ترى الدوائر السياسية والإعلامية في بيروت، أنه رغم اشتداد وطأة كورونا على اللبنانيين في الأيام الأخيرة، فإن كورونا السياسة أصبحت أكثر خطراً، ليس على المواطنين وحسب، بل على مصير الدولة، ومستقبل البلد برمته.
وعلى طريقة «آخر العلاج الكيّ»، جاء الإغلاق العام والصارم، وبعد أن فشلت المنظومة الحاكمة في الحد من تفشي وباء كوفيد 19، وتجاوز العدّاد اليومي الخمسة آلاف إصابة، واستنفدت المستشفيات الحكومية والخاصة طاقاتها الاستيعابية في أقسام الطوارئ والعناية الفائقة، وأصبح المرضى لا يجدون مستشفى قادراً على استقبالهم، وبات العديد منهم يبيت ليلته أمام أبواب المستشفيات، وفي أحسن الأحوال في ممرات أقسام الطوارئ.
من ينقذ لبنان
المشكلة ليست في إغلاق بلد بالكاد يتنفس اقتصاده، بحسب صحيفة اللواء اللبنانية، بل تكمن في مواصفات الدولة الفاشلة في لبنان، والتي لم تعد تقتصر على الأداء السياسي وحسب، بل أصبح يشمل كل مسؤوليات السلطة العاجزة والفاشلة في مختلف القطاعات الإقتصادية والمالية والإجتماعية والمعيشية..وأصبح التساؤل داحل وخارج لبنان : من يُنقِذ الشعب اللبناني من براثن الذين أوصلوا لبنان إلى الدولة الفاشلة؟
لا حكومة قريبا
وفي المشهد السياسي ، بات الكلام عن مساعٍ لتشكيل الحكومة، من قبيل التمني والوعظ والإرشاد والتوجيه السياسي، بحسب رصد الصحيفة اللبنانية، والواقع أنه «لا حكومة قريبا»، وتؤكد مصادر سياسية لبنانية، أن التصعيد المبالغ فيه من قبل فريق رئيس الجمهورية، إنعكس سلباً على أصحابه قبل خصومه، لأنهم حشروا أنفسهم في مواقف متطرفة، أصبحوا أسيرين لها، ولم يعد من السهل عليهم القفز فوقها، والعودة إلى ما قبلها.
وترى المصادر، أن تعمّد النائب جبران باسيل في مؤتمره الصحفي الأخير نسْف كل بقايا العلاقة مع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، سعد الحريري، ضاعف من العراقيل التي تواجه تشكيل الحكومة ، بل قضى عملياً على أي إمكانية للتوصل إلى صيغة تؤمن الولادة الحكومية في المدى المنظور، دون أن يتمكن من طرح البدائل للفيتو الذي وضعه على التعاون مع الحريري، الأمر الذي أوصد كل منافذ الإختراقات الممكنة، ووضع الأطراف السياسية الحليفة معه أمام حائط سميك للأزمة الحكومية.
السلطة تتخبط في مأزق دستوري
وكما جاء إتهام رئيس الجمهورية للحريري بالكذب في اليوم التالي، ليُكمل ما بدأه باسيل في نسف كل المساعي التي بُذلت في الشهرين الماضيين للتوصل إلى «تفاهم ما» بين بعبدا (قصر الرئاسة) وبيت الوسط (السراي الحكومي) حول تشكيلة الحكومة المرتقبة، وخاصة المبادرة الفرنسية وجهود البطريرك الراعي.
بل وذهب «اتهام عون للحريري بالكذب» إلى حد إعلان الطلاق مع الرئيس المكلف، دون أن يكون ثمة مخرج دستوري لهذا المأزق الذي تتخبط فيه السلطة، وتداعياته القاتلة على الأوضاع المتدهورة في البلد.
«جبهة معارضة وطنية» للخروج من الانسداد السياسي
وفي المقابل..استدعى انسداد الأفق السياسي ، ومؤشرات الدولة الفاشلة، قيام مشاورات وطنية للبحث في ما يتعين فعله في ضوء الانسداد الداخلي، وعدم وجود أية نية لدى فريق رئيس الجمهورية لتسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلف «سعد الحريري».زوفي هذا الإطار، علمت صحيفة «اللواء» أن اجتماعاً عقد بين رئيسي الوزراء السابقين، نجيب ميقاتي وتمام سلام، مع النائب السابق وليد جنبلاط، بحضور النائب السابق غازي العريضي، وتطرق الاجتماع إلى ضرورة قيام «جبهة معارضة وطنية»، وعدم السير في أية تسويات، أو تراجعات، والتمسك بحكومة فقط ضمن المندرجات التي جاءت في مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون..واتفق أيضاً على استمرار المشاورات، وتوسعها لتشمل قيادات وشخصيات تعارض إبقاء الوضع على ما هو عليه.
تعطلت لغة الحوار
وبات واضحا.. أن لغة الحوار تعطلت بالكامل حتى الساعة، وانقطع التواصل المباشر بين المعنيين بتشكيل الحكومة، برغم الكلام عن مساعٍ غير مباشرة يقوم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، لكن شيئاً لم يظهر بعد ولم تحصل خطوات فعلية للتقارب او التفاهم بين الرئيس ميشال عونن ورئيس الحكومة المكلف، سعدالحريري، فيما تقول اوساط متابعة لموقف الرئيس نبيه بري انه «لم يلمس رغبة جدية لدى المعنيين بتشكيل الحكومة، وعندما يلمس هذه الرغبة يتدخل للمساعدة في تقريب وجهات النظر». بينما غاب حزب الله عن السمع ولم يتأكد ما اذا كان بصدد التدخل أو أنه ينتظر ايضاً تبريد الجو بعد التصعيد الخطير في مواقف طرفي التشكيل.
الحريري متمسك بتشكيل الحكومة
وفي مواجهة إنسداد الأفق السياسي، واتهامات رئيس الجمهورية ميشال عون، وصهره رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، لرئيس الحكومة المكلفن سعد الحريري، فإن الأخيرـ بحسب الدوائر السياسية والإعلامية في بيروت ـ رفض الانصياع أوا لانكفاء ازاء هذه الحملة وامعانه في مواجهته بموقف صلب وقوي رافض، والتزامه بعملية بتشكيل الحكومة، متسلحا بالمبادرة الفرنسية، والحرص على انقاذ البلد، وهو يسعى لتوسط أكثر من طرف للخروج من هذا المأزق.
وتستبعد الدوائر السياسية في بيروت، أية مؤشرات لقرب إنفراج الأزمة، بسبب ما وصفته بالوباء السياسي «الكورونا السياسية»، متمثلة في القوى والأطراف السياسية، والتي أصبحت أكثر خطراً، على مصير ومستقبل الدولة.
