تركيا.. من سياسة إيديولوجية سيئة إلى استراتيجية انفعالية أسوأ
كتب المعلق السياسي التركي سميح إديز، في صحيفة حريت ديلي نيوز التركية، عن السياسات الخاطئة التي اتبعها رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داود أوغلو، بحق بلاده والمنطقة، مما أدى إلى الثقة بقوة تركيا ومكانتها على الساحة الدولية.
ويشير الكاتب لوجود ميل واضح لدى مسؤولين أتراك، وأعضاء حزب العدالة والتنمية، وأنصاره، بتوجيه اللوم لداود أوغلو، مهندس السياسة الخارجية الفاشلة، بداية كوزير خارجية، ومن ثم كرئيس للوزراء.
وجاءت إشارات نعمان قورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي، الأخيرة حيال ما أصاب تركيا، واضحة في اتهامه لداود أوغلو بارتكاب أخطاء. وقال قورتولموش: “نأسف لما آل إليه الوضع في سوريا، والذي كان نتيجة عجز أنقرة عن وضع وتطبيق سياسة فاعلة هناك”.
كبش فداء
ولكن إديز يلفت إلى أن داود أوغلو لم يكن ليسير تركيا في أي اتجاه دون موافقة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وتوفرت تلك الموافقة إلى وقت قريب، إلى أن وصلت الحقيقة إلى أعلى مستوى في الدولة. واليوم أصبح داود أوغلو كبش فداء، بحيث يتهمه البعض بكونه المسؤول عن جعل تركيا معزولة عالمياً، وفي مواجهة تهديدات خطيرة.
سلاسة
ويشير الكاتب إلى أنه، منذ إطاحة داود أوغلو، تسير الأمور، تحت قيادة رئيس الوزراء بن علي يلدريم، بسلاسة، وهو الذي أطلق مبادرة” رفع عدد أصدقاء تركيا، وتقليص عدد خصومها”. ولكن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تمت في 15 يوليو( تموز) الأخير، قد تفشل خطته.
قوة دافعة
فبعد التخلي عن أيديولوجيتها السابقة في توجيه السياسة الخارجية، تواجه اليوم أنقرة خطر السماح للانفعال ليشكل قوة دافعة في هذا المجال. وتبدو الحقيقة واضحة من خلال التوتر الشديد الذي تشهده تركيا في علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وبحسب إديز، أدت مواجهة تلك المخاطر لاندفاع أنقرة نحو تحسين علاقتها بروسيا، والتصالح معها. ولكن يبدو أن أنقرة تخاطر الآن بالوصول إلى وضع سيئ، إن هي سمحت لعلاقاتها مع الغرب بأن تسوء أكثر فأكثر.
منطقة مشتعلة
ويقول الكاتب إن كل ذلك يتم في وقت يجب أن تتخذ فيه تركيا مواقف واضحة وجريئة تخدم مصالحها على المدى البعيد، وخاصة بالنظر لموقعها الشديد الأهمية في منطقة مشتعلة.
والتقى أردوغان الرئيسين الأمريكي أوباما والروسي فلاديمير بوتين، وبعدد من زعماء العالم، خلال قمة- العشرين في هانغ زهو. ومنحته تلك اللقاءات فرصة للتعبير عن هواجسه الحالية دون استخدام أي من “اتهاماته الغاضبة المعتادة”.
فرصة ثانية
ويشير إديز إلى فرصة ثانية لأردوغان للظهور على المسرح العالمي، أثناء انعقاد الجمعية العامة في الأمم المتحدة، وحيث سيتابع محادثاته التي بدأها في هانغ زهو.
واليوم وبعد أن عادت تركيا إلى اللعبة، يرى الكاتب أنها مطالبة بالنظر جيداً إلى الصورة الكبرى من عدة زوايا، وأن ترسم سياساتها تبعاً لذلك، عوضاً عن أن تبقى محصورة في “مسار واحد”.
مبررات
ويقول إديز إن هناك ما يبرر انتقادات تركيا للغرب، وخاصة بالنظر إلى موقفه الفاتر الأولي بعد الانقلاب الفاشل. ولكن، اتضح لاحقاً، ومن خلال زيارات لشخصيات غربية رفيعة إلى تركيا، أن الغرب أدرك حجم الخطر الذي تعرضت له البلاد ليلة 15 يوليو( تموز)، وأخذ في تجاوز عدم تعاطفه مع أردوغان، لخدمة مصالحه على المدى البعيد.
مخاوف
وفي نفس الوقت، للهواجس الغربية بشأن مسار الديموقراطية في تركيا ما يبررها أيضاً، وذلك في ضوء ما يجري حالياً هناك. فالعالم يراقب إلى أين تسير تركيا، أو على الأحرى، إلى أين يتجه أردوغان.
نهج متزن
ويرى إديز أن تركيا مطالبة بتطبيق نهج متزن يحفظ لها مصالحها الطويلة الأمد، ويبقيها ضمن اللعبة كلاعب هام. وأما الخيار الآخر لتركيا، فيقوم على جعلها بلداً متقلباً، يتأرجح من مجموعة علاقات إلى أخرى، وفقاً لما تشعر به في وقت ما، وهو ما قد يخدم مصالح آخرين.
نهج عاطفي
ويخلص إلى أن استبدال إيديولوجية دينية بأخرى عاطفية تقوم على مشاعر غضب محقة، لن تحقق لتركيا الشيء الكثير في نهاية المطاف على أنقرة تجنب أخطاء جديدة، وخاصة بعدما أنهت مرحلة من الأخطاء المتسلسلة، لم تجلب لها شيئاً، سوى متاعب تحاول اليوم التغلب بصعوبة كبيرة.