بريطانيا.. «يوم معاقبة المسلمين» ردَّة حضارية لدولة الحريات الشخصية 

هل يضحى اليوم الثلاثاء الموافق الثالث من إبريل/ نسيان يوماً بريطانيا يمهد الطريق لمجابهة الكراهية ومحاربة الخوف، أم سيقدر له أن يضحى حجر عثرة لا في طريق عيش المسلمين في البلاد فقط بل في عموم القارة الأوروبية؟

منذ التاسع من مارس آذار الجاري والعديد من المواطنين البريطانيين المسلمين يتلقون رسائل كراهية تحمل تهديدات غير مسبوقة، وكأن هناك سباقا لجهة من يلحق أذى أكبر وأكثر بمسلمي بريطانيا.

بداية المشهد الكارثي في خطابات الكراهية التي عرفت بالدعوة ليوم “عقاب المسلم” تتلخص في ظاهرة التعميم القاتلة وراء صناع الكراهية من أصحاب تلك الرسائل، وكأن المسلم كما يروج البعض إرهابي بالضرورة، وفي أفضل الأحوال مشروع إرهابي قائم وقادم، ولهذا لابد من مواجهة استباقية معه.

موجة الكراهية التي تسعى في طريقها تلك الجماعات الظلامية في الداخل البريطاني تبدأ من عند الإهانة اللفظية الموجهة للمسلم، وتمتد إلى نزع غطاء الرأس لأمراة محجبة، أو رمي الأحماض النارية على وجه آخرين، وصولاً إلى تفجير مسجد، فيما قمة الكراهية تتصل بالسعي إلى التحريض من أجل ضرب مكة المكرمة بالسلاح النووي.

لم يكن ليدر بخلد أي كاتب  سيناريو لأفلام رعب في الداخل البريطاني، أن يصل إلى صياغة تلك السيناريوهات المرعبة، والتي تشق النسيج الاجتماعي البريطاني من أعلى إلى أسفل.

طوال العقد الأخير وموجة الاسلاموفوبيا القاتلة في تصاعد غير مسبوق، فقد سجلت مدينة “لندن” العام الماضى ارتفاعاً ملحوظاً في عدد جرائم الكراهية بنسبة 40% عن العام السابق، في حين أعلنت وزارة الداخلية البريطانية في بيانات لها أن أربعة نواب مسلمين في مجلس العموم، وأعضاء منتخبين في المجالس المحلية قد تلقوا  بالفعل رسائل بالقتل وطروداً مريبة، وفهم النواب أن الرسالة فحواها هي: “لا أحد حتي لو كان نائباً في البرلمان محصنا من العقاب بسبب إسلامه”.

يعن لنا أن نتساءل: أي ردة حضارية تعيشها دولة “الماجناكارتا”، والتي يحتوي مثياقها الصادر عام 1215 على أمور عدة منها مطالبة عدم معاقبة أي رجل حر إلا بموجب قانون الدولة، وهذا الحق مازال قائماً حتى اليوم؟

المتابع الجيد للاعلام البريطاني في الأسابيع الأخيرة يدرك أن الخوف قد بدأ يبسط أجنحته السوداء على سماوات بريطانيا دولة  الحريات الشخصية وحقوق الانسان بامتياز حول العالم، وليس أدل على ما نقول به من التقرير الذي نشرته صحيفة الاندبندنت عن أحوال الطلاب المسلمين في بريطانيا وكيف أن واحداً من ثلاثة طلاب مسلمين يعيشون في خوف من هجمات أو اساءات ذات صلة بمعاداة الاسلام في حرم  الجامعات، كما أن النساء اللواتي يرتدين اللباس الشرعي يخشين على سلامتهن”.

ولعل الأمر الأكثر هولاً في ثلاثاء معاقبة المسلمين المزعوم هو أنه وبدون تهويل أو تهوين ينتمي إلى عالم الجريمة المنظمةً، بمعني تلك التي يقف وراءها منظرون ومخططون، وفعلة ومنفذون، ورؤية واهداف، وان غلفها كلها الآثم في الحال والاستقبال.

هل بات على البريطانيين الوقوع في براثن فخ الخوف الذي خبره الأمريكيون منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 وحتى الساعة لم يقدر لهم تجاوزه وصولاً إلى الثاني عشر من الشهر نفسه والعام ذاته، وكأن شمس ذلك النهار الأليم لم تغب عن سماوات واشنطن ونيويورك؟

“الراسخون في العلم” يعلمون تمام العلم أن أكبر عدو للأمم والشعوب هو الخوف، سيما إذا تجاوز الحدود الطبيعية إلى حد الظاهرة المرضية، والنظر إلى بعض الارهابيين الخارجين عن روح الاسلام السمح والمعتدل، بوصفهم عينة تدلل على مشاعر وتوجهات المسلمين في العالم برمته، أي وقوع في شباك صناع الخوف ومروجي رهاب الاسلام “الاسلاموفوبيا” في أوروبا وأمريكا.

حكماً يمكن القطع بأن الدعوة لمثل هذا اليوم والذى تتعاطي معه أجهزة الأمن البريطانية بكل حزم وحسم ما يحسب لها ولتاريخ بريطانيا العريق، تصب بالمطلق في  صالح كافة الجماعات الراديكالية على اختلاف مسمياتها وتوجهاتها، إذ تعتبر الوقود الذي يشعل في معسكراتهم نيران التطرف المضاد، ليدخل الجميع في حالة من الفعل ورد الفعل، ما سيكون له بالضرورة آثاره الكارثية على السلم المجتمعي في بريطانيا، سيما بعد خروجها من الاتحاد الأوربي، وتنامي الصرعات القومية والشوفينية بين أجيال جديدة من شبابها.

مجرد الدعوة غير الأخلاقية على هذا النحو تعني أن أوروبا عامة وبريطانيا خاصة يخسران  الكثير من رصيد التنوير، ويفتقدان إلى روح التسامح والتي تعني نبذ المشاعر والأفكار والسلوكيات السلبية حتي تجاه من أساءوا الينا.

أي فارق يمكن أن يقوم بين بريطانيا وأي دولة من دول العالم النامي حيث لا قانون يسود ولا كرامة لانسان تصان حال حدثت القارعة في مثل ذلك اليوم؟

أجراس الخطر من مثل تلك الدعوات لابد وأن تدق عاليا، وبخاصة في ظل إمكانية تكرارها بشكل نمطي في دول عديدة أكتست بلون اليمين الأوربي الأصولي، وقد كانت إيطاليا أخري.

البريطانيون مدعوون في هذا اليوم على نحو مميز لعيش مشاعر التعاطف والرحمة، المودة والمواطنة، مع كل مواطنيهم والمسلمين في المقدمة منهم، هذا هو السبيل الوحيد للطمأنينة، رغم جروح الألم التي تسببت فيها حوادث الارهاب لهم.

يساعدنا التسامح على تحمل مسؤولية ما نشعر به، وعدم التوقف عن الأمل لمجرد أننا تعرضنا لألم ما.

أفضل الكلام… إن أحببتم الذين يحبونكم وكرهتم الذين يكرهونكم فأي فضل لكم؟!.

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]