بعد نصف قرن، تقريبا، يدشن الرئيسان عبدالفتاح السيسي وفلاديمير بوتين، الخطوات الأولى للعمل في البرنامج النووي السلمي، بتوقيع عقود إنشاء أول محطة نووية بالضبعة لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه لتبدأ بعدها الأعمال التنفيذية للمشروع فوراً، خاصة أن وفداً من خبراء الطاقة النووية الروس يصاحب الرئيس بوتين في زيارته اليوم للقاهرة.
كانت مصر خطت مبكرا على طريق «الطاقة النووية»:
- في العام 1953، للإسهام فى حل مشكلات التنمية..وفي العام 1955 تم تشكيل لجنة الطاقة الذرية، لوضع الملامح الأساسية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية فى مصر، وفى شهر سبتمبر / أيلول 1956 تم توقيع عقد المفاعل النووى البحثى الأول بقدرة 2 ميجاوات مع الاتحاد السوفيتي، وتم تشغيل المفاعل النووى البحثى الأول بأنشاص في العام 1961 .. وفي العام 1964 بدأت مصر فى إجراءات إنشاء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء بقدرة 150 ميجاوات وتحلية المياه بمعدل 20 ألف متر مكعب فى اليوم، بتكلفة 30 مليون دولار، وتوقف المشروع بسبب حرب 1967.
- وبعد سبع سنوات، وفي العام 1974 بدأ التفكير فى إنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 600 ميجاوات، وتم توقيع اتفاقية تعاون نووى وعقد لتخصيب اليورانيوم مع الولايات المتحدة عام 1976، إلا أن تلك الجهود توقفت فى نهاية السبعينيات، بسبب رغبة الولايات المتحدة فى إضافة شروط جديدة على اتفاقية التعاون النووى مع مصر، بحيث تشمل هذه الشروط التفتيش الأمريكى على المنشآت النووية المصرية كشرط لتنفيذ المشروع، وهو ما رفضته القيادة السياسية المصرية واعتبرت هذا الأمر ماسا بالسيادة المصرية وتوقف المشروع.
- وفي العام 1992 تم توقيع عقد إنشاء مفاعل مصر البحثى الثانى مع الأرجنتين.. وبعد عشر سنوات، وفي العام 2002 أعلنت مصر عن إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية بالتعاون مع كوريا الجنوبية والصين، بهدف عدم الاعتماد فقط على المواد البترولية فى إنتاج الكهرباء، وأجريت دراسات عديدة، ولكنها لم تلق ترحيبا من الدول المستحوذة على التكنولوجيا النووية وتوقف المشروع النووى مرة أخري..وفي العام 2007 أعلن الرئيس المصرى الأسبق، حسني مبارك، استئناف البرنامج النووى المصرى فى منطقة الضبعة، غرب الإسكندرية، إلا أنه فى ذلك الوقت ثار جدل واسع حول ملائمة هذه المنطقة للمشروع، وما إذا كان من الأفضل نقله إلى موقع آخر واستغلال الضبعة فى مشروعات سياحية.
- وفي العام 2014 قررت القيادة السياسة بدء إجراءات إنشاء المحطة النووية للاستخدامات السلمية فى مدينة الضبعة، واتخذت إجراءات جدية فى هذا الاتجاه، وتقدمت 6 شركات من الصين وفرنسا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية وروسيا، لتنفيذ المشروع..وبعد دراسات متعمقة، فاز العرض الروسى بحق تنفيذ المشروع النووى وذلك من خلال مؤسسة «روساتوم».
واختارت القيادة السياسية المصرية العرض الروسى، لعدم وجود أى شروط سياسية على مصر لإقامة المحطة النووية، فضلا عن التعاون المستمر مع الجانب الروسى فى مشروعات قومية سابقة مثل بناء السد العالى وتدعيم مصر بأول مفاعل بحثى بأنشاص، كما تعد روسيا الدولة الوحيدة التى تصنع مكونات المحطات النووية بالكامل، ويتضمن العرض الروسي، مساهمة مصر بمكون محلى يصل إلى 20%.
ومن الناحية الاقتصادية، تأتى الاتفاقية المالية مع روسيا لتمويل بناء المحطة بعدة مميزات منها مدة سداد القرض المالى التى تصل إلى 35 عاما، وبدء السداد بعد 13 سنة من الإنشاءات. وتدريب المهندسين والفنيين المصريين فى محطات مماثلة لمحطة الضبعة فى روسيا، لصقلهم بالخبرات اللازمة، وإنشاء مدرسة فنية متخصصة فى المجال النووي.. ولمصر الحق فى التعاون مع دول أخرى فى تنفيذ المراحل التالية من المحطة، كما يتناسب العرض الروسي مع مصالح مصر السياسية والاجتماعية إضافة لتوطين الصناعات المكملة لإنشاء المحطات النووية فى مصر عن طريق تأهيل الشركات المصرية للعمل فى هذا المجال، واشتراكها فى إمدادات المكون المحلي.
ومن أفضلية تنفيذ المشروع النووى من خلال مؤسسة «روساتوم» ـ المؤسسة الروسية الحكومية للطاقة النووية ـ أنها تحتل المركز الأول عالميا فى بناء المفاعلات النووية, حيث تقوم حاليا ببناء 42 مفاعلا فى دول العالم منها 8 مفاعلات داخل روسيا، وتضم أكثر من 340 شركة للصناعات المدنية النووية، كما تمتلك ثانى أكبر احتياطيات اليورانيوم فى العالم، وتسيطر على أكثر من ثلث السوق العالمية لخدمات تخصيب اليورانيوم، و17% من سوق الوقود النووي. وترجع ريادة الشركة للمزايا التنافسية، والتى من أهمها امتلاك دورة الوقود النووى بكاملها. كما تقدم روساتوم مجموعة بأكملها من الخدمات بكامل دورة حياة محطة الطاقة النووية، كما تقدم خدمات وحلولا فى مجال التقنيات النووية غير الطاقة بما فى ذلك الطب النووي، وتحلية المياه، وتكنولوجيا الإشعاع، لاستخدامها فى الزراعة ومفاعلات البحوث. ونجحت روساتوم مؤخرا فى تشغيل أول مفاعل نووى فى العالم من الجيل الثالث «plus» فى محطة نوفوفورونيج للطاقة النووية فى وسط روسيا، وهو مفاعل مماثل لمفاعلات الضبعة- ، كذلك نجحت فى إطلاق أقوى مفاعل نيوترونات سريعة فى العالم (BN-800) فى محطة بيلايارسك للطاقة النووية.
- واختارت مصر أحدث أنواع مفاعلات إنتاج الطاقة والتى تتمتع بدرجات أمان عالية للغاية فيما يشبه الأمان الذاتى للمفاعل