عقب إعلان أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم “داعش” خلافته المزعومة في عام 2014، من مدينة البصرة العراقية، أعقبها مبايعات للتنظيم في أنحاء كثيرة من العالم، تحت مسمى الولايات، غير أن هذه الخلافة لم تدم على أرض الواقع طويلا، فسرعان من تلاشت آمال الخليفة المزعوم وتبعتثرت ولاياته، فضلا عن مركز الخلافة في العراق والشام.
ومع تهاوي هذه الخلافة المزعوم، عمد التنظيم إلى خلافة أخرى، ليس لها محل إلا في الواقع الافتراضي، وفي خيال أتباعها فقط، غير أنها أخذت في التوسع والانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عوضاً عن الحقيقة، لتكون بديلا وكياناً يجمع التنظيم اتباعه حوله.
وقد حذر خبراء أمنيون من أن تنظيم داعش، عقب هزيمته الميدانية في العراق وسوريا، سيعمل على إقامة خلافة افتراضية في الفضاء الإلكتروني يواصل من خلالها التواصل مع أنصاره وتجنيد الاتباع، ويحث أعضاءه ومؤيديه على التحرك، والقيام بعمليات في أنحاء مختلفة من العالم .
وقد حذر الجنرال الأمريكي، جوزف فوتل، قائد القيادة الأميركية الوسطى في مطلع عام 2017، في مقال منشور تحت عنوان “الخلافة الافتراضية” من أن القضاء على تنظيم “داعش” على أرض المعركة لن يكون كافيا.
وقال فوتل:” حتى بعد هزيمته القاسية في العراق وفي سوريا، فإن التنظيم سيجد على الأرجح ملجأ في العالم الافتراضي يمكنه من مواصلة تنسيق الاعتداءات والإيحاء بها”، موضحا أن ذلك سيتيح له الاستمرار في حشد المؤيدين إلى أن يصبح قادرا على إعادة الاستيلاء على أراض جديدة.
وذكر فوتيل أن الخلافة الافتراضية صيغة محرفة للخلافة التاريخية، فهي تضم مجموعة من المسلمين يقودهم خليفة هو أبو بكر البغدادي، تطمح في الانتماء لدولة خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية ومقرها الفضاء الإلكتروني.
غير أن هناك خبراء أكدو أن اندحار التنظيم من القسم الأكبر من الأراضي التي استولى عليها في العراق وسوريا أثر على قدرته على التواصل عبر الإنترنت، إذ تراجعت كمية ونوعية المضمون الذي ينشره بالمقارنة مع الأشهر الأخيرة، من دون أن يختفي.
غير أن علي سبيل المثال فإن وكالة “إعماق” التابعة للتنظيم، لم تتوقف عن البث وتبني الاعتداءات والحث على تنفيذ هجمات، كما لا يزال من الممكن الاطلاع بسهولة على نشرات التنظيم المتوافرة بلغات عدة وهي تدعو مؤيدي الخلافة أيا كانوا إلى التحرك وتمدهم بنصائح وطرق لتنفيذ عمليات جديدة .
تشارلي وينتر الباحث في مركز “كوليام” البريطاني للأبحاث، كتب تقريرا بعنوان “الخلافة الافتراضية”، ذكر فيه أن الحضور الافتراضي الفكري لداعش سيزداد أهمية في الأشهر والسنوات المقبلة، موضحا أن التنظيم سيسعى إلى التركيز على أن فكرة الخلافة أهم من وجودها الفعلي.
ومن ثم سيحاول التنظيم تعويض هزيمته الميدانية بالانتشار بشكل أكبر على الواقع الافتراضي ، وهذا بدوره سيلجأ الحكومات المختلفة بالضغط علي مزودو خدمات الإنترنت في العالم بأخذ تدابير أكثر احترازية لوقف استخدام التنظيم للشبكة العنكبوتية .
لكن في ذات الوقت يذهب لوران بيندنر ورافايل جلوك، الباحثان الفرنسيان ، إلى أنه على الرغم من تشديد الرقابة على شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن تنظيم داعش أبدى قدرة كبيرة على الصمود بالنظر إلى مرونته وقدرته على التأقلم مع حذف مواد خاصة به.
وحذر وينتر من صعوبة محاربة حملة الدعاية على الإنترنت، التي قال التنظيم إن عامي 2014 و2015 كانا العصر الذهبي لها،عندما كان يسيطر على أراض شاسعة في سوريا والعراق، وأن فرض رقابة على الإنترنت لن يجدي نفعا، فالسلطات تركز على الجانب الخطأ من الشبكة وهو القسم المتعلق بكل المستخدمين، لأن أعضاء التنظيم يختبئون في أعماق الشبكة ويستخدمون تطبيقات مشفرة، وستظل هناك أماكن يختبئون فيها على الإنترنت.
غير أن مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية ذكر أن تنظيم داعش يتراجع في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن خلافته الافتراضية آخذة في التداعي والانهيار، وأن خسارة التنظيم في جميع المعارك التي خاضها على جميع الجبهات جعلته يفقد الكثير من قدراته، وقد انعكس ذلك على مستوى عمليات التجنيد وتقلص منظومته الدعائية.
وأضاف المرصد أن آلة التنظيم الإعلامية أنتجت في شهر سبتمبر الماضي – على سبيل المثال – ثلث الدعاية التي روجت لها في أغسطس 2015، كما أن رسائلها الدعائية لم تعد تتضمن أحلامها الزائفة التي كانت تخدع بها الشباب حول العالم، مثل إقامة الخلافة والعودة إلى الأندلس واحتلال روما.
وأوضح المرصد الإفتاء أن تراجع التنظيم وانهيار منظومته الدعائية في الواقع الافتراضي يعود إلى أسباب عديدة، بَيْدَ أن السبب الرئيس يعود إلى الهزائم الإقليمية التي لحقت بالتنظيم في جميع الجبهات التي يحارب عليها، وفقدانه السيطرة على معاقله في سوريا والعراق، ما أدى بدوره إلى فقدان مراكزه الإعلامية القدرة على تحرير وإنتاج المواد الدعائية بنفس الوتيرة والجودة التي كانت تنتجها من قبل.
وذكر أن أحد عوامل انهيار خلافة داعش الافتراضية هو تراجع أعداد العاملين في منظومته الإعلامية، حيث استهدفت ضربات التحالف الجوية عددًا كبيرًا من مسئولي الدعاية رفيعي المستوى والمصورين والمحررين والمنتجين، وكان على رأس الذين تم تصفيتهم العام الماضي، أبو محمد العدناني -المتحدث باسم داعش- وأبو محمد الفرقان -وزير الاعلام، وكان لهذه الخسائر المتزايدة في الطاقم الإعلامي أثر بالغ على العملية الإعلامية برمتها.
غير أن المرصد ذهب إلى أن الإنترنت لم يعد ذلك “الفضاء الآمن” للتنظيم كما كان من قبل، حيث لم يعد بإمكان داعش استخدام منصات وسائل الإعلام الاجتماعية الكبرى ومساحات تقاسم الملفات مثلما كان يفعل، وهو ما جعله يتجه إلى منصات التراسل التي توفر خدمات تشفير.
ونتيجة للضغوط والقيود التي تفرضها شركات الإنترنت الكبرى ومسئولو مواقع التواصل لتعليق وحذف الحسابات المؤيدة للتنظيم والداعمة له، بدأت المنظومة الإعلامية للتنظيم بالتحلل والانهيار، مما أسهم في انخفاض كبير في نشاط الحسابات بين مؤيديه والمتعاطفين معه، كذلك فقد تأثر سلوك مؤيديه أيضًا بتحول التنظيم النوعي من وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة إلى منصات التراسل المشفرة.
