مع تنامي التهديد الذي يواجهُهُ السلمُ الدولي، وتغيرِ موقفِ واشنطن تِجاه مكافحة الإرهاب، تُثار المخاوف مجددا إزاء الوجِه المتطور لما يُطلقُ عليها “الحركةُ الجهاديةُ العالمية”.
فعلى سبيل المثال ، يُطورُ تنظيمُ القاعدة الإرهابي منذ 2001 من هياكله وأنشطتهِ. فمن جماعةٍ تمتلك قواعد في أفغانستان وباكستان، إلى شبكة عالمية من الجهات التابعة له وذات القواعد الإقليمية.
تقييمات استخباراتية
على خلاف تلك النظرة، يقول الباحث في شئون الجماعات الإرهابية حسن أبو هنية، إن الولايات المتحدة أعلنت في عام 2018 أن الأولوية الاستراتيجية لأمنها القومي تتمثل في عودة التنافس بين الدول ومواجهة الصعود الصيني، والروسي، والإيراني.
ويرى أبو هنية أن التراجع الأمريكي في ملف مكافحة الإرهاب لم يكن عشوائيا، لكنه جاء وفقا لتقديرات وتقييمات عسكرية، واستخباراتية، وبحثية، تشير إلى عدم قدرة داعش أو الحركة الجهادية العالمية على تنفيذ عمليات تستهدف الأمن القومي الأمريكي بشكل مباشر أو تهدد مصالح واشنطن.
وأشار إلى وجود حركات مثل طالبان وهيئة تحرير الشام بدت تصرح بأن أهدافها محلية، كما أن التقييمات الأمريكية ترى أن هذا الملف لم يعد أولوية بالنسبة لها.
وأضاف، أن هناك تبدلات في الواقع الجيوسياسي الدولي، لذلك فإن الولايات المتحدة تريد تخصيص مواردها، وإمكانياتها لهذا التحدي العالمي الجديد.
تغير الأولويات الأمريكية
تقول كبيرة الباحثين في معهد نيولاينز للدراسات الاستراتيجية كارولين روز، إن واشنطن تحاول أن تعيد وضع تقييمها للمنظمات الإرهابية وقوائمها.
وأرجعت ذلك إلى أن الحرب في أوكرانيا غيرت من أولويات الحكومة الأمريكية خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، تحديدا في منطقة الشرق الأوسط.
وأشارت إلى سياسة التجاهل التي اتبعتها واشنطن خلال الشهور الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط، مؤكدة في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة كانت قد انشغلت بتهديدات أخرى.
وقالت، إن القاعدة لديها المئات من المقاتلين الأجانب، وهو ما قد يهدد مصالح الولايات المتحدة بالخارج، وبالتالي هناك حاجة لإعادة تقييم الأمر من قبل واشنطن.
وأضافت: “من المهم أن تبحث الولايات المتحدة عن طرق لوقف مثل هذه التنظيمات والتهديدات، للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ما يستلزم مواجهة لتلك التنظيمات”.
تنظيمات تحاول العودة
لم يبق في “مركز التنظيم” سوى عدد قليل من أعضاء القيادة القديمة في القاعدة، حيث تم استهدافُ العديد من زعمائه من قبل تدابير مكافحةِ الإرهابِ الدولية.
لكن هؤلاء القادة يحاولون إظهارَ الوحدة للحفاظ على صورة التنظيم وقوةِ التجنيد، وذلك بالتعاون مع زعماءَ إقليميين جدد لا تُعرف أسماؤهم جيدا، ولكنهم يتمتعون بسلطة كبيرة في مناطقهم.
ووفق مراقبين، تسمح هذه الهيكليةُ بصمود القاعدة أمام التحديات المختلفة، فالمكاسب التي تحققها الفروعُ الأقوى مثلَ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في منطقة الساحل و”حركةِ الشباب” في الصومال، تُعوضُ الخسائرَ الكبيرةَ التي تلحق بالفروع الأضعف في سوريا واليمن وجنوبِ شرق آسيا، إلى جانب تراجع هجماته من داخل أفغانستان للحفاظ على علاقته بالسلطة الجديدة.
خسارة واشنطن
من جانبه يقول رئيس المركز الأوروبي للاستخبارات ومكافحة الإرهاب جاسم محمد، إن التراجع الأمريكي تجاه مواجهة الإرهاب يفقد واشنطن ثقة حلفائها.
وأوضح الخبير السياسي في حديثه لقناة الغد، أن هناك تراجعا ملحوظا في تعامل الولايات المتحدة مع المنظمات الإرهابية، ومع مفاهيم الأمن القومي ومكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف.
وأشار إلى أن ما قامت به الولايات المتحدة برفع بعض الجماعات المتطرفة من قائمة الإرهاب يمثل تراجعا في مفاهيم مكافحة الإرهاب.
وقال “هناك توجه جديد من الولايات المتحدة لإعادة طالبان للواجهة من جديد”.
تأتي هذه التطورات في وقت يخضع فيه الموقف الأمريكي في هذا الصدد لعملية تغيير، لكن تبقى واشنطن مطالبةً بإعادة التوازن بين العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب وجهودِها الاستراتيجية لمنع الفكر المتطرف.
