بسام درويش يكتب: تحريف مفهوم «المقاومة».. وإنحراف الوعي السياسي الجمعي

بعض المصطلحات والمفاهيم يتم “بسترتها” ووضعها في قوالب جامدة جراء تكرار استخدامها من قبل قوى وقيادات وفق رؤيتهم السياسية والحزبية، حتى لو أدى ذلك الى انزياحها عن معناها وأغراضها المبتغاة. ولما كان المصطلح يسهم في تشكيل الوعي السياسي للمجتمع فإن استخدامه على عواهنه يقود الى تشويه وعي المجتمع السياسي.

ولعل مفهوم “المقاومة” من أكثر المصطلحات والمفاهيم التي تم بسترتها وقولبتها من خلال رهنها بممارسة شكل واحد من أشكال النضال، وهو الشكل العسكري فقط بغض النظر عن فعالية وجدوى هذا الشكل، بل وأحيانا بغض النظر عن المستهدف من هذا السلاح. فبعض القوى التي وظفت سلاحها في صراعاتها الداخلية وأطلقت نيرانها صوب خصومها السياسيين تصر على تسمية سلاحها بسلاح “المقاومة” وكذلك تصر قوى أخرى دخلت في حرب ظالمة وشرسة لدعم واسناد نظام فاسد ضد شعبه، تصر على أنها دخلت هذه الحرب لدعم محور المقاومة والممانعة.

إن ما أصاب مفهوم  “المقاومة” من تشوهات جراء محاولة البعض احتكار تمثيلها، ترك تبعات خطيرة أهمها المس بهيبة ومشروعية المقاومة كحق كفلته المواثيق والأعراف الدولية والشرائع السماوية لاسترداد حقوق الشعوب المسلوبة طبعا، وفي مقدمتها تلك المحتلة أرضها كشعبنا الفلسطيني.

لقد بات من الضروري تخليص هذا المفهوم من الشوائب التي لحقت به وإعادة تعريف المقاومة لتصحيح الانحراف الذي شهده الوعي السياسي الجمعي. فالمقاومة هي القدرة على إيذاء الخصم عبر عملية تراكمية يتم من خلالها البناء على الإنجازات والمكاسب وتطويرها وتخفيف الاضرار التي تلحق بالمجتمع جراء عملية المواجهة والتصدي للعدو. كما أن المقاومة هي النقيض الإيجابي للهزيمة فهي في جوهرها عملية بخث واستخلاص العبر عن عوامل الإحباط والتخلف في المجتمع والاشتباك معها للتخلص منها وخلق ديناميكيات اجتماعية قادرة على اشراك فئات اجتماعية واسعة في الفعل المقاوم.

إن التصالح أو مهادنة عوامل التخلف في المجتمع لن تفضي الا الى إعادة انتاج عوامل تخلف جديدة ستتحول مع الزمن الى عقبات كأداء أمام الفعل المقاوم وتعيق تحقيق أغراضه وأهدافه. كما أن المقاومة هي من تبتكر أساليبها وأدواتها وليس العكس أي أن الأداة لا تخلق مقاومة، وفي هذا السياق يمكن القول إن لا قدسية لشكل من الاشكال كما انه لا ثبات في هذه الاشكال بمعني الشكل الصح اليوم قد يكون خطأ وكلفته عالية جدا غدا والشكل الذي كان ناجعا بالأمس قد يأتي بنتائج كارثية لو مارسناه اليوم.

ان تحديد شكل النضال مرهون بعوامل عديدة ومتشابكة، فعدالة القضية التي تناضل لأجلها ونبالة الأهداف التي تسعى لتحقيقها ليس كافيا لفرض شكل معين من أشكال النضال، فبالإضافة الى ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار ان تختار الشكل الذي يمكن يحشد لنضالك الرأي العام العالمي وتكسب المزيد من الأصدقاء العالميين وتسحب من عدوك أصدقاءه، هذا من جهة ومن جهة ثانية القدرة على الزج بأوسع الفئات الاجتماعية في الفعل المقاوم، وهو ما يعمق ديمقراطية المقاومة وبالتالي يحصنها اجتماعيا وسياسيا ثم النظر الى قوة الخصم وترسانته العسكرية ومحاولة اختيار الأسلوب التي يشلها ويجعلها غير قادرة على البطش والتنكيل.

إن سؤال المقاومة الأساسي هو كيف نؤذي الخصم؟.. كيف نجعل كلفة احتلاله أو استبداده عالية؟.. كيف ننزع شرعيته دوليا ونعمق أزماته الداخلية؟.. هذا من جانب ومن جانب آخر على الفعل المقاوم اختيار المكان والشكل المناسب والتحاشي قدر الإمكان الذهاب الى المربع الذي يريد عدوك سحبك اليه وحشرك فيه. فكثير من الثورات والهبات العادلة فشلت لأنها لم توفق في اختيار الشكل المناسب الذي يمكنها من مراكمة الإنجازات على عدوها، واختارت الشكل الذي أراد لها العدو أن تختاره من خلال استفزازاته واجراءاته الدموية. فمآل الثورة السورية اليوم يكشف الى أي حد نجح النظام السوري وحلفاؤه في جر المعارضة الى المربع الذي أرادوه فتغيرت قواعد اللعبة هناك وفقدت الثورة الكثير من شرعيتها وجعلت الشعب يتحمل الكلفة العالية للعمليات العسكرية وتبعاتها الكارثية.

إن المقاومة هي القدرة على  حماية المجتمع وافشال كل مناورات العدو لاختراقه وتهديده. أما تلك التي تستجلب العدو لضربك وترعى التخلف وتوفر بيئة حاضنة لإعادة انتاجه لضمان سطوتها وسيطرتها على المجتمع يمكن أن تطلق على نفسها أي شيء من الأسماء التي تختارها الا المقاومة.. فالمقاومة عن مقاومة بتفرق.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]