يواجه لبنان انتشارا مخيفا لسلاح غير شرعي بيد الجميع، في وقت أعادت فيه أحداث الطيونة الأخيرة ببيروت إلى الأذهان مشاهد حرب أهلية عانى منها لبنان طيلة 15 عاماً.
وقُتل 7 أشخاص، الخميس، خلال اضطرابات مسلحة في منطقة الطيونة بالعاصمة بيروت، وصفتها السلطات بأنها هجوم على متظاهرين كانوا متجهين للمشاركة في احتجاج دعت له جماعة “حزب الله” وحركة “أمل” للمطالبة بعزل قاضي التحقيقات في انفجار المرفأ؛ حيث يتهمونه بتوجيه التحقيق.
في 14 من أبريل عام 1975 اندلعت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية، بصدام بين الجبهة اللبنانية المدعومة سوريًا، بزعامة كميل شمعون، وجبهة التحرير الفلسطينية التي تحالفت معها فيما بعد الحركة الوطنية اللبنانية اليسارية بزعامة كمال جنبلاط.
وبحلول العام 1977 كانت التحالفات في الحرب الأهلية قد زادت وتشابكت أطرافها مع دخول قوات الردع العربية لوقف الاقتتال وغالبيتها كانت قوات سورية، وكانت دمشق هي النافذة في تلك القوات، وبدأت مصادر السلاح تتوسع أكثر وأكثر داخل لبنان.
لكن التحالفات تغيرت، وشهدت الحرب الأهلية في لبنان تدخل قوى أخرى منها إسرائيل، وعمل الجميع على تشكيل حركات وفصائل مسلحة جديدة، لم يتفكك معظمها بعد نهاية هذه الحرب.
وفي أكتوبر عام 1989 توصّل اللبنانيون إلى اتفاق الطائف لإنهاء الاقتتال بوساطة سعودية، لكنه عزز الانتشار السوري على الأراضي اللبنانية.
وفي مايو 1991، تم حل الميليشيات ونزع سلاحها وفق اتفاق الطائف، باستثناء “حزب الله” الذي احتفظ بسلاحه لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي حتى زواله.
وفي 14 من أكتوبر الجاري، وقعت مواجهات مسلحة في منطقة الطيونة وظهرت قذائف الآر بي جي في وضح النهار ببيروت بين مسلحين لحزب الله وحركة أمل، وعناصر أخرى تمركزت في منطقة تابعة لحزب القوات اللبنانية، ما أعاد إلى الأذهان المخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة.
فبحسب منظمة “Small Arms Survey” يحل لبنان في المركز الحادي عشر عالميا والثاني عربيا ضمن البلدان التى تشهد انتشارا للسلاح بين مواطنيها، في حين تشير تقديرات إلى وجود 4 ملايين قطعة سلاح داخل البلاد.
في هذا السياق، قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللبناني، العميد خالد حمادة، إن رقم 4 ملايين قطعة سلاح مبالغ فيه، ورأى أنه لا يمكن الجزم برقم تقريبي لقطع السلاح، إلا أنه قد يقدر بإجمالي مليون قطعة تقريباً.
وأضاف حمادة، خلال لقاء ببرنامج “مدار الغد”، أنه بعد التوصل إلى اتفاق الطائف قام الجيش اللبناني بمصادرة لكل الأسلحة التي تحصل على معلومات بشأنها، ولم يتبقى فعليا سلاح منظم كميليشيات، وبقي سلاح بين المواطنين وأصبح كسلعة للبيع والشراء وللحماية الشخصة أكثر من كونه سلاح لتنظيمات.
ولفت إلى أن أمين عام “حزب الله”، حسن نصر الله، أكد أن الحزب و”حركة أمل” هما من دعيا إلى المظاهرة التي كانت وراء اشتعال أحداث الطيونة، والفيديوهات تثبت أن هناك مئات المسلحين موجودين مع المتظاهرين.
كذلك اعترف نصر الله بأن الحزب يمتلك سلاحا ولديه 100 ألف مسلح في لبنان، قائلا: “السلاح يستجلب السلاح”، متابعاً أن حزب الله موجود في كل لبنان ولديه شبكة اقتصادية وشبكة اتصالات خاصة به، وأن هناك تجمعات أمنية لا تستطيع الدولة السيطرة عليها.
ورأى أن الاقتصاد اللبناني قد انهار نتيجة التهريب إلى سوريا والحرب المفتوحة بها، مشيراً إلى أن السلاح الإيراني الموجود في لبنان هو سلاح إقليمي.
وعن الدور الأمريكي، قال حمادة إن دعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني ليس لتحقيق توازن بين الدولة اللبنانية و”حزب الله” أو قهر الأخير عسكريا، لا سميا أن الجميع يدرك أن “حزب الله” قوة إقليمية وإحدى الأذرع المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وأكد أن الاقتصاد الإيراني واقتصاد “حزب الله” هو اقتصاد واحد، وأنه إذا أردنا منع “حزب الله” من امتلاك الأموال لشراء أسلحة يجب مراقبة الحدود والاستعانة بأصدقاء لبنان لمنع هذه الحركة غير الشرعية عبر الحدود.
واعتبر أنه من المستحيل حاليا منع السيطرة على كل السلاح المتفلت وخارج الشرعية في لبنان، كما أن الحديث عن حكومات تستيطع أن تفرض مواقف على “حزب الله” هو كلام غير منطقي، مشدداً على أن “إيران ليست مسألة لبنانية، بل مسألة دولية”.
فيما رأى مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية، محمد صالح صدقيان، أن إيران ليست مرتبطة بأحداث الطيونة، وعلقت على هذا الأمر بدعمها للأمن والتعايش السلمي في لبنان- بحسب رأيه.
وأكد أن إيران لا تخفي علاقتها مع “حزب الله” ونعلن أنها تدعم المقاومة في مواجهة إسرائيل، معتبراً أنه “لولا السلاح الإيراني والمقاومة المرتبطة بطهران سياسيا لما تحرر جنوب لبنان” – بحد تصريحاته.
من جانب آخر، أوضح المسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، نورمان رول، أن الولايات المتحدة توافق على تقديم 66 مليون دولار للجيش اللبناني في إشارة من إدارة بايدن إلى وجود التزام بتقديم المساعدة للجيش اللبناني.
وتابع أن هذا الدعم قوي للجيش اللبناني، لكنه ليس كافيا للتغلب على “حزب الله” وهو ما قد يؤدي إلى حرب أهلية مرة أخرى في لبنان.
وأكد رول أن إيران تستخدم الطائرات المدنية لنقل السلاح إلى دمشق ومنها إلى “حزب الله”، ولا توجد أي جهة فاعلة تشكك في إرسال إيران للسلاح إلى لبنان، ودعم “حزب الله” لتهديد دول الجوار.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة لا توافق على نقل السلاح إلى لبنان.
وأشار إلى أن إيران تدفع سنويا 700 مليون دولار لتسليح حزب الله، مؤكدا أنه من الصعب وقف تدفق تلك الأسلحة عبر المسارات المتعددة خاصة السوق السوداء.
ورأى أن الدعم الأمريكي للجيش اللبناني يهدف إلى الحفاظ عليه وعلى هياكل الدولة وليس تشكيل ميليشيا أمريكية في لبنان كما فعلت إيران في بيروت ودمشق وصنعاء.
وفي السياق، قال عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل، فادي سعد، إن لبنان ليس بحاجة إلى نظام جديد بديل عن اتفاق الطائف، بل ما يحتاج إليه لبنان هو تطبيق الاتفاق الذي لم يتم تطبيقه منذ التوافق عليه.
فيما أوضح الكاتب والباحث السياسي، عبد الله قمح، أن تصريحات نصرالله بامتلاك عتاد و100 ألف مقاتل ليست للداخل اللبناني، وأنه ليس خفيا امتلاك الحركة لهذا العدد من المقاتلين.
