مسارات التوتر الإسرائيلي الفلسطيني.. إلى أين؟
بعد عام تقريبًا من اضطرابات أبريل ومايو العامَ الماضي، لم تُجرِ إسرائيل ولا أيُّ قوة خارجية، مراجعةً لمقاربتها للتوتر (الإسرائيلي – الفلسطيني) الذي يتجه يوما بعد آخر إلى مزيد من التصعيد.
البدايات
أحداث ربيع 2021 التي بدأت من مواجهاتٍ في باب العامود وصولا إلى الحرب على غزة، انتظر الجميعُ بعدها تحركاتٍ، سواءٌ على المستوى الداخلي أو من جانب المعنيين الدوليين بالملف الفلسطيني، لكن التحرك الإسرائيلي جاء عكسيا، من خلال توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، وتصنيف 6 منظماتِ مجتمعٍ مدني فلسطينيةٍ كإرهابية.
وبموازاة ذلك، تبنت الحكومة الائتلافية برئاسة نفتالي بينيت، نهجا دبلوماسيا مع حلفاء إسرائيل لاستعادة وُدِّ بعضِ القادة المستاءين من النهج السابق لبنيامين نتنياهو.
أما بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأوروبية، فيبدو – بحسب خبراء – أنها غسلت يديها من الصراع (الإسرائيلي – الفلسطيني)،كما أنها لا تتعرض على مدار الأشهر الماضية إلى أي ضغوط داخلية تذكر للقيام بأي فعل في هذا الصدد، فضلا عن انشغالها بالحرب الروسية الأوكرانية.
والنتيجة، هي أنه بدلاً من اتخاذ خطوات لتقليص الصراع والدفع نحو محادثات سلام جِدية، فإن الجهات الفاعلةَ الدولية تُمكِّن القمعَ الإسرائيلي، من خلال الصمت شبه التام.
وفي غياب فعلٍ أكثرَ حسماً وإعادةِ تفكير شاملةٍ بالمقاربة الدولية للصراع، يمكن لهذا المسار أن يفضيَ إلى مزيد من الابتعاد عن حل الدولتين، ويدفع باتجاه تصعيد جديد لا تحمد عقباه.
خطة ممنهجة
في هذا السياق، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رمزي رباح، إن ما يجري حاليًا في الأراضي الفلسطينية تصعيد إسرائيلي بامتياز.
وأضاف رباح، خلال مشاركته في برنامج “مدار الغد”، أن الحكومة الإسرائيلية لديها خطط استيطانية تعمل عليها بمنهجية واضحة، وفي المقابل تعمل على احتواء ردود الفعل الناتج عن ذلك.
كما يرى رباح أن الفلسطينيين أمام خطة منهجية إسرائيلية يقابلها سياسة تنكرية لحقوق الشعب الفلسطيني، وإدارة الظهر لأي حلول سياسية مع المؤسسات الدولية، وتصعيد القمع ولمقاومة الإجراءات الإسرائيلية على الأرض.
وأردف: “الفلسطينيون يتحملون العبء الأساسي والحاسم في تعديل التوازنات والمواقف المحلية والدولية، ولذلك فإن (خيار المقاومة) سيظل رئيسيا في هذه الفترة لخلق توازنات جديدة تسمح بوقف المخططات الإسرائيلية وإجبار المجتمع الدولي على التحرك”.
السلطة الفلسطية
ومن نيويورك، قال الباحث في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، عمر حسن عبد الرحمن، إن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية لم تتغير منذ فترة طويلة، موضحا أن إسرائيل تعمل على إدارة الاحتلال، ولا يوجد لديها أي استراتيجية لحل البعد السياسي في هذا الأمر.
وأضاف عبد الرحمن أن إسرائيل كانت حذرة ومتأهبة جدا لاي تصعيد، مشيرا إلى أن المشكلات الجوهرية لم يتم حلها، ولا أتوقع أيضًا أي نتائج إيجابية مستقبلية، لا سيما أن قوات الاحتلال الإسرائيلي سترد على أي تصعيد بعنف.
وأوضح أن إسرائيل ليست لديها نية أو مصلحة لمواجهة الصراع مع الفلسطينيين، مشيرا إلى أن التصعيد سيتكرر كثيرا، والانفجار قادم لا محالة.
وتابع قائلا: “السلطة الفلسطية الحالية لا تريد التصعيد ولا تريد تغيير الأوضاع على الأرض، ونحو 80% من الفلسطينيين يريدون من الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يتنحى”.
ضغوط على إسرائيل
ومن روما، يرى مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، يوست هيلترمان، أن هناك انفجارا سيحدث عاجلا أم أجلا، لأن القضايا الرئيسية لم تعالج، لافتا إلى وجود صمت دولي تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية، والجميع يعلم أنه لا حلول لهذا الصراع.
وأضاف أن إسرائيل تفعل ما تريد، لا سيما مع وجود (الانقسام الفلسطيني)، وبالتالي فلن يكون الفلسطينيون قادرين على مقاومة الاحتلال.
كما أكد أن أوروبا وأمريكا لن يعودوا لممارسة ضغوط على إسرائيل للجلوس وبحث الحل السياسي وذلك بسبب الحرب في أوكرانيا.
حكومة (بينيت-لبيد)
من ناحية أخرى، يبذل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، جهودا لإنقاذ الائتلاف الحكومي الذي يترأسُه من التفكك، وهو الأمر الذي أفقد الائتلافَ الأغلبية البرلمانية التي كان يحظى بها، ليصبح قائما على ستين عضوا في الكنيست.
تلك الخطوة رأها مراقبون أنها تدفع في اتجاه تعقيد عمل حكومة بينيت – لبيد، بل قد تؤدي إلى إسقاط تلك الحكومة في أي لحظة.
وما قد يؤشر على ذلك، تهنئةُ رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو إلى “سيلمان”، والتي دعا من خلالها أيضا نواباً آخرين لأن يحذوا حذوها، بل وطالب نتنياهو أعضاء الحكومة بالاستقالة والانضمام إلى ما سماه “المعسكر الوطني”، واصفا حكومة بينيت بـ”الضعيفة”.
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، عن اتصالات بين حزب الليكود ووزيرة الداخلية إيليت شاكيد لإقناعها بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، وهو ما سيزيد فرصَ انهياره، حال حدوث ذلك.
ومن حيفا، قال رئيس معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، دكتور عصام مخول، إن نهاية المطاف ليست واضحة في هذه المرحلة، لكن الأمر البارز هو أن المنظومة السياسية الإسرائيلية دخلت مرحلة جديدة، وربما تكون قد دخلت نفقا مظلما لا مخرج منه.
وأضاف مخول أن الجميع يدور في دائرة مفرغة، فلا المعارضة قادرة على إسقاط الحكومة واستبدال الائتلاف، ولا الائتلاف قادر على الحكم بشكل صحيح وتمرير قوانين لأنه يفتقر إلى الأكثرية، كذلك المعارضة ليس لديها ثقل في الكنيست.
كما أشار إلى أن ولادة حكومة (بينيت-لبيد) لم تكن مخرجا للأزمة منذ بداية مجيئها، ولكن ما حدث هو تأجيل الانفجار، حتى أصبحت الآن إسرائيل تعيش مرحلة من دون استقرار سياسي أو أمني.
ومن القاهرة، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، دكتور طارق فهمي، أن إسرائيل مقبلة على حالة من “عدم الاستقرار” وأن تفكك الحكومة مجرد مسالة وقت.
وأضاف فهمي أن بعض الوزراء سيقدمون استقالاتهم خلال الأيام المقبلة بصرف النظر عن محاولات رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو جذب بعض النواب لحزب الليكود ونسبة الـ”54″ صوتا.
وأكد فهمي أن الحكومة ربما تستمر في العمل حتى إقرار الموازنة العامة الجديدة، وربما تكون هناك ترتيبات كبيرة بين وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، وبنيامين نتيناهو، لكن على كل حال الذهاب إلى انتخابات جديدة مستبعد.