تؤكد الدوائر السياسية في المغرب ـ الرسمية وشبه الرسمية ـ أن المملكة المغربية لن تتنازل عن ملكية «سبتة ومليلية» المحتلتين، وفي ظل مناخ وصف بأنه يعيد المدينتين المحتلتين إلى «الواجهة الوطنية»، بعد تأكيد رئيس الحكومة المغربية، دكتور سعد الدين العثماني، أن المملكة المغربية لن تتنازل عن ملكية «سبتة ومليلية المحتلتين ، ويتمسك بهما المغرب كتمسكه بالصحراء المغربية، وهي قضية سيأتي زمانها، وسيتم فتح هذا الملف في يوم ما.
احتجاج إسباني
تصريحات رئيس الحكومة المغربية، أثارت حفيظة المسؤولين الحكوميين الإسبان..وعبرت وزيرة الدفاع الإسبانية، مارغاريتا روبليز، عن رفضها لأي نقاش حول «إسبانية» المدينتين المحتلتين، وقالت إن «سبتة ومليلية إسبانيتين مثل مدريد».
ورفضت الوزيرة الإسبانية تصريحات العثماني، مضيفة: إن الجيش الإسباني، هو المسؤول عن نقل لقاح كورونا إلى المدينتين سبتة ومليلية، رافضة فتح أي نقاش حولهما.
وتوالت ردود الأفعال من طرف المسؤولين الإسبان، بعدما تحدث سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، عن قضية سبتة ومليلية المحتلتين، موجها ضمنيا رسائل إلى الجارة الشمالية إسبانيا.
قضية معلقة منذ 6 قرون
وقال العثماني، في حوار تليفزيوني، إن الجمود هو سيد الموقف حاليا، بخصوص ملف المدينتين المحتلتين، مؤكدا أن الموضوع ظل معلقا منذ 5 إلى 6 قرون مضت.
وتابع العثماني: “ربما سيفتح الملف في يوم ما، ويجب أولا أن ننهي قضية الصحراء، فهي الأولوية الآن، وقضية سبتة ومليلية سيأتي زمانها، وأضاف: «صحيح كلها أراضي مغربية (يقصد سبتة ومليلية)، يتمسك بهما المغرب كتمسكه بالصحراء».
وأضاف العثماني، بحسب صحيفة أخبار اليوم المغربية، إن«المهم الآن أن نبني العيش المشترك، والموقف الإسباني في قضية الصحراء أصبح اليوم أكثر اعتدالا، أي أكثر انسجاما مع قرارات مجلس الأمن، وهذا شيء إيجابي».
.ورفض العثماني ما يتردد بشأن وجود مقايضة لقضية الصحراء المغربية بقضية المدينتين المحتلتين «سبتة ومليلية».
وقال إن «التدبير المغربي لقضاياه تدبير سياسي ومن اجتهاده، ويملك قراره السيادي».
موقف مغربي تاريخي وثابت
وترفض المملكة المغربية، الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على مدينتي سبتة ومليلية، وتعتبرهما جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، حيث يتمتع سكانها من أصل مغربي بحقوق كاملة داخل المغرب كمواطنين مغاربة، ويطالب المغرب إسبانيا بالدخول في مفاوضات مباشرة معها؛ لأجل استرجاعهما. كما تعتبرهما إحدى أواخر معاقل الاستعمار في أفريقيا، غير أن المنطقة لم تصنفها الأمم المتحدة ضمن المناطق المحتلة والواجب تحريرها.
ورغم مطالبات المغرب المتكررة باسترجاع سبتة ومليلية في إطار تفاوضي، واصلت إسبانيا فرض الأمر الواقع الذي توج عام 1995 بمنح المدينتين حكما ذاتي كإقليمين مستقلين تحت السيادة الإسبانية، وشكلت زيارات الملك الإسباني السابق خوان كارلوس إلى سبتة إشارات سياسية لتمسك مدريد بسيادتها على المدينتين، وقوبلت باستنكار مغربي رسمي وشعبي.
قصة مدينتين
وتشغل مدينة «سبتة» جيباً من ساحل المملكة المغربية تقدر مساحته بنحو 20 كم² عند مدخل البحر المتوسط على مضيق جبل طارق الذي تبعد عنه نحو 26 كم جنوبا، لتكون بذلك أقرب ميناء أفريقي إلى أوروبا.
وتمتد المدينة فوق أرض مرتفعة عند نهاية برزخ ضيق، أعلاها جبل سيدي موسى الذي يبلغ ارتفاعه 842 متر. وقد أقيمت سبتة مكان مستعمرة فينيقية، وعرفت قديماً باسم إبيلا، وكان ينظر إليها أسطورياً على أنها أحد أعمدة هرقل.
بينما تقع مدينة «مليلية» هي الأخرى قبالة سواحل غرناطة، وتحيط بها الأراضي الريفية المغربية من كل الأطراف، يحدها من الشرق والشمال الشرقي البحر الأبيض المتوسط، وتحدها من الغرب والشمال الغربي والجنوب باقي أراضي المملكة المغربية، وتبلغ مساحتها حوالي 12,3 كم²، تشكل المدينة نصف دائرة واسعة حول الشاطئ والميناء، وكانت في الأصل قلعة تم بناؤها على تلة مرتفعة.
«ملك الديمقراطية» اعترف بشرعية ملكية المغرب للمدينتين
ورغم أن قضية المدينتين «سبتة ومليلية» المغربيتين المحتلتين من السلطات الإسبانية، تقف على «الحد الساخن» بين المغرب وإسبانيا، دون تأثير على العلاقات الثنائية، التي تنعكس عليها « الصداقة الملكية الطيبة» بين الأسرتين الحاكمتين في الرباط ومدريد .. إلا أن وثيقة أمريكية سرية كانت قد كشفت، أن الملك الإسباني «خوان كارلوس» كان على استعداد لتسليم مدينة مليلية المحتلة للملك المغربي الراحل، الحسن الثاني، بعد نجاح المسيرة الخضراء في العام 1975، إلى جانب سعيه لجعل مدينة سبتة المحتلة منطقة دولية لا تخضع لسيادة أي من البلدين كما كانت عليه مدينة طنجة ما بين 1923 و1956.
وتفاصيل الوثيقة الأمريكية السرية، تضمنها كتاب بعنوان «ملك الديمقراطية»، أصدرته دار النشر «غالكسيا غوتينبيرغ» الإسبانية في مدريد قبل 3 سنوات ، وتؤكد الوثيقة أن الملك خوان كارلوس قبِل في 1979 بإمكانية التنازل عن مدينة مليلية المحتلة للمغرب، وإخضاع مدينة سبتة لنظام «الحماية الدولية» شبيه بذلك الذي خضعت له مدينة طنجة ما بين 1923 إلى حين استقلال المغرب سنة 1956.