بعد 40 عاما قضاها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يغادر عميد الأسرى الفلسطينيين، وعضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، الأسير الفلسطيني كريم يونس سجنه غدا الخميس.
واعتقلت قوات الاحتلال الأسير كريم يونس في السادس من يناير عام 1983، وحكمت عليه بالسّجن المؤبد، حيث جرى تحديده لاحقا بمدة 40 عاما.
وفي عام 2013، وفي ذكرى اعتقال يونس الـ30 توفي والده دون أن يتمكن من وداعه، واستمرت والدته بزيارته رغم مرضها وكبر سنها، إلى أن توفيت قبل شهور من موعد الإفراج عنه، وذلك في الخامس من مايو 2022.
وقال الأسير الفلسطيني، كريم يونس، في رسالة بعثها من زنزانته التي أمضى فيها 40 عاماً، قبل الإفراج عنه ونيله حريته بعد أيام قليلة، كما نقلتها محاميته غيد قاسم، الأحد الماضي: “ها أنا أوشك أن أغادر زنزانتي المظلمة، التي تعلمتُ فيها أن لا أخشى الظلام، وفيها تعلمتُ أن لا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين أخوتي.. أخوةُ القيد والمعاناة، أخوة جمعنا قسمٌ واحد وعهدٌ واحد”.
وجاء في الرسالة: “أغادر زنزانتي، ولطالما تمنيتُ أن أغادرها منتزعاً حريتي برفقةِ أخوة الدّرب، ورفاق النّضال، متخيلاً استقبالاً يعبّر عن نصرٍ وإنجازٍ كبيرين، لكنّي أجد نفسي غير راغب، أحاول أن أتجنب آلام الفراق، ومعاناة لحظات الوداع لإخوةٍ ظننتُ أنّي سأكمل العمرَ بصحبتهم، وهم حتماً ثوابت في حياتي كالجبال، وكلما اقتربت ساعة خروجي أشعر بالخيبةِ وبالعجز، خصوصاً حين أنظر في عيون أحدهم وبعضهم قد تجاوز الثلاثة عقود”.
وقال يونس إنه يغادر زنزانته، لكن روحه “باقيةٌ مع القابضين على الجمر، المحافظين على جذوة النضال الفلسطيني برمته، مع الذين لم ولن ينكسروا لسنوات، ولا يزالون يطمحون بأن يروا شمس الحرّيّة لما تبقى من أعمارهم”.
وتساءل يونس: “إلى متى يستطيعُ الأسير أن يحمل جثته على ظهره، ويتابع حياته والموت يمشي معه، وكيف لهذه المعاناة، والموت البطيء أن يبقى قدرهُ إلى أمدٍ لا ينتهي، في ظل مستقبلٍ مجهول، وأفق مسدود، وأمل مفقود وقلق يزداد من مشاهد التخاذل، على شعب أعزل”.
وأكّد قائلاً: “لا زلنا فخورين بأهلنا وأبناء شعبنا أينما كانوا في الوطن والشّتات، الذين احتضنونا، واحتضنوا قضيتنا على مرّ كل تلك السنين، وكانوا أوفياء لقضيتنا ولقضية شعبنا، ويقيناً راسخاً بعدالة قضيتنا، وصدق انتمائنا، وجدوى نضالنا”.
وتابع: “سأترك زنزانتي، رافعاً قبعتي لجيل لا شك أنه لا يشبه جيلي، جيل من الشّباب الناشط والناشطات الذين يتصدّرون المشهد، في السنوات الأخيرة، جيل من الواضح أنهم أقوى وأجرأ، وأشجع والأجدر لاستلام الراية، والحريصون على تنفيذ وصايا شعبنا المشتت المشرد، بانتزاع حقه بالعودة وتقرير المصير”.
وعبّر الأسير يونس في رسالته عن الرهبة التي تجتاحه، عند خروجه من الزنزانة، والاقتراب من عالم لا يشبه عالمه، كما يصف: “ها أنا أقترب من لحظةٍ لا بدّ لي فيها إلا وأن أمر على قديم جروحي، وقديم ذكرياتي، لحظة أستطيع فيها أن أبتسم في وجه صورتي القديمة، من دون أن أشعر بالندم، أو بالخذلان، ومن دون أن أضطر لأن أبرهنَ البديهيّ الذي عشتهُ، وعايشته على مدار 40 عاماً، علّني أستطيع أن أتأقلمَ مع مرآتي الجديدة”.
وختم قائلاً: “أنا عائد لأنشد مع أبناء شعبي في كل مكان نشيد بلادي نشيد الفدائي.. نشيد العودة والتّحرير”.
والأسير يونس من مواليد العام 1958 في قرية عارة، وجرى اعتقاله من قبل قوات الاحتلال عن عمر 23 عاماً، وذلك خلال دراسته الجامعية في جامعة بن جوريون في النقب.
ومن جانبه، أكد رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، مساء أمس الثلاثاء، أن طلب وزير الداخلية في الحكومة الإسرائيلية أرييه درعي بسحب الجنسية من الأسيرين كريم وماهر يونس، يعد تعبيرًا صارخًا عن مستوى التطرف والفاشية، غير المسبوق للحكومة الإسرائيلية، والتي يحاول أطرافها التسابق لإيجاد مسارات جديدة للتنكيل بالفلسطينيين.
وأضاف فارس، في بيان صحفي، أنه من الواضح أنّ (درعي)، تقدم بهذا الطلب، استجابة لطلب جمعيات متطرفة، وهو يدرك تمامًا أن هذا الطلب غير (قانوني)، لافتًا إلى أنّ تصاعد الحديث عن التهديدات بسحب الجنسية، مؤشر خطير على ما ستحمله المرحلة القادمة، من محاولات تهجير تطال الفلسطينيين، وكانت قضية الحقوقي صلاح الحموري دليلًا واضحًا على النوايا المتصاعدة حيال ذلك.
واعتبر فارس هذا الطلب “جزءًا من دائرة أكبر وأوسع من الأهداف لمحاربة الوجود الفلسطيني”، مبينًا أن الاحتلال لم يكتف باعتقال كريم وماهر 40 عامًا، بل يريد أن يمعن في عملية الانتقام بطرق مختلفة، في سبيل إرضاء شهوة المتطرفين اليوم ليس إلا.
وشدد فارس على أن ما تواجهه قضية الأسرى اليوم، هي نتاج لعملية تحريض استمرت على مدار سنوات، وتضاعفت مع تصاعد التيار اليميني الأكثر تطرفا، والذي رأى في هذه القضية أداة أساسية لكسب أصوات الناخبين.
من هو الأسير الفلسطيني كريم يونس
هو من سكان عارة في فلسطين المحتلة عام 1948 يدخل عامه ال 40 في سجون الاحتلال الإسرائيلي وهو أقدم أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية وفي العالم أيضا.
واعتقل كريم يونس في 6/1/1983 وحكم عليه بالسجن المؤبد الذي حدد فيما بعد بـ 40 عاما، وقد كان يفترض أن يفرج عنه خلال الدفعة الرابعة وفق التفاهمات التي أبرمها الرئيس الفلسطيني مع حكومة إسرائيل والتي تقضي بالإفراج عن كافة الأسرى القدامى المعتقلين قبل إتفاقيات أوسلو، ولكن حكومة الاحتلال تنصلت من الأفراج عن الدفعة الرابعة والتي كانت تتضمن 30 أسيرا منهم 14 أسيرا من الداخل الفلسطيني وهم الأقدم في السجون.
ويعتبر كريم يونس رمزا لنضال الحركة الأسيرة في السجون والذي رفض أي ابتزاز أو مساومة أو أي عملية تمييز وفصل بين الأسرى من الداخل أو بقية الأسرى في الضفة وغزة والقدس، مؤكدا أنهم مناضلون فلسطينيون ناضلوا وضحوا من أجل فلسطين وحرية فلسطين .
ومن أبرز مواقفه خلال محاولة إسرائيل فرض الضغوطات السياسية والابتزاز على القيادة الفلسطينية في فترة تعليق الإفراج عن الدفعة الرابعة ومطالبة إسرائيل من القيادة الفلسطينية الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل وبشرعية المستوطنات وغيرها من المواقف المرفوضة فلسطينيا، قال كريم يونس: أنا مستعد أن أقضي مائة عام أخرى في السجون، وأرفض أن نستخدم كوسيلة ضغط سياسي على القيادة الفلسطينية على حساب الحقوق الأساسية والثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني.
صفحات من حياته
ووفق تقرير لهيئة الأسري، وُلد يونس في بلدة عارة في 24-12-1956 لأسرة فلسطينية تنتمي للوطن وتعشق الأرض والقضية، درس المرحلة الإبتدائية والإعدادية، ثم انتقل للناصرة ليحقق النجاح في الثانوية العامة، وخلال دراسته في جامعة “بن جوريون ” كان اعتقاله في التاريخ الذي لم تنساه والدته ام كريم في مثل هذا اليوم من عام 1983، حيث قالت: ” لا يمكن للحظة أن ننسى تلك اللحظات التي حولت مسار حياتنا، خاصة وأنه في الليلة التي سبقها كانوا اقتحموا منزل ابن عمومتنا سامي يونس واعتقلوه، وبعد منتصف الليل استيقظنا على صوت طرق شديد على بوابة المنزل، وما كاد زوجي يفتح الباب حتى فوجيء بالعشرات من الجنود المدججين بالسلاح كمن حضر لساحة معركة، وقبل أن نسأل طلبوا منا إحضار كريم، فأبلغناهم أنه غير موجود لأنه يدرس في جامعة بن جوريون في بئر السبع، فغادروا وهم يتوعودنا باعتقاله وهذا ما حدث ففي اليوم الثاني اعتقلوه من جامعته وبعدها بأيام اعتقلوا قريبنا ماهر يونس وثلاثتهم اقتاودهم للتحقيق دون ابلاغنا بأي معلومة حول اعتقالهم”.
الحكم القاسي
وفي مرحلة الاعتقال الأولى، قالت والدة كريم: “عانينا كثيرا ونحن نبحث عن مصيره وهم يحتجزونه مع رفاقه رهن التحقيق، وكانت الصدمه عندما بدأت جلسات المحاكم المريرة، وبعد 27 جلسة محكمة على مدار سنة كاملة، أصدرت المحكمة قرارا بإعدام كريم وماهر شنقًا بالحبل، وأراد الاحتلال استغلال القضية لفرض حالة من الرعب والخوف والحرب النفسية لأننا نعيش في الداخل ونقل رسالة لكل فلسطينيي الداخل الذين يفكرون بانتهاج المقاومة ضد الاحتلال”.
وبالسعي لإفشال وإلغاء الحكم وبعد متابعة وجهد كبير تم الاستئناف على الحكم وقررت المحكمة الإسرائيلية إصدار حكم بالسجن المؤبد المفتوح.
وذكرت هيئة الأسرى أن الأسير عباس كان في الموقع القيادي الأول في جميع المعارك التي سطرتها الحركة الأسيرة في كافة المراحل في صراعها المرير مع إدارة السجون، ورغم تعرضه للعقاب والعزل والنفي من سجن لأخر لم يكن يتأخر عن المشاركة في إدارة دفة الصراع دفاعا عن الحركة الأسيرة ومكتسباتها، وأنه كان يفخر بهويته الفلسطينية ولم تنال منه سنوات الاعتقال ولم تؤثر على معنوياته ومبادئه محطات المعاناة بعدما شطب اسمه من كل عمليات التبادل”.