في سابقة عالمية ، وصل التضخم في فنزويلا هذا العام إلى 720%، حيث أصبح سعر “البوليفار” الفنزويلي نحو 5 سنتات (05. دولار أميركي) في السوق السوداء، وفقدت العملة المحلية قيمتها، وهبطت إلى مستويات متدنية جدا، دفعت أصحاب المحال التجارية في العاصمة “كاراكاس”، إلى القيام بوزن العملة بدلاً من عدها أو إحصائها عند تسلّمها من العملاء مقابل سلع عادية.
والطريف أن المحافظ الشخصية ذات الأحجام الطبيعية صارت بلا جدوى في الدولة اللاتينية الاشتراكية، وبدلاً من ذلك يحمل الناس كميات ضخمة من الأموال في حقائب اليد، أو في حقائب الظهر.. وكشف محللون ماليون، في فنزويلا، أن بلد الـ 30 مليون، تواجه تضخما غير مسبوق، وأن شوارع العاصمة كراكاس، تشهد تضخما فوضويا هائلا، كما حدث في القرن الماضي ، حتى أن أصحاب المحال التجارية، يستخدمون ميزان شرائح الجبنة البيضاء لوزن أوراق البوليفار الفنزويلي!
وأصبح الدفع الإلكتروني والمدفوعات عبر الإنترنت طريقة شائعة للمعاملات المالية، لكنها مكلفة للشركات الصغيرة لشراء وإعداد آلات البطاقات الائتمانية، ورغم أن البلد يمتلئ بالأوراق النقدية التي تتم طباعتها باستمرار، فإن الشعب يزداد فقراً في ظل سياسات اشتراكية أخذها الرئيس الحالي من سلفه، معتبراً أنه يخوض “حرباً اقتصادية” ضد خصومه من رجال الأعمال والولايات المتحدة.
بداية الإنهيار في العام 2014 حيث قضى، اتدهور أسعار النفط العالمية بنحو الثلثين، على الاقتصاد الفنزويلي، ورداً على ذلك قام الرئيس نيكولاس مادورو بتحديد أسعار الصرف الرسمي وأمر البنوك بطباعة المزيد من النقود والتي انخفضت قيمتها في نهاية المطاف بشدة، بينما ارتفعت أسعار البضائع .. وقال خبير اقتصادي في “كاركاس” إن الرئيس مادورو الذي تسلّم السلطة بعد وفاة الزعيم الثوري هوغو شافيز عام 2013 حاول السيطرة على سعر الصرف فخلق سوقاً سوداء ضخمة للعملة، وأصبحت معرفة طرق الحصول على الدولارات وبيعها بالبوليفار تجارة مربحة لفنزويليين كثر، وتسبب ذلك في رفع معدل التضخم لأعلى وأعلى.
وأوضح الخبير الاقتصادي “مارثيوس” أن الحكومة لا تنشر أرقاماً اقتصادية تفصيلية، مما يجعل المحللين غير قادرين بدقة على تحديد حجم الأزمة المالية المتفاقمة في ظل التضخم الهائل، وانهيار العملة المحلية بسبب “المرض الهولندي” حيث يشكل النفط نحو 95% من الصادرات الفنزويلية وربع اقتصاد البلاد مع الإيرادات المرتبطة به، وهذا النوع من الاقتصاد المعتمد بشكل مفرط على تصدير مادة واحدة، يعرف بين الخبراء باسم “المرض الهولندي”
والمرض الهولندي (Dutch Disease)، في الاقتصاد، يعبر عن العلاقة الظاهرة بين ازدهار التنمية الاقتصادية بسبب الموارد الطبيعية، وانخفاض قطاع الصناعات التحويلية (أو الزراعية)، خاصة وأن ارتفاع عائدات الموارد الطبيعية،ستجعل عملة الدولة المعنية أقوى بالمقارنة مع الدول الأخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة صادراتها بالنسبة للبلدان الأخرى ، بينما تصبح وارداتها أرخص، مما يجعل قطاع الصناعات التحويلية عندها أقل قدرة على المنافسة.
ويقول خبراء مصرفيون، إن “المرض الهولندي» تعبير دخل قاموس المصطلحات على الصعيد العالمي منذ أكثر من 30 عاما، وأول من نشر المصطلح كان مجلة «الإيكونومست» البريطانية التي طالعت به القراء في أحد أعدادها الصادرة عام 1977، عندما تطرقت لموضوع تراجع قطاع التصنيع في هولندا بعد اكتشاف حقل كبير للغاز الطبيعي سنة 1959، ورغم أن المصطلح يرتبط غالبا باكتشاف الموارد الطبيعية، فإنه يمكن ربطه بأي تطور ينتج عنه تدفق كبير من العملات الأجنبية، بما في ذلك زيادة حادة في أسعار الموارد الطبيعية والمساعدات الأجنبية، والاستثمار الأجنبي المباشر.
ويمكن القول إن المرض الهولندي داء مزمن، فقد سبق وأن أصاب إسبانيا في القرن السابع عشر، عندما هبطت عليها ثروات تجسدت في اكتشاف واستغلال مناجم الذهب والنحاس من مستعمرات أسبانيا التي كانت في طول قارة أمريكا اللاتينية وفي عرضها.. ويصدق الأمر نفسه على ما يعرّفه المؤرخون بأنه سباق الذهب المحموم الذي عاشته أستراليا منذ ستينات القرن التاسع عشر، وعلى كل من المكسيك و النرويج وأذربيجان بالنسبة لاكتشافات النفط أو الغاز في أراضيها عبر عقود النصف الثاني من القرن العشرين، وفي مقدمتها بالذات كانت الأرض الواطئة “هولندا”التي نسبوا إليها ظاهرة المرض الهولندي على وجه الخصوص.