«برج مغيزل» بوابة الهجرة إلى الموت.. حكايات من قلب الجحيم

في قرية “برج مغيزل” التابعة لمحافظة كفر الشيخ المصرية، لا يكاد يخلو بيت واحد من غريق، أرهقه السعي وراء رزقه في البحر، فراح يمنّي نفسه بعيشٍ رغد وحياة أكثر هدوءًا ودعة، فيركب البحر من بوابة “اللي يروح ما يرجعشي”، على حد تعبير “س. ز”، التي فقدت اثنين من أبنائها في حادثي غرق تفصل بينهما 6 سنوات كاملة، حيث غادر نجلها الأكبر إسماعيل، بمجرد انتهائه من أداء الخدمة العسكرية، مهاجرًا إلى أوروبا، ممنيًا نفسه بآلاف الدولارات والعيش الرغد، لكن أحلامه تحطمت على صخرة الأمواج الثائرة، التي اغتالته و20 من رفاقه فلا هو بقي في قريته قانعًا بالعيش القليل، ولا هو عاد حيًا بل في صندوق خشبي أودعه ذووه التراب.

وأضافت السيدة، التي بدت متحفظة في حديثها لـ”الغد”، “منهم لله ولاد الحرام اللي غووه، وخدعوه.. أخدوا منا 4 آلاف جنيه (تحويشة العمر) وبرضه المركب ما وصلتشي”.

وحضرت النعوش العشرون لتتشح القرية بالسواد، الذي ما إن طرحوه عنهم حتى عادوا إليه مجددًا مع حادث آخر أودى بحياة 3 من شباب القرية، من بين 14 مهاجرًا غرقت بهم مركب متهالكة في عرض البحر قبل الوصول إلى أوروبا، ليبدأ الأهالي دورة حزن جديدة، وهكذا دواليك.

وفي غمرة إصرار العشرات من أبناء القرية على الهجرة، راح أحمد الشقيق الأصغر لإسماعيل يحذو حذوه، ليلقى نفس المصير بعد 6 أعوام من مصرعه.

الريس عبده، أحد الصيادين من كبار السن في تلك القرية الصغيرة القابعة بين أحضان نهر النيل الخالد وبين البحر الأبيض المتوسط، قال “كنا في السابق نحزن جدا إذا ما اغتال البحر صيادًا يسعى لكسب قوته، وكانت الأسباب معروفة، إمّا سوء تقدير منّا للأحوال الجوية التي تعوق الملاحة، وإما عطل طارئ بالمركب، أو إبحار خاطئ في مناطق خطرة، غير أن الأمر الآن أصبح شبه عادي لدى الكثيرين، الذين يعرفون مسبقًا أن المسافرين لا يبغون الصيد والعودة، بل الهجرة بلا عودة”.

بوابة العبور إلى الموت

وتعد قرية برج مغيزل (285 كم شمال القاهرة) مركز انطلاق للآلاف من الراغبين في الهجرة إلى أوروبا هربا ضيق ذات اليد، أو طمعًا في الثراء السريع، وتحولت في السنوات الخمس الأخيرة إلى نقطة تجمع للسماسرة، الذين يدّعون تسهيل سفر الفارين من الحروب والنزاعات في بلدانهم، من دول الجوار، فضلا عن الشباب المصريين.

يعمل أهل القرية جميعا بالصيد، ما يجعل منهم هدفًا سهلًا للسماسرة وتجار الهجرة غير الشرعية.

عشرات الحوادث التي شهدتها تلك القرية الهادئة، يسكنها الموت، ويتخذ منها مقرًا للتنفيذ، ولم تفلح كل الجهود التي تبذلها السلطات وأجهزة الأمن المصرية في وقف شهية السماسرة الطامعين في الثراء السريع.

آخر هؤلاء السماسرة، “رمزي”، الذي يقيم في محافظة الإسكندرية، ويتخذ من برج مغيزل مقرًا لتجارته غير المشروعة، إذ وضع تسعيرة لعمليات التسفير بمبلغ 20 ألف جنيه مصري، أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية، وحين يصل العدد إلى 100 فرد، يقوم باستئجار إحدى سفن الصيد، وغالبًا ما تكون شبه متهالكة، ثم يستخرج تصاريح عمل بالصيد من الجهات الرسمية لعشرة أو 15 من ركاب المركب، حتى يكون الإبحار قانونيًا، ثم يلحق بها الباقون في عرض البحر مستخدمين زورقا صغيرا، ويستقلونها أملًا في الوصول.

هكذا أكد أحد شباب القرية، رفض ذكر اسمه، مؤكدًا أن رمزي هذا من أبناء قرية الجزيرة الخضراء، وهي نفس موطن “طفل لامبيدوزا” الشهير.

وتابع، في معظم الأحيان يزيد عدد الراغبين في السفر على الـ100، وهو رقم قياسي يتجاوز أضعاف الطاقة الاستيعابية للمركب الخشبية، بينما في حالة “الوابور” (يقصد مركبًا كبيرة) الذي تصل طاقته إلى 150 فردا، يشحن السماسرة فيه عدة مئات من البشر يزيد أحيانًا على 400 فرد.

و”رمزي” هو أيضًا صاحب المركب التي غرقت، أمس الأربعاء، قبالة السواحل المصرية، وعلى متنها 300 مهاجر، بينهم عرب وأفارقة، بحسب تأكيدات مسؤولين محليين.

ويأتي الحادث بعد قرابة ثلاثة أشهر من تحذير رئيس الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود «فرونتكس» فابريس ليجيري، من تزايد عدد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بحرا انطلاقا من مصر.

ولقي أكثر من عشرة آلاف مهاجر حتفهم في المتوسط عند محاولتهم الوصول إلى أوروبا منذ 2014 منهم 2800 منذ بداية 2016، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

فجوة تشريعية

وفي سياق ذي صلة، دعت السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، البرلمان المصري إلى سرعة إقرار قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية، الذي وافقت عليه الحكومة العام الماضي.

وأضافت جبر، خلال مداخلة هاتفية لبرنامج “ساعة من مصر” على شاشة «الغد»، أن هذا القانون يجرم تهريب البشر، مشيرة إلى أن هناك نقص تشريعية فى القانون المصري، موضحة أن جنود حرس الحدود اشتكوا مراراً من القبض علي المهربين وبعد إحالتهم للنيابة يتم الإفراج عنهم، لأنه لا يوجد تشريع يجرم الأمر، وبالتالي فالقانون يحقق فكرة الردع بعقوبات تصل إلى السجن لمدة 25 عاماً.

مؤامرة

من جهته، قال عماد محمدي النجار، وهو أحد مسؤولي ملف الهجرة غير الشرعية بمنظمة حقوق الإنسان، إن الحادث الأخير الذي وقع أمس الأربعاء، نتاج مخطط مرسوم ومؤامرة تحاك ضد مصر، إذ أنه يأتي في توقيت خطير، بالتزامن مع خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي قال خلاله، إن “مصر عززت التوعية لمخاطر الهجرة غير الشرعية، ووضعت قوانين تجرم ذلك، كما اتخذت عدة إجراءات للتعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية، وإن قوات الجيش المصري تبذل جهودا جبارة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والقبض على مهربي المهاجرين إلى أوروبا”، ويرمي مدبرو الحادث إلى إحراج مصر ورئيسها أمام المجتمع الدولي، كما أنه يتزامن مع وصول خبراء من منظمة السياحة العالمية، قادمين من مدريد، لتقييم حملة الترويج للمقاصد السياحية المصرية والمشاركة في احتفالات يوم السياحة العالمي بمدينة الأقصر السياحية الشهيرة، في جنوب البلاد.

ورفض النجار، في اتصال هاتفي لـ”الغد” اعتبار “برج مغيزل”، أو أي منفذ بحري مصري، مركزا للهجرة غير الشرعية، مؤكدًا أن نقطة الانطلاق الحقيقية لراغبي الوصول إلى أوروبا في ولاية إزمير التركية.

وقال، إن الولاية  تضم أكثر من 68 ألف لاجئ سوري فقط، فضلا عن الجنسيات الأخرى، فينطلق المهاجرون عبر بحر إيجة باتجاه جزر اليونان القريبة، ومن ثم يتجهون إلى أوروبا، بشكل غير قانوني.

وتابع، أن تكلفة الهجرة غير الشرعية للشخص الواحد تصل إلى 3500 دولار، بينما لا تزيد في مصر على 2000 دولار على أقصى تقدير.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]