لم يخف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن توجهاته وما يعتزمه من خطوات حالة وصوله لسد الحكم في الولايات المتحدة خلال فترة الانتخابات، ولم يتنظر كذلك مرور وقت طويل حتى يبدأ في أولى تلك الخطوات التي تمثل انقلابا عن مسار سابقه، دونالد ترامب.
وفور الجلوس على كرسي حاكم البيت الأبيض بدأ بايدن بتغيير دفة السياسة الأمريكية بحسب ما أعلن مسبقاً، ويصحح من رآه من أخطاء اقترفها ترامب خلال فترة حكمه وتسببت في أضرار للولايات المتحدة في علاقاتها مع حلفائها.
روسيا.. الخصم الأزلي
أعلن الرئيس الأمريكي السابق، ترامب، عن عزمه عدم تمديد بلاده لمعاهدة “ستارت 3” مع روسيا، وذلك كونه يرى أن الاتفاقية لا تغطي أكثر من 60 % من الأسلحة الاستراتيجية الروسية، لكن الساكن الجديد للبيت الأبيض كان له رأي مغاير، إذ سارع بالاتصال بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، لبحث هذا الأمر والتوصل إلى اتفاق.
ليعلن بعدها مجلس النواب الروسي المصادقة على تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية لخمس سنوات بالإجماع.
وأبدت الأوساط الروسية ارتياحها بعد التوصل لاتفاق مع واشنطن شأن تمديد الاتفاقية المعنية بالحد من الأسلحة النووية، ورأوا أنها خطوة مهمة.
الصين.. حرب اقتصادية
لا يتضح بشكل جلي حتى الآن الخطوات التي ستخطوها إدارة بايدن تجاه بكين، خاصة بعد الحرب الاقتصادية المعلنة التي شنها ترامب تجاه الصين على عدة مسارات، بدءا من الجمارك على الواردات الصينية ومحاولات حظر تطبيقات إلكترونية داخل الولايات المتحدة.
إلا أن الأبرز حتى الآن مرشحة بايدن لمنصب وزارة الخزانة الأمريكية، جينا ريموندو، تعهدت بأن تكون حازمة مع الصين بسبب ما وصفته بـممارسات تجارية “المنافية لقواعد المنافسة”.
وأكدت أنها تخطط لتكون “صارمة جدا” لمساعدة الأمريكيين على التنافس في مواجهة الممارسات غير العادلة للصين، خاصة أن بكين أغرقت أمريكا بالصلب والألمنيوم الرخيص، مما أضر الاقتصاد الأمريكي.
الشرق الأوسط.. المنطقة الساخنة دوماً
وأعلنت إدارة بايدن أمس الأربعاء، عن تغيير شامل للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتضمن مراجعة الدعم العسكري لدول المنطقة، والاستئناف المشروط للحوار مع إيران.
ويبدو مستقبل الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب سيكون واحدا من أكثر الأولويات إلحاحا على الساحة الدولية، وفي محاولة لتخفيف القلق من الانتهاكات الإيرانية، أكد وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، أن الرئيس بايدن أوضح أنه إذا أوفت إيران مجددا بكل التزاماتها باتفاق 2015 فإن الولايات المتحدة ستفعل الأمر نفسه.
وأضاف أن إيران توقفت عن الوفاء بالتزاماتها على جبهات عدة، وأن الأمر سيستغرق بعض الوقت إذا اتخذت هذا القرار، للعودة إلى المسار الصحيح، وسيستغرق الأمر وقتا حتى نتمكن من تقييم ما إذا كانت تفي بالتزاماتها، موضحا “ما زلنا بعيدين جدا عن ذلك، هذا أقل ما يمكن قوله”.
ومن جهتها، ذكّرت إيران بايدن، بعد يومين فقط من توليه مهامه الرئاسية، بما تعتبره متطلبات لإنقاذ الاتفاق النووي.
وكذلك أعلنت إدارة بايدن إعادة تقييم تصنيف جماعة الحوثيين اليمنية كمنظمة إرهابية.
وبالنسبة لقضية العرب الرئيسية “القضية الفلسطينية”، أعلنت الإدارة الجديدة بالبيت الأبيض أنها ستعمل على دعم “حل الدولتين”، حيث أعلن القائم بأعمال المبعوث الأمريكي لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، أن إدارة بايدن تعتزم إعادة الدعم للفلسطينيين، واتخاذ خطوات لإعادة فتح البعثات الدبلوماسية التي أغلقتها إدارة ترامب.
أوروبا والناتو.. العودة للحليف
أثارت سياسات ترامب وقراراته المنفردة عدة انتقادات وتسببت في تباعد بين واشنطن وحلفاء في القارة الأوروبية وفي حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ليولي بايدن أهمية لذلك الملف.
وفي خطوة اعتبرها الكثيرين رسالة طمأنة، تعهد بايدن بالتزام الولايات المتحدة بالدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، وذلك خلال مكالمة هاتفية مع الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرج.
ورحب قادة وزعماء دول الاتحاد الأوروبي بنجاح بايدن، آملين في عودة الدفء للعلاقات بين الحلفاء بعد أن سادت برودة بسبب سياسات ترامب.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورزولا فون دير لاين، إنها تتطلع إلى انضمام الولايات المتحدة إلى برنامج “كوفاكس” العالمي لتوفير اللقاحات الذي تقوده منظمة “الصحة العالمية”، الذي ينبغي أن يعمل من أجل توزيع دولي عادل للقاحات، خاصة بعد السياسات التي انتهجها ترامب تجاه منظمة الصحة
ملف “الهجرة” الشائك
وكان من بين القرارات التي اتخذها ترامب، الحد من عمليات الهجرة للولايات المتحدة، ولا سيما الهجرة غير الشرعية، ووقف دخول مواطنين من عدة بلدن إلى البلاد، إلا أن بايدن اخذ محنى مغاير لهذا الأمر.
وألغى بايدن حظراً السفر الذي كان مفروضا على رعايا الدول ذات الغالبية الإسلامية، كما قرر تجميد ترحيل المهاجرين غير الشرعيين لمدة مئة يوم، إلا أن أمر القاضي الفيدرالي الأمريكي، درو تيبتون، الثلاثاء، بتعليق العمل مؤقتا بقرار بايدن.
وتعكس هذه القضية التي تعد انتكاسة أولى للرئيس الديمقراطي الجديد، والصراع المرير حول قضايا الهجرة في الولايات المتحدة، والمشاكل التي ستواجه إدارة بايدن في هذا الملف.
اتفاقية المناخ.. العودة
قرر الساكن الجديد للبيت الأبيض العودة لاتفاق باريس لتغيّر المناخ بعد انسحبت منها إدارة بايدن في 2019، وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن ترحيبه الحار بالخطوات التي اتخذها بايدن بشأن العودة للانضمام لاتفاقية المناخ.
وبذلك، تعود الولايات المتحدة للانضمام إلى التحالف المتنامي من الحكومات والمدن والدول والشركات والأفراد الذين يتخذون إجراءات طموحة لمواجهة أزمة المناخ.
ووقع الرئيس الأمريكي سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى مواجهة أزمة التغير المناخي، وتشمل الأوامر فرض حظر على بعض عمليات التنقيب عن الطاقة، إذ ستجمد عقود إيجار جديدة خاصة بالتنقيب عن النفط والغاز في الأراضي العامة، مع تعزيز إنتاج الطاقة من الرياح.
ومن المتوقع أن تواجه هذه الأوامر معارضة شديدة في قطاع الطاقة، إذ تأتي كتغيير جذري عن سياسات ترامب.
