بهاء العوام يكتب: إسرائيل والخيار الاستراتيجي في معاداة إيران

بعيدا عن فوبيا الصهاينة، الذين يحكمون العالم من الأقبية السرية، فإن الموقف الإسرائيلي من الأزمة السورية لم يكن مؤثرا لصالح أي من طرفي الصراع. المبدأ الأساسي للإسرائيليين هو النأي بالنفس طالما بقي الخراب خارج حدودهم، وإذا تحتم عليهم الاختيار بين المعارضة والحكومة، فالجار قبل الدار ومن تعرفه خير ممن تتعرف عليه، كما يقولون.

الحديث عن احتواء إسرائيل لفصائل المعارضة ودعمهم عبر معالجة جرحاهم لم يّمكن المعارضة من الاستحواذ على سنتمتر واحد في المحافظات الجنوبية، كما أن الحديث عن توسل تل أبيب لدى دول العالم من أجل إبقاء الأسد هي مبالغة واستهزاء بعقولنا.

القلق السياسي الوحيد لإسرائيل في الأزمة السورية، يكمن في التمدد الإيراني بدمشق كما هو الحال في صنعاء وبغداد وبيروت، وهو ما التقى مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة في المنطقة، تلك التوجهات التي لم يعرف من أسبابها سوى رغبة رجل الأعمال دونالد ترامب باستنزاف أموال الشرق الأوسط بحجة محاربة “البعبع” الإيراني.

لم تكتف إسرائيل باستنكار الوجود الإيراني على حدودها، وإن كانت حدودا مغتصبة، إعلاميا وسياسيا، وإنما وقفت بالمرصاد لأي تحرك عسكري لأذرع طهران العسكرية داخل سوريا، وكلما تلوح لها فرصة في الأفق تقصف مخرنا أو قافلة للسلاح أو تستهدف قياديا أو منشأة حيوية أو مركزا للتدريب أو العمليات للقوات الإيرانية و ميليشياتها.

السلوك الإسرائيلي إزاء الحضور الإيراني في سوريا لم يتغير حتى بعد قدوم الروس بكل عتيدهم وعتادهم، ويبدو أن الرسالة التي سلمها بنيامين نتنياهو إلى فلاديمير بوتين عندما نصب الأخير نفسه حاكما على دمشق، كان فحواها بأن تل أبيب لن تكترث بمن يطير في سماء سوريا ولكنها لن تسمح بتحرك حشرة إيرانية تهدد أمنها القومي.

الفعل وليس القول ضد إيران في سوريا هو ما تتطلع إليه إسرائيل من حلفائها في العالم وخصوم طهران في المنطقة، ولكن ليس كل ما تشتهيه تل أبيب تدركه ولو كانت الرغبات بالتمني لكان حزب الله قد زال من لبنان منذ عقدين على الأقل.

المعركة بين إسرائيل وإيران ليست صراعا بين محتل ومقاومة كما يصورها محور الممانعة، فزعماء هذا المحور قدموا لإسرائيل أكثر من “حكماء صهيون” أنفسهم. المعركة بين الطرفين هي حرب هيمنة على المنطقة، هيمنة تتمدد إيران فيها بأدوات وسياسة فعالة بينما إسرائيل تتطلع إليها وتتمناها ولكن تعجز عنها لأسباب عدة.

محاولة الهيمنة على الشرق الأوسط تتنافس فيها منذ عقدين تقريبا عدة دول في المنطقة. المعطيات الحالية تعلن نجاح إيران في احتلال خمس عواصم هي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء والدوحة، وهو ما يقلق إسرائيل والكثير من دول العرب فيما تستغله الدول الكبرى لتمرير مصالحها في المنطقة.

إسرائيل أدركت أن روسيا تورطت مع إيران في سوريا ولم تعد قادرة على تقليم أظافرها هناك، كما أدركت أن الولايات المتحدة تعجز عن مهاجمة إيران إذا ما كانت تريد ذلك أصلا، وقبل هذا وذاك أدركت، كما هو حال الكثير من دول المنطقة، أن إيران تمارس السياسة وتجيدها حقيقة وليس ادعاء. 

ربما يكون التهديد الإيراني العسكري المباشر آخر مخاوف تل أبيب، ولكن إسرائيل لم تعد تريد العيش في نظرية التهديد الخارجي يوحد تباينات الداخل تحت راية الدولة، النظرية التي استعانت بها إسرائيل لضمان تأسيسها ولجأت إليها الأنظمة العربية الاستبدادية المجاورة لترسيخ سلطة الحاكم الفرد أو الحزب الحاكم.

إسرائيل تحتاج اليوم إلى التطبيع مع محيطها العربي، ليس حبا وإنما تماشيا مع متغيرات إقليمية ودولية كثيرة، فالعديد من دول العالم لم تعد تتبنى ذلك الدفاع الأعمى عن إسرائيل، كما أن السلام مع الفلسطينيين، وفقا لتصور تل أبيب طبعا، سيسقط بالتقادم بعد اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل وتفشي المستوطنات داخل الضفة الغربية، وما سيحصل عليه الفلسطينيون في نهاية المطاف دولة في قطاع غزة وجزء من سيناء المصرية بحسب مضمون صفقة القرن التي تتسرب في وسائل الإعلام شيئا فشيئا.

وبالعودة إلى سوريا، الجزء الأهم من المحيط العربي، ليس لقوتها أو ممانعتها وإنما لميوعة علاقتها مع إسرائيل، فالأخيرة باتت تدرك أن تثبيت حدودها الشمالية عبر اتفاق سلام هو الخيار اليتيم لوقف المد الإيراني باتجاهها وتحويله من عصاب إلى ذريعة للتدخل في شؤون المنطقة بالتعاون مع خصوم طهران في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تعزيز العداء لإيران في المنطقة العربية سيكون مشروع إسرائيل الاستراتيجي بوصفه بوابة استقرارها وتحقيق أهدافها بعيدة المدى، وليس منها بأي حال من الأحوال تأسيس الدولة الكبرى من الفرات إلى النيل كما تقول أدبيات تأسيسها على أرض فلسطين.

للتواصل مع الكاتب:

 bahaa.alawam@alghad.tv

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]