الوضع العام في الجزائر ينذر بميلاد شيء ما، بحسب تعبير القوى السياسية، التي ترصد مؤشرات ترتيبات خلافة الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، ورفع من سقف توقعاتها تأكيد الجنرال خالد نزار، في مقابلته المثيرة مع موقع «آلجيري باتريوتيك»، بأن رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع، الفريق ڤايد صالح، يريد أن يكون رئيسا، وهو يمارس السياسة بغية الوصول إلى الوظيفة العليا في البلاد.
واحتمال أن يكون هذا تفكير ڤايد صالح لا يستبعده من يعرفون الرجل، بحسب تقرير صحيفة الخبر الجزائرية، الذي ينسب له قوله «وما المانع أن أكون أنا الرئيس؟»، وذلك في دردشة خاصة عبر فيها عن رغبته في أن يأخذ نفس مسار وزير الدفاع المصري السابق، الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتحت ذريعة أن الجزائر تواجه مخاطر ودسائس ومؤامرات، كما يقول هو في مختلف تصريحاته، وبالتالي لا يصلح للبلاد إلا رأس الضباط السامين في المؤسسة العسكرية.
أجواء حالة سوار الذهب
ويرى المحلل السياسي الجزائري، سعيد بو عقبة، أن الوضع العام في البلاد ينذر بميلاد شيء ما، وأن الأمور لا تسير كما يجب على مستوى الرئاسة، وعلى مستوى أجهزة الدولة الحساسة، ولا في الحكومة ولا في البرلمان، والرأي العام أصبح يتحدث عن مرحلة انتقالية في الأفق، وأجواء حالة سوار الذهب في السودان تحوم حول البلاد.
ويؤكد بو عقبة، أن المعارضة نفسها باتت في قطاعات واسعة منها تؤمن بأن الأوضاع لا تسمح بإجراء انتخابات رئاسية، سواء بإشراف السلطة أو خارج إرادة السلطة، تماما مثلما أن الوضع العام لا يسمح بالبقاء إلى 2019 والرئاسة في البلاد على هذا الوضع، لأن ذلك فيه خطورة كبيرة على البلاد. لهذا بدأت أجواء حل سوار الذهب السوداني قائمة، بعد الانسداد الحاصل بتجميد كل شيء، وأصبحت عملية العسكرة من جديد هي الحل المأمول لما نحن فيه الآن.
ويتساءل المتسائلون من يتحمّل مسؤولية ما وصلنا إليه؟ هل أحزاب الموالاة البائسة التي دعت إلى عهدة رابعة، إرهاصات فشلها كانت قائمة.. أم العسكر الذين سكتوا عن هذه القضية، وكان بإمكانهم أن يجعلوا الانتخابات الرئاسية الماضية مقدمة جادة لحل الأزمة السياسية في البلاد! ولماذا سمحوا بعهدة رابعة أزّمت الأوضاع إلى حد أن أصبح السياسيون في البلاد يطالبونهم بإنقاذ البلاد بلجنة إنقاذ جديدة تنصب على أنقاض السياسيين المدنيين سلطة ومعارضة.
«بوتفليقة الثاني» يسعى للسيطرة على مقاليد الحكم
ووفق صحيفة الإندبندنت البريطانية، فإن الرئيس بوتفليقة لم يلتق أي شخص خارج الحاشية التي يقودها شقيقه سعيد بوتفليقة منذ أكثر من عام، وهو ما يصعد الشكوك حول مساعي بوتفليقة الثاني إلى السيطرة علي مقاليد الحكم وتوسيع نفوذه، وسط نفي مستمر من الرئاسة الجزائرية، في الوقت الذي قالت فيه صحيفة الوطن الجزائري، إن ضابطا جزائريا متقاعد قد تم توقيفه لمساءلته حول تصريحات انتقد فيها شقيق الرئيس الذي وصفه بنفوذه الواسع ما يعكس، بالفعل، قوة نفوذه.
صراع الجنرالات المبكر
الدوائر السياسية في الجزائر، لم تخف القلق من تداعيات صراع الجنرالات المبكر على السلطة، استنادا إلى الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، والذي يحاول بدوره تهدئة الصراع بالظهور إعلاميا رغم مرضه الذي لم يعد سرا، ولا يؤهله لتحمل مهام مسؤولية الرئاسة.
ويؤكد خبير الشؤون السياسية الجزائري، السعيد بوسالم، لوكالة الأنباء الألمانية، أن حركة الإقالات المفاجئة مؤخرا، خاصة إقالة مدير الاستعلامات والأمن العام (المخابرات) الفريق توفيق، أثارت جدلا واسعا داخل الشارع الجزائري على المستويين السياسي الحزبي والشعبي، ثم جاءت تصريحات الجنرال المقال لتكشف عن حقيقة الصراع المفتوح على السلطة بين جناحين من الجنرالات، جناح يضم عددا من الجنرالات الأوفياء لبوتفليقة، والجنرالات السابقون، وهم الجنرال توفيق المعزول حديثا، والجنرال حسان، ووزير الدفاع السابق خالد نزار، الرجل القوي في النظام الجزائري خلال فترة التسعينيات.
اعترافات الجنرال الغامض
والصراع كشفت عنه بصورة معلنة، اعترافات رجل المهمات الصعبة «الجنرال الغامض» المقال، محمد مدين، والمعروف بالجنرال توفيق، مدير المخابرات الجزائرية السابق.
واعترافات مدين عبر رسالة في النشرة الاستخباراتية «ساحل إنتلجنس»، التي يوجد مقرها بفرنسا، أثارت ردود أفعال واسعة داخل الساحة السياسية في الجزائر، دفعت الأمين العام للحزب الحاكم، «جبهة التحرير الوطني»، عمار سعداني، لمهاجمة الجنرال مدين، واتهامه بملفات فساد، ودوره في اغتيال الرئيس الجزائري الأسبق محمد بوضياف.
وأكد سعداني أن الجنرال مدين «توفيق» فشل في صناعة الحكم الموازي، بمساعدة ذراع عسكرية يقودها حسان، وذراع حزبية وأخرى إعلامية وحتى شعبية من العناصر القليلة، ولكن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا يقبل أن يكون ثلاثة أرباع رئيس.
ويرى الخبير العسكري الجزائري، عبد القادر بوسنينة، في توضيحه للمشهد العام الجزائري، أن رسالة الجنرال توفيق سابقة في تاريخ الجزائر ونظامها السياسي العسكري، وقال لوكالة الأنباء الفرنسية، هذه الرسالة التي كسرت حاجز الصمت، ربما تشكل منعطفا حاسما في صراع الجنرالات على السلطة.
«شكيب» في الصورة
ومن جهة أخرى، نفى وزير الطاقة الجزائري السابق، شكيب خليل، ما يتردد عن طموحاته في الوصول إلى مقعد الرئاسة، لكن انتقال خليل، الحليف المقرب من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من مدينة إلى أخرى ولقاءاته مع المسؤولين والقيادات الدينية، دفع معارضيه للقول، إنه يبدو وكأنه يدير حملة دعاية انتخابية. وهو ليس الوحيد الذي يبدو أنه يناور في وقت يشتد فيه النقاش حول مدى بقاء الرئيس المخضرم، الذي لم يشاهد علانية إلا فيما ندر منذ أصيب بجلطة قبل 3 أعوام، في منصبه ومن قد يخلفه إذا ما تنحى جانبا.
سيطرة العسكري على المدني
الحراك السياسي بات معلنا على صفحات الصحف ووسائل الإعلام الجزائرية، وأصبح حديث الشارع الجزائري عن خلافة الرئيس بوتفليقة، والصراع المكتوم على السلطة داخل قصر الرئاسة والحزب الحاكم، بينما يخيم الصمت على مؤسسة الرئاسة، ويرجع ذلك وفقا لدراسة مركز دراسات الوحدة العربية، إلى أن مجموعة سلطة القرار في الجزائر ورثت عبر فترتي الحركة الوطنية وثورة التحرير الكبرى خصائص عدة وتركيبة داخلية وموازين قوى، تتميز بمركزية السلوكيات وضعف الشفافية وتفضيل العمل السري وسيطرة العسكري على المدني وأفضلية قيم الانضباط شبه العسكري وعدم تحبيذ النقاش السياسي العلني.
وأن شدة الغموض تميز نظام الحكم لدى الجميع، ومنذ الاستقلال إلى الآن، رغم تداول 7 رؤساء جمهوريات، حيث عرفت الجزائر بهذا التداول جميع الحالات والمواقف والأزمات السياسية بالنسبة للرؤساء من انقلاب وعزل واستقالة وإقالة واغتيال ووفاة، وبقي النفوذ دائما في أيدي المؤسسة الأمنية العسكرية منذ استقلال البلاد، ولم يتمكن أي رئيس في الجزائر من تجاوز هذا النفوذ إلا في حالات نادرة تجسدت خلال حكم الرئيس الراحل هواري بومدين.