المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تحسم قرار رفع العقوبات عن مالي

على مدار الأعوام الماضية، شهدت منطقة الساحل الإفريقي تحولات جوهرية نتيجة انقلابات متتالية أفرزت أنظمة عسكرية مناهضة للغرب، وهو ما يقابله تزايد مخيف لنفوذ التنظيمات الإرهابية ما ينذر بأن المنطقة برمتها مقبلة على نظام دولي جديد.

ففي غضون 3 أعوام، شهدت منطقة الساحل 8 انقلابات في دول الغابون والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد، تصدر المشهد خلالها قادة عسكريون جدد يرفضون النفوذ الفرنسي القديم ويتطلعون بصورة أكبر تجاه روسيا والصين.

ويمكن القول أن أزمة شرعية الأنظمة الحاكمة في هذه الدول كانت سببا رئيسا في الانقلابات، يليها بطء المؤشرات الاقتصادية والتنموية وإخفاق مؤسسات الدولة في القيام بوظائفها.

محللون يرون أن الأحداث التي شهدتها ليبيا في 2011 كانت أيضا السبب الرئيس في انتشار السلاح في هذه الدول، وهو ما مكن العسكريين الجدد الطامحين في تغيير أنظمة الحكم لتنفيذ مخططاتهم.

وكما تسبب الفراغ الناتج عن عدم أداء مؤسسات الدولة لدورها في الانقلابات العسكرية أفرز أيضا عن تنظيمات إرهابية اتسع نفوذها بصورة كبيرة وتمكنت من بسط النفوذ والسيطرة على مساحات كبيرة، كما هو الحال في مالي على سبيل المثال.

هذا الملف تحديدا هو ما دفع العسكريين الجدد إلى النظر أكثر باتجاه الشرق بعد أن أخفقت دولة مثل فرنسا في مواجهة ملف التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل منذ عام 2012، فتم استبدال قواتها شيئا فشيئا بتنظيم فاغنر العسكري الروسي.

محاولة القادة الجدد في منطقة الساحل تغيير مناطق نفوذ الغرب وتحويلها باتجاه روسيا والصين تجعل هذه المنطقة مرشحة وبقوة لكي تصبح ساحة تنافس دولي جديدة، يسعى فيها كل طرف من الأطراف الدولية لخلق واقع جديد أو الحفاظ على آخر قديم.

حتى على المستوى الإقليمي، فالمنطقة مهددة بحرب إقليمية مع تهديد قوات إيكواس بالتدخل العسكري في النيجر لوضع حد لسلسلة الانقلابات في منطقة كافحت كثيرا للتخلص من هذه السمعة التاريخية.

ومع التحولات اللافتة التي شهدتها المنطقة ربما تلوح في الأفق ملامح تشكل نظاما إقليميا جديدا في الساحل بين الأنظمة العسكرية الجديدة في مواجهة الغرب، ما دعا بعض التحليلات الغربية للتكهن بإقامة اتحاد كونفدرالي محتمل بين دول حزام الانقلابات برعاية روسية مع إمكانية التوسع مستقبلًا.

حول هذا الموضوع، دارت نقاشات حلقة اليوم الإثنين ببرنامج «مدار الغد»، الذي يعرض عبر قناة «الغد»، وفيه تحدث من داكار، المدير الإقليمي للمعهد الإفريقي للسلام، الدكتور بكاري سامبي، ومن باريس، الخبير العسكري والاستراتيجي، الجنرال دومينيك ترانكان، ومن موسكو، أستاذ العلوم السياسية بمعهد موسكو للعلاقات الدولية، الدكتور ألكسندر غورنوف، ومن نواكشوط، الخبير في الشؤون الإفريقية، إسماعيل الشيخ سيديا.

بعد انقلابات عدة .. منطقة الساحل الإفريقي إلى أين؟

خبير: فرنسا ليس لديها مصلحة في إلحاق الضرر بمنطقة الساحل الإفريقي

ما الدور الذي تلعبه روسيا بمنطقة الساحل الإفريقية؟

خبير: الرئيس ماكرون لم يعد يمثل فرنسا الكلاسيكية التي عرفها الأفارقة

لا تزال سماء النيجر ملبدة بغيوم التوتر الساخن وترقب زحف قوات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، والتي أعلنت عن الاتفاق على اليوم المحدد للتدخل العسكري في النيجر مؤكدة أنها لن تفصح عنه.

والتوضيح صراحة جاء على لسان عبد الفتاح موسى، مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في «إيكواس»، في تصريحات صحفية  في العاصمة الغانية أكرا، مؤكدا «أنه تم اتخاذ القرار بشأن اليوم المحدد للتدخل العسكري في النيجر، لكننا لن نعلن عنه، وأن إيكواس لن تسمح للمجلس العسكري بالبقاء في السلطة خلال فترة انتقالية كما جرى في بوركينا فاسو ومالي».

وفي تطور نوعي للأزمة الناتجة عن الانقلاب في النيجر، وضع المجلس العسكري الحاكم جميع القوات المسلحة وقوات الأمن في حالة «تأهب قصوى» تحسباً لهجوم من «إيكواس».. وخاطب الإعلان، الذي صدر عبر البث الإذاعي، جميع قادة وحدات الجيش وقوات الأمن مطالبين إياهم بالاستعداد لتجنب أي هجمات مفاجئة.

ويرى الخبير العسكري الفرنسي، شارل. ك. موريس، أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، تعجّلت في إطلاق التهديدات بالتدخل العسكري في النيجر بعد الصدمة التي تلقتها جراء الانقلاب هناك، وقبل القراءة المتفحصة للأبعاد «الجيوسياسية».

وقد جرى تصوير الواقع في منطقة الساحل على أنه مواجهة بين معسكرين: الديمقراطيون والانقلابيون.. باعتبار أن معسكر الانقلابيين يؤيد النيجر ويضم: مالي وبوركينا فاسو (وكل منهما تحت سلطة مجلس عسكري حاكم بعد انقلابات عام 2022 وغينيا (تحت سلطة انقلاب 2021).

وأبدت مالي وبوركينا فاسو مواقف متشددة ضد أي تدخل عسكري في النيجر، مع استعداد كامل للقتال إلى جانب الجيش النيجري، وهو ما يُعدّ أكبر العقبات أمام احتمالية التدخل العسكري لوقف الانقلاب في نيامي.

أما الدول التي أيّدت التدخل العسكري؛ فهي تضم (معسكر الديمقراطيين): السنغال وساحل العاج ونيجيريا على المستوى الرسمي، بينما رفض مجلس الشيوخ في نيجيريا، وعدد من الولايات المتاخمة للنيجر التدخل العسكري.

حل سياسي يفك خيوط الأزمة القائمة

ولم  يستبعد سياسيون في الجزائر، في تصريحات لصحيفة الخبر، الحل السياسي للأزمة بعيدا عن الحشود العسكرية، استنادا إلى أن الجولة الدبلوماسية التي قادت وزير الشؤون الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، إلى كل من نيجيريا والبنين وغانا، تميزت بتطابق لوجهات النظر ودعم لمقاربة الجزائر ومساعيها الرامية إلى تحقيق العودة إلى النظام الدستوري في النيجر، من خلال حل سياسي يفك خيوط الأزمة القائمة، بما يحفظ أمن واستقرار هذا البلد والمنطقة برمتها.

في ظل الأجواء الساخنة، التي تهب على منطقة غرب إفريقيا، ويعد أن عقد رؤساء أركان جيوش دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، يوميا 17 و18 أغسطس/ آب الحالي، في العاصمة الغانية أكرا، بشأن التدخل العسكري المحتمل في النيجر.. بدا واضحا تراجع مؤشر التدخل العسكري، في أعقاب التطورات الأخيرة:

• فقد أقدمت مالي وبوركينا فاسو على إرسال طائرات حربية إلى نيامي، ضمن جهود الدولتين للتصدي لأي تدخل عسكري محتمل.
• وأكدت الجزائر رسميا، في بيان لوزارة خارجيتها، أنها «تظل فعليًا على قناعة قوية بأن الحل السياسي التفاوضي لا يزال ممكنًا، وبأن السبل التي يمكن أن تـؤدي إليه لم تُسْلك كلها بعد وبأن كل فرصه لم تُسْتَنْفَد بعد، وأن تاريخ المنطقة يشهد بصفة قطعية أن التدخلات العسكرية، جلبت المزيد من المشاكل بدلاً من الحلول وأنها شكلت عوامل إضافية لتغذية الصدامات والانقسامات، عوضًا عن نشر الأمن والاستقرار».
• وثالثًا، فإن الدعم الخارجي للتدخل العسكري، بات منحصرًا في موقف فرنسا، بينما الولايات المتحدة الأميركية، لا تزال ترجح الحل السياسي، مع حرص «البنتاغون» على علاقات طويلة الأمد مع العديد من أعضاء المجلس العسكري، بما في ذلك رئيس أركان الجيش الجديد، موسى سالو بارمو، الذي خضع لتدريبات عدة في الولايات المتحدة.

بينما يرى الخبير الأميركي، مايكل شوركين، مدير البرامج العالمية في North Strategies ـ وهي شركة استشارية للمخاطر في إفريقيا ـ أن الولايات المتحدة في وضع صعب. فهي اليوم أمام خيارين اثنين:

• إما التمسك بموقف مبدئي باسم الدفاع عن الديمقراطية، بينما تخاطر بدفع النيجر إلى أحضان روسيا.
• أو بالعمل مع المجلس العسكري على أمل إنقاذ شراكتهما.

 عودة نشاط الجماعات الإرهابية

ومع تراجع مؤشرات التدخل العسكري في النيجر، بدأ نشاط الجماعات الإرهابية، التي تكفلت بتنفيذ عملية عسكرية ضد المجلس العسكري في النيجر، بمدينة بوني في منطقة ماكالوندي، حيث خلفت 20 قتيلًا من قوات الجيش، في ظل تأخر العملية العسكرية التي قالت مجموعة «إيكواس»، إنها ستقوم بها لإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة في النيجر!!
وترى صحيفة الخبر الجزائرية، أنه بقدر ما تراجع مؤشر التدخل العسكري في النيجر تحت ضغط الرفض الخارجي له، بقدر ما ازدادت الاعتداءات الإرهابية بالمنطقة، سواء في مالي أو بوركينافاسو أو النيجر، ما يغذي الاعتقاد بأنها ليس عمليات «عفوية»، بل تندرج ضمن مخطط آخر بهدف:

• الضغط على المجلس العسكري في النيجر، واستنزاف قدراته، وتشويه صورته لدى الرأي العام المحلي، كقوة بديلة ضعيفة ليس بمقدورها حماية المواطنين، وربما لحمله على الرضوخ للمطالب، التي تدعو إلى عودة الرئيس المخلوع محمد بازوم.

أجندة أجنبية في منطقة الساحل

وإذا كان العمل الإرهابي يوصف بـ«الأعمى» في عمومه، فإنه ليس كذلك، خصوصًا في منطقة الساحل، إذ يتحرك وفق «أجندة» أجنبية، تسعى للحفاظ على مواقعها، ويستعمل كأداة لتحقيق مآربها الجيواستراتيجية، بحسب تحليل الصحيفة الجزائرية، فبعدما كانت الاعتداءات الإرهابية لفرع القاعدة في الساحل أو تنظيم «داعش»، أو جماعة النصرة تستعمل رفضها للوجود العسكري الأجنبي، كمبرر لفرض وجودها كتنظيم مسلح بالمنطقة، وأيضًا لتجنيد عناصر جديدة في صفوفها، أخذت هذه الحركات الإرهابية في التحول منذ تغيير السلطة في مالي وبوركينافاسو والنيجر، وبالشكل الذي توجهت فيه العمليات الإرهابية، باتجاه استهداف جيوش الدول الثلاث دون غيرها من الأهداف الأخرى، ما يطرح علامة استفهام بشأن الأجندة التي انخرطت فيها هذه التنظيمات الإرهابية، ومصدر الأوامر التي تأتيها منه.