انقسام شعبي وسياسي في لبنان يهدد ميزان القضاء
بينما يتعرض الشعب اللبناني بكل فئاته ومناطقه، لحرب اقتصاديّة ونقدية ومعيشية مفتوحة، بحسب تعبير البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي..بدأت مؤشرات تهاوي مؤسسات الدولة الواحدة، أو تآكل وظائفها، مما دفع وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال، ماري كلود نجم، الطلب من هيئة التفتيش القضائي أن تضع يدها على ملف القضاء، لتقييم أداء القضاة وتصنيفهم بين المخطئ والمصيب، وذلك بعدما تفاعلت قضية رفض المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون (المقربة من الرئيس ميشال عون)، تنفيذ قرار النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، بعزلها عن مهامها، وتكليف قضاة آخرين للقيام بهذه المهام، ودخول هذه القضية على خط السجالات السياسية.
التدخل في صلاحيات وزارة العدل، وفي مهام القضاء، حذر منه البطريرك الراعي أيضا في عظة اليوم الأحد، 18 نيسان، 2021 قائلاً: «إنّنا نريد حكومة واحدة لكلّ اللبنانيّين وللبنان واحد، لا مجموعة حكومات في حكومة، لكلّ طائفة حكومتها داخل الحكومة، منعًا لنزاعات طائفيّة ومذهبيّة يرفضها عيشنا المشترك الذي يميّز لبنان عن سواه من الدول المحيطة».
حدث بالغ الخطورة
وترى الدوائر السياسية في بيروت، أن الحدث بالغ الخطورة..وهو ما عبرت عته وزيرة العدل، ماري كلود نجم، بأن هناك اليوم خلاف قضائي وانقسام، وأن الشعب يرى أن القضاء منقسم تابع لمرجعيات سياسية، الأمر الذي يقسم الشعب أيضاً…وإذ عبرت نجم عن رفضها وضع القضاء الحالي «الذي يلغي نفسه، ويسقط نفسه أمام الناس»، حسب تعبيرها، ناشدته الانتفاض على الواقع الحالي، مشيرة إلى أنه لا يوجد ملف في لبنان من دون مناكفات طائفية.
تقييم أداء القضاة
وقالت نجم، بحسب صحيفة اللواء اللبنانية، إن هناك مرجعاً في القانون اسمه هيئة التفتيش القضائي، وهو الذي طلبت منه منذ أسبوعين أن يضع يده على الملف لتقييم أداء القضاة، وأنها تطلب منه المضي بهذا الملف، لأن الوضع لم يعد مقبولاً.. داعية إلى التسريع في عملية تشريع قانون استقلالية القضاء..وشددت نجم، بعد اجتماع قضائي طارئ على خلفية الخلاف الأخير، على أنها ليست بصدد «أخذ أي موقف مع جهة سياسية بوجه الأخرى»، وأنها تقوم بصلاحياتها القانونية، بغض النظر عن الأشخاص والأخطاء.
القاضية «عون» تداهم مكاتب صرافة دون تكليف
وكان القاضي عويدات قد اتخذ، أول من أمس، قراراً يقضي بتعديل توزيع الأعمال لدى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، وحصرها بثلاثة محامين عامين، ليس بينهم القاضية عون (المقربة من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر)، ولكن الأخيرة، وبعد ساعات على القرار، دخلت بحماية عناصر أمن الدولة مكاتب شركة للصيرفة سبق أن ادعت عليها بجرم المضاربة على الليرة اللبنانية، طالبة منها تسليمها «داتا» المعلومات والحواسيب العائدة للشركة، فتدخل عويدات وأمر العناصر الأمنية بالانسحاب من الشركة المذكورة تحت طائلة محاسبتهم.
وعادت عون ودهمت أمس مرة أخرى شركة الصيرفة التي شهد محيطها تجمعاً لعدد من مؤيدي «التيار الوطني الحر». وناشد صاحب شركة الصيرفة الجيش وقوى الأمن الداخلي التدخل «لأن هناك قاضية تأتي مع حزبيين يقدمون على أعمال شغب بحق ملكية خاصة».
انقسام سياسي وشعبي
وتوالت ردود الفعل السياسية على الواقعة، لتكشف عن واقع الانشطار داخل لبنان .. وبينما كان من المتوقع أن يؤيد «التيارالوطني الحر» بزعامة جبران باسيل، موقف القاضية عون (المقربة من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر)..فإن تيار «المستقبل» ـ حزب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ـ يرى أن ما يحصل في الجسم القضائي مسألة في غاية الخطورة، وهي سابقة لم تحصل خلال الحرب الأهلية المشؤومة، ولا حتى في أيام سطوة النظام الأمني اللبناني – السوري المشترك، مشيراً في بيان له إلى أن التباكي على بعض القضاة بعد تشجيعهم على مخالفة القوانين، والطلب إليهم فتح ملفات استنسابية للخصوم، هو أمر لم يعد ينطلي على أحد من اللبنانيين.
وقال بيان تيار «المستقبل»: إن التصدي لما يحصل من ممارسات غريبة عجيبة في القضاء يبدأ بالإفراج عن التشكيلات القضائية المحتجزة في القصر الجمهوري لغايات كيدية وسياسية، معتبراً أن ما يشاهده اللبنانيون اليوم هو نتيجة طبيعية للاعتداء على صلاحية مجلس القضاء الأعلى، ومخالفة القوانين عبر الاستمرار في توقيف التشكيلات القضائية، من دون أي مسوغ قانوني.
ومن جانب آخر يرى «الحزب التقدمي الاشتراكي» أن أول ما يمكن فعله اليوم قبل الغد إقرار استقلالية القضاء، قولاً وفعلاً نصاً وروحاً. ورأى بيان الحزب، أن ما جرى بالأمس، كأنما هو إعلان لفيدرالية جديدة في القضاء !!