوريين .. لكنهم يلحفون على السلبيات للقضاء عليها .

فالبطل الذي كان سيصبح كاتباً واعداً وتوقّف عن الكتابة، يشير إلى أن أفراد هذا المجتمع يتم إحباطهم، لأسباب يجب التبصّر بها ومعرفتها، فصاروا عاجزين. بلغة أخرى ؛ إن العجز عن مواصلة الكتابة تساوي العجز عن ممارسة الجنس، ما يشير أن العجز شامل وأصاب كل مكونات الحياة وقدرات البشر .

حتى أن البطلة نفسها تبدو يائسة ،هي الأخرى، ومحبطة، وقد دفعها ذلك لمعاقرة الخمر بشكل دائم، حتى أنها في بحثها عن البطل “حبيبها القديم” ما هو إلا محاولة لاستعادة الماضي الذي كان أكثر معقولية ودفئاً من الحاضر العاجز..  بل إن البطلة قد طلبت من البطل مسوّدة روايته الأولى، ما يعني أنها بحثت عن مصلحة لها في البطل، ولم تبحث عنه أو عن صداقته أو عن دفئه .. وهذا يوضح كيف أن هذه الروائية قد أنكشف أمرها وتبيّن أنها انتحلت أو سرقت روايتها التي فازت بها، ما يجعل كل شيء مزوّراً وكذباً ! الأمر الذي يجعل المشهد أكثر سواداً .

حتى أن الشوارع تبدو فارغة وغير حيوية ورتيبة ومرهقة وغير سويّة وضيقة الأماكن ومتقشفة ويملأها نباح الكلاب، وثمة صوت ” نمر” يزمجر في الأنحاء ويهشّم الصمت ويثير الفزع.

إن مشاهد ترك الصديقة للبطل واختفاء أثرها، ومشاهد النصب والاحتيال على البطل، ومشهد انتحار المرأة الحامل بقطع شرايينها … كلها تجلّيات أخرى لتبيان الإحباط واليأس في كل زوايا وشخصيات المجتمع، أي أن هذا المجتمع دون هوية وعائلة، كما ظهر كل الأبطال، وأن الخطر يتهدّد الأجيال القادمة (الجَنين في بطن الحامل)! وأن المجتمع يرتدّ إلى ذاته ليمزّقها .. تعبيراً عن اليأس المطبق .. حتى أن الشرطي يقول للبطل : إن الحياة لا تستمر إلا بصعوبة.

ونعتقد أن النمر الهارب والذي لم يتم القبض عليه، وقد حلمت البطلة برؤيته، ينمّ عن خطر محدق ما زال يلفُّ كل الأشياء والبشر .

غير أن البطل، في نهاية الفيلم، يحاول أن يستعيد إنسانيته ويتجاوز يأسه ..فيشتري دفتراً وقلماً ويبدأ بكتابة رواية جديدة .. لكنه فجأة يرى نمراً !

إلا أن هذا النمر يكون آدمياً يضع على رأسه رأس نمر ويقف قبالة البطل ويحدّق فيه بصمت وريبة ! وهذا يعني أن النمر المخيف هو الإنسان الذي يرعبُنا ونتوجّس منه. وقد نقول أيضاً إن النمر الذي يلفّ بغموض في الأمكنة ويثير الخوف هو الكورونا التي تشبه النمر الفالت من عقاله .. ولا يعلم أحدٌ مكانه أو سياقه !

إن هذا الفيلم المذهل والذكي يعرّي كلّ المفردات السوداء في المجتمع، ويشير إليها ..لعلنا نخلقُ آليات نتجاوز بها اليأس والإحباط والتحايل، ولا يكون ذلك، كما يقول الفيلم، إلا باستعادة العلاقات الدافئة والمُحبّة والإنسانية، والكفيلة بإعادة القدرة للناس، ليمارسوا حياتهم ويتمّموا إبداعهم .

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]