حظيت زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لليونان، باهتمام غير مسبوق من وسائل الإعلام الروسية، والتي وصفت الزيارة بعبارة ذات مغزى ومعنى «ناسك الكرملين يحج الى جبل آثوس» في تغطياتها للزيارة، التي بدأها أمس الأول، الرئيس بوتين لليونان، وتعد أول زيارة خارجية له منذ نحو سبعة شهور.
وتعبير وسائل الإعلام الروسية، لا يخفى فكرة الوجود التاريخي للرهبان الروس في الجبل اليوناني «المقدس»، وهو أمر ذو أهمية، خاصة في هذه السنة التي تصادف مرور ألف سنة على وصول أوائل الحجاج من روسيا إلى تلك المنطقة، وإقامة أول دير كان شاهدًا على تقلبات الزمن، وطغيان الطابع الأرثوذكسي على شبه جزيرة كالسيديس، حيث يقع الجبل، ما أسفر عن ارتباط تاريخي مايزال وثيقًا بين اليونان وروسيا، وهو ما برز خلال حرب استقلال اليونان (1821- 1832) وبعدها، عندما شهد الجبل برعاية القيصر الروسي توسيع الأديرة الروسية والممتلكات التابعة لها.
الاهتمام الإعلامي والسياسي داخل الشارع الروسي بالزيارة الحالية، لا يقتصر على البُعد التاريخي ورمزية الحدث بالنسبة الى الزعماء الروس منذ عهود القياصرة، بل يتجاوز ذلك إلى الأهمية التي يوليها الروس الآن لكل رحلة يقوم بها بوتين، بعدما غدت رحلاته الخارجية نادرة في ظل الحصار والمواجهة مع الغرب، وهذا هو السر، حسب تعبير الدوائر السياسية في موسكو، في تسمية بوتين بـ«ناسك الكرملين».. فزيارة اليونان هي الأولى له منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما حضر قمة المناخ في باريس، وقبل زار المجر في شهر فبراير/ شباط 2015ـ بينما قام على سبيل المثال، بـ 26 رحلة خارجية في العام 2004 بين الزيارات الرسمية وزيارات العمل.
ثانيا: تبرز أهمية الزيارة للكرملين، في أعقاب دعوات متكررة إلى الغرب لكي يتعامل مع روسيا على قدم «المساواة»، من أجل استئناف العلاقات، ويبدو أن بوتين بدأ يفقد صبره بسبب تجاهل الغرب دعواته، ما انعكس في تمديد قمة مجموعة الدول السبع الكبرى العقوبات على بلاده، رغم أن روسيا أحرزت تقدمًا مهمًا في المحادثات مع أوروبا حول التسوية في أوكرانيا.
ثالثا: تبدو الزيارة في صورة تفكيك الحصار الأوروبي المفروض على روسيا، ولذلك كان رهان بوتين قويًا على «الشقيق» اليوناني الذي تجمعه بروسيا «قرون من الصداقة والقيم الحضارية المشتركة».
وعلى هامش اهتمام الكرملين بزيارة بوتين لليونان .. تقول الأساطير الروسية إن من يزور جبل آثوس، يحظى ببركة السيدة العذراء، وقد يكون الأمر بين أسباب حرص الرئيس الروسي على زيارة المنطقة في كل رحلة يقوم بها إلى اليونان.. على رغم أن بداية عهده «لم تكن موفّقة» على هذا الصعيد؛ إذ دفعت ظروف مختلفة إلى إلغاء بند زيارة الجبل من جدول أعمال الرئيس في زيارتين تمتا في بداية الألفية الثالثة، وحينها كتب بعضهم في روسيا أن تلك «علامة شؤم»، لكن الأمر تم تجاوزه كما يبدو في العام 2005، عندما قام بوتين بزيارة ناجحة للمنطقة والتقى الرهبان الروس.