بدت مؤشرات مواجهة سياسية- تشريعية داخلية «ساخنة»، قد تصل إلى مرحلة «الغليان»، بحسب تقديرات الدوائر السيايسة في واشنطن، عقب إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يوم الجمعة الماضي، حالة الطوارئ الوطنية في محاولة لاستكمال تمويل جدار المكسيك الحدودى.
وبعد أن قرر الديمقراطيون خوض حرب شرسة ضد إعلان ترامب حالة الطوارئ الوطنية، وعربت اللجنة القضائية بمجلس النواب -ذى الأغلبية الديمقراطية- فى خطاب وجهته لترامب، عن قلقها من هذا الإعلان الذى وصفوه بالـ«متهور»، ويكشف عن استخفاف، بالفصل بين السلطة التشريعية، وسلطة الرئيس التى يفرضها عليه النظام الدستورى الأمريكي.
وتسبب القرار فى انقسام بين نواب الحزب الجمهوري، وكشف عد من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين، أنهم غير مقتنعين بوجود أزمة تستدعي إعلان حالة طوارئ، علاوة على مخاوفهم من ترسيخ سابقة في توظيف الصلاحيات الرئاسية.
ويقف «ترامب» أمام كل ذلك مدافعا عن نفسه، ومتوقعا أن يواجه قراره تحديات قانونية، ولكنه أكد ثقته فى نجاح موقفه أمام المحاكم، وقال للأسف ستتم مقاضاتنا ولكننا سنفوز، مؤكدا أنه سيستخدم صلاحيات الطوارئ لحماية البلاد من تجار المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين.
تحويل تمويلات خاصة بالجيش لبناء الجدار
كان الرئيس ترامب، أعلن حالة الطوارئ الوطنية في محاولة لاستكمال تمويل جدار على الحدود مع المسكيك، قائلا : «إن الجدار الذي سيبنى على حدود المكسيك سيوقف الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وذلك في محاولة لوقف دخول المخدرات والمجرمين إلى بلدنا»، مؤكدا أنه سيستخدم صلاحياته التنفيذية لتمويل الجدار.
ويمكن لحالة الطوارئ، أن تساعد فى تعويض الفارق بين ما وافق عليه الكونجرس، بتخصيص 1.3 مليار دولار فقط لتمويل الجدار، وبين ما طالب به ترامب 5.7 مليار دولار، فحالة الطوارئ تسمح لترامب بفتح تمويلات محددة بموجب قوانين سبق أن أصدرها الكونجرس.
ومن الواضح، أن البيت الأبيض يسعى لتحويل تمويلات خاصة بالجيش لبناء الجدار، خاصة أن البنتاجون لديه 21 مليار دولار من التمويل الخاص بالبناء العسكرى الذى لم يتم الالتزام به، وهى الأموال، التى خصصها المجلس التشريعى لمشروعات خاصة بالجيش لكن لم تصدر بعد، وأن الرئيس ترامب يمكن أن يستخدمها لبناء الجدار، فى ظل الاعتراضات داخل الكونجرس، بحسب ما قال اثنان من المساعدين فى مجلس الشبوخ الأمريكي، ومن المتوقع أن يستخدم ترامب مادة قانونية تسمح للرئيس بإعادة توجيه أموال البناء العسكرى فى حالة الحرب أو الطوارئ الوطنية.
أقوى هجوم من ترامب على النظام الدستوري
وحذر عدد من الخبراء القانونيين، من أن هذه الخطوة من الرئيس ترامب، ستكون انتزاع قوى للسلطة من قبل الرئيس فيما يتعلق بقضايا التمويل، فالدستور يخصص سلطة منح الأموال للكونجرس، لكن الأخير رفض دفع مقابل الجدار الحدودى الذى يريده ترامب، ولذا يبدو أن ترامب بحاول استغلال سلطة الاعتمادات.
ويرى سياسيون وقانونيون، أن إعلان الطوارئ الوطنية لتجاوز الكونجرس سيمثل أقوى هجوم من ترامب على النظام الدستورى الذى أقسم للحفاظ عليه وحمايته والدفاع عنه، ولو لم يتم عرقلة هذه الخطوة بشكل دائم من قبل القضاء فستظل تلاحق الجمهوريين، لأنها ستقدم سابقة لأي رئيس ديمقراطي في المستقبل ليحقق الأولويات الليبرالية بشكل تنفيذي وليس تشريعيا.
الرئيس ترامب يواجه حرب الجدار منفردا، بحسب تقارير الصحافة الأمريكية، ومن المتوقع أن يمرر مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، مشرع قرار يسمى «قرار عدم الموافقة»، كما ستعقد اللجنة القضائية بمجلس النواب، جلسة استماع خلال الأيام القليلة المقبلة حول إعلان الطوارئ بهدف التحقيق من القضايا الدستورية الجادة التي أثارها الإعلان، وطلبت اللجنة من مسؤولي البيت الأبيض ووزارة العدل حضور الجلسة، كما طالبت بالكشف عن الوثائق القانونية التي تم الاعتماد عليها لإعلان الطوارئ.
معارك قضائية ضد قرار ترامب
وفي غضون ذلك، بدأت المعارك القضائية ضد قرار ترامب، وأشارت رئيسة مجلس النواب، نانسي بلوسي، إلى نيتها الانضمام إلى الطعون القضائية في شرعية إعلان حالة الطوارئ ما إذا تم إعلانها، وبعض المسؤولين، خاصة الديمقراطيين، في مدن وولايات أمريكية أعلنوا أيضا نيتهم منع الرئيس من استعادة أموال فيدرالية خصصت سلفا لتمويل جهود الإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية.
وتقدمت النائبة الديمقراطية عن نيويورك، ألكساندريا أوكاسيو كورتز، مع نائب ديمقراطي آخر، مشروع قانون لوقف إعلان الطوارئ، لأنه من حق الكونجرس الأمريكى إلغاء قرار الرئيس بإعلان الطوارئ من خلال قرار مشترك يصوت عليه مجلسا النواب والشيوخ بالأغلبية.
ورفع ثلاثة ملاك للأراضى فى تكساس، ومحمية طبيعية فى وادى «ريو جراندي»، دعوى قضائية فى محكمة اتحادية بواشنطن ضد طوارئ ترامب.
وأعلنت ولايتا كاليفورنيا ونيويورك، أمس، أنهما ستلجآن للقضاء ضد إعلان ترامب. وقالت النائب العام لولاية نيويورك، ليتشا جيمس : «لن نقبل بانتهاك السلطة هذا، وسنقاوم بكل الأدوات القانونية التى تحت تصرفنا»، بينما وصف حاكم كاليفورنيا، جافين نوسم، المنتمى للحزب الديمقراطى، حالة الطوارئ الوطنية بأنها إجراء مصطنع. وقال: «رسالتنا للبيت الأبيض بسيطة وواضحة.. كاليفورنيا ستلتقى بك فى المحكمة».
«حالة الطوارئ» تهدد ترامب بـ«حرب الجدار»
«حالة الطوارئ» تهدد ترامب بـ«حرب الجدار»..ويذكر أن قانون حالات الطوارئ الوطنية يعود إلى عام 1976، فى عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، جيرالد فورد، وتم إقراره حينها بهدف منع فرض حالات طوارئ مفتوحة الأمد، وتعزيز سلطات الكونجرس في مراقبة صلاحيات الرئيس تحت هذه الظروف.. ومنذ ذلك الوقت، أعلن الرؤساء الأمريكيون 53 حالة طوارئ وطنية من بينها على سبيل المثال: أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979 وخلال هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
وحالة الطوارئ الوطنية وفق القانون يعلنها الرئيس إذا رآها ضرورية، ويمنحه الإعلان صلاحيات خاصة، ولكن قانون حالات الطوارئ الوطنية يخول الكونجرس حق إلغاء حالة الطوارئ عبر تمرير قرار بعدم الموافقة بثلثى أصوات أعضاء مجلس الشيوخ وتخطي الفيتو الرئاسي.
