لا تزال اتفاقية «وادي عربة» للسلام بين الأردن واسرائيل، تثير جدلا واسعا داخل الشارع الأردني، رغم مرور نحو 24 عاما على الاتفاقية الموقعة في 26 أكتوبر/ تشرين أول 1994 .. وتصدّرت أراضي «الباقورة والغمر» المحررتين، والمؤجرتين لإسرائيل لمدة 25 عاما، اهتمامات الشارع السياسي ومناقشات مجلس النواب الأردني، والمطالبة بالسيادة المطلقة على المنطقة .. بينما كشف وزير الزراعة، المهندس خالد الحنيفات، أن الحكومة «ما تزال تدرس قرار انتهاء استئجار أراضي الباقورة والغمر الأردنيتين المحررتين من إسرائيل، مع انتهاء مدة التأجير المنصوص عليها باتفاقية السلام مع إسرائيل والبالغة 25 عاما، وأن التمديد أو إلغاء عقد التأجير مطروحان للدراسة حكوميا حاليا، لكن الثابت أن الأرض أردنية 100 % والسيادة للأردن كاملة عليها، وأن موضوع الملكيات الخاصة «ستدرس بشكل خاص».
ويقول سياسيون وباحثون أردنيون، إن مسألة «الملكيات الخاصة» ترجع إلى العام 1926 حين منحت سلطات الانتداب البريطاني شركة الكهرباء الفلسطينية المملوكة لـ «بنحاس روتنبرغ»، أحد قادة الحركة الصهيونية، حق امتياز توليد الطاقة الكهربائية عن طريق استخدام مياه نهري الأردن واليرموك لتوليد وتوريد وتوزيع القوة الكهربائية في فلسطين وشرق الأردن، ثم أقرّ المجلس التنفيذي لشرق الأردن (الحكومة الأردنية) في 8 يناير/ كانون الثاني 1928 هذا الامتياز ومدته سبعون عامًا، وفي شهر يونيو/ حزيران من العام نفسه، أقر المجلس التنفيذي بيع ستة آلاف دونم لشركة «روتنبرغ» في الأراضي المجاورة لمركز المشروع بقيمة ثلاث جنيهات للدونم الواحد، إلا أن «روتنبرغ »اكتشف أن شركته لم تكن بحاجة إلى ستة آلاف دونم، وباع هذه الأراضي لمستوطنين يهود !!
وكان وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني ، أيمن الصفدي، أكد في رده على سؤال نيابي مؤخرا أنه سيكون للأردن «في نهاية هذا العام حقّ تحديد موقفنا بأن نجدد اتفاقية الاستعمال أو لا نجددها، السيادة ثابتة للأردن وكلّ ما يجري هناك هو تحت إشراف الدولة الأردنية».
وطالب 16 نائباً أردنيا، بعقد جلسة مناقشة عامة بمجلس النواب، لمناقشة السيادة الأردنية على أرض الباقورة في الأغوار الشمالية، والغمر في وادي عربة جنوبًا.. وقال النواب في المذكرة «إن الشعب الأردني بات يقف على خطوات ليست ببعيدة على استرداد سيادته على أراضي الباقورة والغمر باعتباره صاحب الشرعية الدولية على أراضي الباقورة والغمر وصاحب الإرادة للمحافظة على كيانها وتحقيق استقرارها، وأن اتفاقية السلام الأردنية الإسرائلية وفي ملحقها ( 1 – ب ) والملحق( 1 -ج ) والتي تتعلق بأراضي الباقورة والغمر والتي قضت بخضوع السيادة لهذه الأراضي، وحق الاستخدام إلى الجانب الإسرائيلي مدة 25 عاما، وسمحت بذات الوقت لأي طرف إعلان الطرف الآخر عدم رغبته بتجديد تلك المدة لمدة مماثله قبل عام، وعليه نرجو المناقشة في جدول أعمال أول جلسة تالي للبرلمان».
وإذا كانت ذكرى «معاهدة السلام الإردنية ـ الإسرائيلية»، وعلى مدى السنوات الماضية، مدخلًا لإعادة تأكيد رفضها شعبيًا، إلّا أن الذكرى هذه السنة تطرح أسئلة إضافية وحاسمة، حول منطقتي الباقورة والغمر، وأن الأردن يستطيع بحسب اتفاقية السلام، إبلاغ «إسرائيل» خلال عام عدم نيته تجديد عقود هاتين المنطقتين واستعادة السيطرة عليهما بالكامل.
ويؤكد الباحث الأردني، خالد حباشنة في كتابه «العلاقات الأردنية-الإسرائيلية في ظل معاهدة السلام»ان المعاهدة تنص في الملحق 1 (ب) على تطبيق نظام خاص على منطقة الباقورة في الأغوار الشمالية تعترف «إسرائيل» من خلاله بالسيادة الأردنية على هذه المنطقة، إلا أن ذلك متبوع بعبارة تقول أن المنطقة «فيها حقوق ملكية أراضٍ خاصة ومصالح مملوكة إسرائيلية، وبالتالي يتعهد الأردن وفقًا للمعاهدة بأن «يمنح، دون استيفاء رسوم، حرية غير مقيدة للمتصرفين بالأرض وضيوفهم أو مستخدميهم، بالدخول إليها والخروج منها واستعمالها» وألا يطبق الأردن تشريعاته الجمركية أو المتعلقة بالهجرة على المتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذين يعبرون من إسرائيل إلى المنطقة بهدف الوصول إلى الأرض لغرض الزراعة أو السياحة أو أي غرض آخر يتفق عليه، بالإضافة إلى هذا، يسمح الأردن «بدخول رجال الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي، بالحد الأدنى من الشكليات، إلى المنطقة لغرض التحقيق في الجرائم أو معالجة الحوادث الأخرى المتعلقة حصرًا بالمتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم.
ويرى الباحث خالد حباشنة، أن هذا الوضع القائم يُفرِغ مفهوم السيادة من محتواه، كون السيادة من وجهة النظر الدولية تشمل «سيطرة الدولة على أراضيها وسكانها وثرواتها الخارجية والباطنية».
يذكر أن من أصل 1390 دونمًا (منطقة الباقورة) تم احتلالها عام 1950، زعمت «إسرائيل»أثناء مفاوضات «وادي عربة» بأن هناك 830 دونمًا هي «أملاك إسرائيلية خاصة»، واتفق «الطرفان» على صيغة أشبه بالإيجار..وبعد حرب عام 1967 احتلت إسرائيل مساحات واسعة من الأراضي الأردنية في وادي عربة جنوب البحر الميت، وقامت بتغيير خط الهدنة في وادي عربة، وزحزحت هذا الخط شرقًا لمساحات مختلفة، وصلت في بعض المناطق 8 كلم، بطول 128 كلم، أما المساحات التي استولت عليها إسرائيل فقد بلغت 387.4 كيلومتر مربع..واحتلت «إسرائيل» هذه الأراضي في وادي عربة تحت شعار التصدي لعمليات المقاومة الفلسطينية التي كانت تستهدف مستوطنات وادي عربة «الإسرائيلية» آنذاك، و«نقل خط الأمن شرقًا» !!
