حياة فنية ثرية مليئة بالحكايا والأسرار، يتردد صداها ترنيمة موسيقية في معبد الفن حال ذكر اسم الموسيقار المصري العظيم بليغ حمدي.. اليوم تمر ذكرى ميلاده الـ85، ولايزال مؤرخو الموسيقي يتذكرون ساحر الألحان محمد فوزي وهو يقدم بليغ حمدي، الشاب المقبل على الثلاثين من عمره آنذاك، لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، حينما طالبت فوزي بلحن لها، فاعتذر للسيدة بلباقة، وأعلن نبوءته التي صدقها الزمن (عندي ليكي ملحن مصر حتغني ألحانه أكتر من 60 سنة قدام).
جاء اللقاء الأول بين السيدة وبليغ في حفلة بمنزل الدكتور زكي سويدان أحد الأطباء المعالجين لأم كلثوم وهناك بدأ بليغ في تلحين الكوبلية الأول وهو جالس علي الأرض وسط ذهول الحاضرين، ذهلت السيدة وإلى جواره جلست دون أن تشعر، وطلبت منه بعد تلحين أول كوبليه أن يواصل اللحن الذى لم يكتمل، انتهت الليلة وتواصلا على موعد يكون الشاب قد أنهى معزوفته التي ستشدو بها أم كلثوم فكانت (حب إيه) في ديسمبر 1960 وتحقق نجاحا ساحقا، وتتوالى بعدها السنوات العشر لتؤرخ التعاون بينهما في (أنساك وظلمنا الحب وكل ليلة وكل يوم وسيرة الحب وبعيد عنك وفات الميعاد وسقط القناع وألف ليلة وليلة والحب كله وحكم علينا الهوى).
توفي بليغ عن عمر يناهز الـ61 عاما، ظل يتعبد في محراب الفن طوال 35 سنة منها، هى عمر موسيقاه التى قدمها ما بين عام (1957 مع عبدالحليم حافظ في أغنية “تخونوه” وعام 1992، الذي لحن فيه الموسيقي التصويرية للجزء الأول من مسلسل بوابة الحلواني) اللحن الأخير في مسيرة ملك الموسيقى.
بليغ الذى أنطق الموسيقي، وحرر أجنحة المشاعر والأحاسيس، كان عابرا للأجيال إذ تعاون طوال مسيرته مع كل من شدا طوال هذه الفترة (أم كلثوم في 11 أغنية، عبد الحليم حافظ 29، ووردة الجزائرية 26، و16 مع نجاة، و7 أغنيات مع صباح، تعاون أيضا أنجب أبناء الموسيقى العربية مع شادية وسميرة سعيد وميادة الحناوي وعزيزة جلال وهاني شاكر وعلى الحجار ونادية مصطفى وفهد بلان ومحمد عبده وأحمد عدوية ومحرم فؤاد ولطيفة وغيرهم الكثير.
وردة وعشق يبدأ بـ«تخونوه»
وردة الجزائرية البالغة من العمر آنذاك السادسة عشرة من عمرها، عشقت بليغ ملحن أغنية «تخونوه» في فيلم الوسادة الخالية، ظلت تترقب ملك الموسيقى القادرعلى توجيه لحنه أينما وكيفما شاء إلى أن التقته حينما زارت مصر في منزل محمد فوزي وبدأت القصة من لحن «يا نخلتين في العلالي».
فتن بليغ بوردة الجزائرـ تقدم لها فـرُفض، تزوجت واعتزلت الغناء، كان على العاشقين أن يفترقا لـ9 سنوات كتب خلالها بليغ “العيون السود” ووضعها في أدراج مكتبه، التقيا بعد انفصالهما، تزوج العاشقان عام 1972، ولم تستمر حياتهما سوى 6 سنوات، قالت عنها «وردة» «بليغ عاشق لعمله الفني بشكل يؤثر على بيته»، ورغم أن العلاقة الزوجية انتهت فإنها لم تتزوج بعد فراقهما هذا حتى وفاتها في مايو 2012.
سجلت الكاميرات في عام 1978 حفلا توقفت فيه وردة عن الغناء، ودعت بليغ أن يصعد خشبة المسرح، لتقبله، وعيناها تلمعان بالشوق، وهي تقول «ما شوفتوش من شهر.. شهر ما شوفتوش».
https://www.youtube.com/watch?v=JF2L_rmvUvA&feature=youtu.be
مما قالته وردة أيضا عن بليغ «صادفت الحب الحقيقي في حياتي مرتين، الأولى مع أولادي، والثانية مع بليغ حمدي»، وفي حوار أجرته مع إحدى الصحف قبل وفاتها، كشفت الجزائرية عن أن المطربة السورية ميادة الحناوي كانت سبباً في طلاقها من «حمدي» لرغبتها في أغنية «مش عوايدك» التي قدمها «بليغ» لها.
الجزائرية غنت الكثير من ألحانه «حكايتي مع الزمان، وبلاش تفارق، وطب وأنا مالي» وظل «بليغ» يذكرها حتى قبل رحيله وقال عنها في أحد البرامج الإذاعية إنها شكلت بفنها وبصوتها وبجمالها أكبر وأصدق حب في حياته.
واليوم وبعد مرور 85 عاما على ميلاد الفقيد لاتزال تجمع الأجيال المختلفة في الأذواق والرؤى والأفكار على أن بليغ وبحق واحد من أمهر الموسيقيين العرب الذين لانت لهم الجمل الموسيقية بتفرد منقطع النظير لتتحقق نبوءة غواص بحر النغم محمد فوزي (ألحانه سترددها مصر لأكثر من 60 عاما)، ويدندن المصريون بألحان البليغ حتى اليوم.
