يبدو أن حركة طالبان تحظى بقبول دولي أقلَّ تحفظا مما كان عليه الأمرُ خلال فترة حكمها الأولى لأفغانستان، لكن بالنسبة للصين، فالأمرُ قد يتجاوزُ مجردَ التقبل المتحفظ، إلى البحث عن فرص على أنقاض المشروع الأمريكي في أفغانستان.
فقبل نحو أسبوعين من سيطرة طالبان على السلطة، استضاف وزير الخارجية الصيني وفدا من الحركة في بكين، وبعد يوم واحد فقط من دخول طالبان العاصمة كابول، قالت الصين إنها مستعدة لتعميق العلاقات الودية والتعاونية مع أفغانستان.
كما أن سفارة الصين في كابول ما زالت تعمل، حتى وإن بدأت بكين في إجلاء المواطنين الصينيين من أفغانستان قبل أشهر مع تدهور الوضع الأمني.
ولأن كلمة السر بالنسبة للصين غالبا ما تكون الاقتصاد، فيبدو أن بكين لمستَ وجودَ فرصةٍ للتقدم عبر أفغانستان في مشروع الحزام والطريق الضخم الذي تبنيه، كما سلط الإعلام الحكومي الصيني بدوره الضوء على إمكانات تنفيذ مشاريعَ اقتصادية كبرى في أفغانستان، من مشروع منجم أيناك ثاني أكبر مناجم النحاس في العالم، إلى حقول النفط الشمالية في فارياب وساري بول، وصولا إلى رواسب الليثيوم الوفيرة في أفغانستان.
وسياسيا، تريد الصين ضمان ألا تدعم طالبان الانفصاليين في إقليم شينغ يانغ، موطن مسلمي الإيغور، والمحاذي لأفغانستان، لذا يبدو أن الصين، ومعها روسيا، تستعدان للتوغل في الفجوة الأفغانية، ومحاولة تحقيق الاستفادة القصوى من الانهيار السريع للمشروع الأمريكي في أفغانستان.
بريطانيا وطالبان
وفي السياق ذاته، قال السفير البريطاني الأسبق في كابول وليام باتي، إن سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان بهذه السرعة كان مفاجأة كبرى، لكن كنا نعلم أن هناك اتفاقا وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من أفغانستان بدون أي تسوية سياسية.
وأضاف وليام باتي، خلال مشاركته في برنامج “مدار الغد” أن القوات الأفغانية كان يجب أن تقاوم طالبان لمدة أطول من التي حدثت، موضحا أنهم فقدوا الثقة بعد بدء أمريكا سحب الجنود الأمريكيين.
كما أوضح ويليام باتي أن السفير البريطاني تحدث مع قادة حركة طالبان لسهولة عودة البريطانيين من البلاد، لافتا إلى أن في نهاية المطاف ستتعامل الدول الغربية مع حركة طالبان، ولكن مستوى التعامل سيعتمد على استراتيجية طالبان الجديدة.
الصين وطالبان
ومن بكين يرى الباحث في العلاقات الدولية في جامعة بكين د. وانغ جين، أن الصين تحترم إرادة الشعب الأفغاني وتؤمن بأن طالبان أفغانية، وسيطرتها يعني خيار الشعب.
وأضاف وانغ جين أن الصين ترغب في التعاون مع طالبان، وعلى الجانب الآخر نسعى لتطوير العلاقات الثنائية مع الحكومة الأفغانية ةحكومة طالبان، وسنشارك معهم اهتماماتنا وتخوفاتنا للوصول إلى علاقات متوزانة معهم.
كما أوضح أنه يتوقع اعتراف رسمي صيني بأي حكومة أفغانية جديدة، ولكن إذا كانت مقبلوة من قبل الشعب الأفغاني، موضحا أنه غذا التزمت الحركة بمالصح الصين فسيتم الاعتراف بها.
روسيا وطالبان
ومن موسكو، أكد الدبلوماسي السابق فيتشسلاف ماتوزوف، أن روسيا لا تغازل أي حركات سواء طالبان أو غيرها، موضحا أن روسيا تعمل بشكل واقعي مع القضايا.
وأضاف ماتوزوف أن أفغانستان حدث بها تغيير بغض النظر عن عدم اعتراف الرئيس الأفغاني باستقالته، مشيرا إلى أن التطورات في أفغانستان تهم كل من روسيا والصين وهناك تنسيق فيما بينهما بشأن التعامل مع حركة طالبان.
كما أوضح ماتوزوف، أن حركة طالبان لم تعلن بعد عن حكومة حتى يتم الاعتراف بها، ولكن بعض المسؤوليين الروس بحث مع قيادي بارز في حركة طالبان وبحثا العلاقات المقبلة.
أمريكا وطالبان
وقال مدير التحليلات في معهد نيولاين للدراسات الاستراتيجية، كامران بوخاري، إن الولايات المتحدة الأمريكية لا يوجد لديها أي ضمانات أو أوراق ضغط للتعامل مع حركة طالبان، وذلك بسبب انسحابها.
كما أكد بوخاري، أن حركة طالبان ستعتمد على المساعدات الخارجية، وربما تكون هذه ورقة الضغط الوحيدة التي تملكها أمريكا، موضحا أنه لا أحد يعرف الطريقة التي ستتعامل بها واشنطن مع النظام الجديد في أفغانستان.
وأردف:” لا أتوقع أن تبدي طالبان مرونة، ولكنها مطالبة بذلك إذا أرادات أن تنسى الماضي وتستفيد من التعامل مع المجتمع الدولي، سنرى ماذا ستفعل خلال الأيام القادمة”.
وتابع:” أمريكا في يدها ورقة ضغط إذا حاولت طالبان خلق ملاذا آمنا للإرهابيين في أفغانستان”.
شرعية طالبان
ومن العاصمة الأفغانية كابول، قال أستاذ النظام السياسي والعلوم الإنسانية بجامعة سلام کابول د. بشير موحد، إن الصين تنظر إلى أفغانستان بنظرة اقتصادية وسياسية.
وأكد أستاذ النظام السياسي والعلوم الإنسانية بجامعة سلام کابول، أن حركة طالبان تريد أن تشكل السلطة في أفغانستان، وربما توجه وجهها إلى الأمم المتحدة بشأن شرعيتها.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن هناك نحو 4500 جندي أمريكي في العاصمة الأفغانية كابول حاليا لكن “ليست هناك أي عمليات عدائية مع طالبان وخطوط التواصل مع قادة طالبان ما زالت مفتوحة”.
وقال رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي الأربعاء إن حركة طالبان تسمح لرعايا الولايات المتحدة في أفغانستان بالتوجّه إلى مطار كابول من أجل مغادرة البلاد.
