في الـ 15 من مايو المقبل، سيكون لبنان على موعد مع انتخابات برلمانية يخشاها كثيرون ويهرول لها البعض فيما يحجم عن المشاركة فيها قلة.. وكأي استحقاق في بلاد الأرز، كانت هذه الانتخابات محط جدل ونقاش وتكهنات بتأجيلها، إلا أن الضغوط الخارجية دفعت الجميع إلى الذهاب لعملية الاقتراع على مضض، حيث بلغ عدد اللوائح الانتخابية المسجلة لخوضها 103، مقسمة على 15 دائرة تتنافس كلها على 128 مقعدا برلمانيًا.
عدد اللوائح الانتخابية في 2022 ارتفعت حوالي 33%، مقارنة مع انتخابات 2018، وهو ما يعكس وفق مراقبين صعود قوى سياسية جديدة في ظل تشرذم الأحزاب والتحالفات التقليدية.
تسجل هذه الانتخابات كذلك غياب المكون الرئيسي في الطائفة السنية – تيار المستقبل – بعد قرار زعيمه سعد الحريري عدم خوض الانتخابات، إضافة إلى إعلان عدد من شخصيات الصف الأول في الطائفة السنية عدم المشاركة.
أما الطائفة الشيعية فحافظت على تماسكها باستمرار تحالف الثنائي حزب الله- حركة أمل وبقية حلفائهم في ظل تحالف مع التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل الذي بات وفقا لمراقبين حليفا ثقيلا على الثنائي الشيعي.
ثم تأتي القوى المعارضة التقليدية لحزب الله، وهي اللوائح التي شكلها الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية، واللوائح المدعومة من رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وكذلك لائحة وزير العدل الأسبق اللواء أشرف ريفي، إلا أنها لا تخوض الانتخابات كتحالف موحد.
أما المكون الجديد فهي القوى التي ظهرت بعد احتجاجات 17 أكتوبر منبثقة عن حراك المجتمع المدني ولم يكن لها تمثيل في انتخابات 2018، إلا أنها تعاني من التشتت وسوء التنظيم، متغيرات كثيرة إذًا تعرفها الانتخابات التشريعية اللبنانية فهل تكون كفيلة بتغيير ملامح البرلمان الجديد، أم تعيد تدوير القديم في حلة جديدة؟
موقف المكون السني
في هذا السياق، قال الدكتور فادي سعد، عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل، إن سعد الحريري كان واضحا عندما أعلن مقاطته الانتخابات البرلمانية.
وأضاف خلال مشاركته في برنامج “مدار الغد” أن تيار المستقبل يرى أن “الانتخابات النيابية” لن تغير شيئًا من الواقع اللبناني، ولن تغير من موازين القوى في البلاد.
وأوضح أن كل القوى السياسية المناوئة لتيار المستقبل، كانوا يطالبون الحريري بالخروج من اللعبة السياسية كونه أكبر من هذه اللعبة، وأن عدم قدرته على التغيير ستنعكس عليه، لذلك فتم تعليق العمل السياسي في الحكومة أو السلطة.
وأشار إلى أن الحريري حسم الأمر أمام الجميع وقال إن “تيار المستقبل لن يشارك ولن يدعم أحدا في هذه الانتخابات، ومن يترشح يجب أن يستقيل، والبعض التزم بالقرار وآخرون قدموا استقالتهم وتقدموا للانتخابات”.
مأزق سياسي
من جانبه، قال الدكتور طارق عبود، الأستاذ بالجامعة اللبنانية، إن البلاد جميعها تواجه “مأزقًا سياسيًا” وليس تيار المستقبل فقط.
وأضاف عبود أن عدم مشاركة تيار المستقبل في الانتخابات النيابية يشير إلى أزمة نظام في لبنان وليس أزمة تيار أو حزب.
الأزمة الاقتصادية
وفي ظل الاستعداد لإجراء الانتخابات لم تغب الأزمة الاقتصادية عن الساحة في لبنان، وبات هناك تخوف من التداعيات السلبية للانتخابات على المفاوضات الجارية مع صندوق الدولي.
وقال ماريو أبو زيد، الباحث في العلاقات الدولية، إن “الانتخابات النيابية” تشكل حدا فاصلا ما بين الممارسات التي كانت تقوم بها السلطة السياسية السابقة والتي أدت إلى إلى عزلة لبنان عن محيطيه العربي والدولي وما بين مستقبل يبدو مشرقا في لبنان.
وأضاف أبو زيد أن الأسرة الدولية تشدد بشكل واضح على ضرورة حصول هذه الانتخابات، وتسعى للضغط على السلطة السياسية الحالية من أجل إجرائها، لافتا إلى أنه ليس من مصلحة أي طرف أو فصيل تأجيل هذه الانتخابات.
كما أوضح أن الدول الأوروبية أرسلت رسالة واضحة للبنان أنه في حال عدم إجراء انتخابات فلن يكون هناك أي دعم اقتصادي أو مساعدات، وبالتالي فلا يوجد أي طرف يريد تأجيل هذه الانتخابات بل على العكس هناك مصلحة في إجرائها وإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية.
من جانبه، قال د. جاسم عجاقة، أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية، إن الاتفاق المبدئي بين لبنان مع صندوق النقد الدولي يشكل انفراجة حتى ولو كانت متواضعة.
وأضاف عجاقة أنه يجب على كل الأطراف العمل على إصلاح المنظومة المالية والمصرفية في لبنان، إضافة إلى هيكلة القطاع المالي بما فيها مصرف لبنان حفاظا على ما تبقى من أموال المودعين.
وأكد أن “الانتخابات النيابية” تشكل في نظر القوى السياسية مسألة وجودية ومفصلية، لأنها هي من ستحدد المسار الذي سوف يتحكم به من ينال الأكثرية في البرلمان اللبناني.
وأعلن صندوق النقد الدولي أنه توصل إلى اتفاق مبدئي مع السلطات اللبنانية على مساعدة بقيمة 3 مليارات دولار.
وقال رئيس وفد الصندوق إلى لبنان إنه في حال تمت الموافقة على الخطة من قبل إدارة الصندوق، ستندرج المساعدة المرسلة إلى لبنان على 46 شهرا، غير أن الموافقة مرهونة بتنفيذ جميع الإجراءات المسبقة التي طلبتها المؤسسة الدولية.
ويشهد لبنان منذ عام 2019 انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، أدى إلى تخلفه عن سداد ديونه السيادية للمرة الأولى في تاريخه عام 2020، كما خسرت العملة الوطنية نحو 90% من قيمتها.