بعد عامين على سقوطها في أيدي تنظيم داعش الإرهابي، ومحاولات واستعدادت متكررة لتحريرها، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في بيان ليس الأول من نوعه، انطلاق عمليات تحرير الفلوجة بمحافظة الأنبار، وذلك بمشاركة الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي ومقاتلي العشائر.
جاء ذلك بعد أشهر من الحصار فرضته القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي للمدينة التي وصفت بـ«مضايا العراق» ما أدى إلى كوارث إنسانية متكررة ما دفع بالقوات العراقية إلى الإعلان عن ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية وكذلك لخروج المدنيين، فيما حذرت الأمم المتحدة من تردي الوضع الغذائي «المقلق» لنحو 60 ألف مدني في المدينة المحاصرة.
وانطلقت معركة تحرير الفلوجة بعد أيام من تحرير مدينة الرطبة بالمحافظة نفسها، ما اعتبر خطوة هامة لتحرير مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، ومعقل داعش في العراق.
رفض لسيناريو متكرر
في كل عملية يطلقها الجيش العراقي لتحرير المدن من قبضة داعش، يثار جدل واسع حول مشاركة قوات الحشد الشعبي في هذه العمليات، ما اعتبره مراقبوان سينارية متكرر يعتمد فيه الجيش العراقي على «ميليشيات طائفية» تزيد من الشرخ المذهبي لبلد مقسم على خطوط صدع مذهبية وطائفية وعرقية.
وانطلقت عملية تحرير الفلوجة وسط رفض شعبي مماثل حيث أعرب قادة المشروع العربي تخوفهم من تكرار الانتهاكات التي ارتكبها الحشد في الرمادي وغيرها، وسط انتقادات شعبية لإعلان مشاركة الجيش مع تلك «الميليشيات» التي اتهمت بارتكاب انتهاكات وعمليات انتقامية سابقة، فيما تصر هذه القوات على المشاركة في العمليات التي تطلقها القوات العراقية.
وكان الخلاف حول مشاركة قوات الحشد الشعبي «الشيعية»، أجل انطلاق عملية تحرير الفلوجة وسط رفض أمريكي لمشاركتها في تحرير المناطق السنية، إلا أن الاتفاق الأخير الذي جرى لانطلاق العملية يؤكد على اقتصار انتشاره في الضواحي وفسح المجال أمام الجيش ومقاتلي العشائر لاقتحام المدينة.
وتداول سياسيون على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تغريدات تنتقد الإيعاز الإيراني بالمعركة، واصفين إياها بـ«التطهير العرقي» من خلال طرد الميليشيات الشيعية للسنة في المدينة وارتكاب الجرائم ضدهم.
خلاف وتوافق
وأثار تكليف القوات العراقية للفريق عبد الوهاب الساعدي قيادة عمليات الفلوجة العديد من التساؤلات في الوقت الذي ينتقده قادة «الحشد الشعبي»، حيث قاد الساعدر عملية تحرير تكريت، في أبريل/نيسان الماضي، ووجه انتقادات إلى قوات «الحشد» التي اتهمته بالتنسيق مع «التحالف الدولي» وليس معها وأبعد من منصبه، ليعود مرة أخرى قائداً لأهم معركة يخوضها الجيش ضد «داعش».
على الجانب الآخر، يبدو أن هناك توافقا بين أمريكا التي تقود قوات التحالف الدولي، وإيران التي تدعم قوات الحشد الشعبي، حيث وافقت أمريكا على مشاركة الحشد الشعبي، فيما وافق الأخير على خوض المعركة بغطاء من قوات التحالف وهو ما ظل الطرفين يرفضه دائما.
وأثار الموقف الأمريكي العديد من التساؤلات حيث كانت أمريكا قد رفضت مشاركة الحشد الشعبي في معارك تحرير تكريت واشترطت انسحاب قواته لإطلاق غاراتها ضد داعش، واليوم لا تعترض أمريكا على مشاركة القوات نفسها ولا تدعو لردعها في العراق من خلال التنسيق مع إيران.
مخاوف من تكرار سيناريو المعركة الأولى والثانية
وتعد هذه هي المعركة الثالثة التي تشهدها المدينة العراقية، فقد شهدت معركتين الأولى في أبريل/نيسان 2004 إثر محاولة فاشلة من القوات الأمريكية للسيطرة على المدينة، بعد أن قتل 4 من قوات المرتزقة من شركة بلاك وتر الأمريكية، وتكبد الجيش الأمريكي في هذا المعركة خسائر جسيمة.
أما معركة الفلوجة الثانية، فقد شنتها القوات الامريكية أيضا بمشاركة القوات العراقية والبريطانية على حولي 1000 مقاتل من اهالي المدينة، ما أوقع العديد من القتلى المدنيين، ووجه على أثرها الانتقادات للحكومة العراقية للمشاركة في هذه المعركة.
سيطرة داعش في الفلوجة
وتكمن قوة «داعش» في الفلوجة عند الضواحي في الكرمة شرقاً والصقلاوية شمالاً والهياكل جنوباً حيث تنتشر قوات مشتركة من الجيش والحشد الشعبي، فيما كان المنفذ الغربي عند الحلابسة الشريان الوحيد للتنظيم لارتباطه بقضاء الرطبة، وقد خسر التنظيم المنفذ بعد تحرير هذا القضاء.
وتخضع مدينة الفلوجة لسيطرة تنظيم داعش، فيما يمنع التنظيم خروج الأهالي من المدينة ويستخدمهم دروعا بشرية، وتعد المدينة هي الأولى التي سيطر عليها داعش في العراق، واحتلها في يناير/كانون الثاني 2014، قبل سيطرته على مدينة الموصل شمالي العراق بستة أشهر، وتكمن أهميتها في قربها من العاصمة بغداد، ومدينة كربلاء التي تضم المزارات الدينية الشيعية.