رغم أن الموت غيب المناضلة «تريز هلسة» الفدائية الفلسطينية من أصول أردنية يوم السبت الماضي، إلا أن تراب الوطن المحتل (فلسطين) سيظل محتفظا بشهادته في توثيق مسيرة المُناضِلة الراحلة «تريز إسحاق هلسا»، التي أصابت برصاصة «قناصة»، وهي ابنة الـ 17، بنيامين نتنياهو، في مطار اللد، عندما كان عسكريا أثناء عملية خطف الطائرة .. وقضت عشر سنوات في الأسر ..لتصبح أسطورة من أساطير النضال الفلسطيني.
- تريز هلسة..فدائية فلسطينية، ولدت عام 1954 في البلدة القديمة في مدينة عكا شمال فلسطين، لعائلة أردنية مسيحية متوسطة الحال، قدمت من مدينة الكرك إلى فلسطين عام 1946م ، وأمّها من قرية الرامة (عكا) في الجليل الأعلى ، أنهت دراستها الثانوية في مدرسة تيراسنتا الاهلية في عكّا، ثم أكملت دراستها في تخصص التمريض في المستشفى الانجليزي في مدينة الناصرة.
قررت هلسة الانضمام إلى الكفاح المسلح في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن شهدت في عكا عام 1970، واقعة القبض في عرض البحر على ما عُرف لاحقاً بـ «مجموعة عكا»، حيث استشهد أحد أعضائها من أبناء عكا وعند تشييعه، منعت القوات الإسرائيلية عائلته من رؤية جثته قبل الدفن لمنع كشف التعذيب الذي تعرض له.. وروت «هلسة» لاحقا ان هذه الحادثة مثلت نقطة مفصلية في قرارها النضالي ، إضافة إلى تأثرها بالعمليات الفدائية الفلسطينية ضد إسرائيل التي ازدادت في مطلع السبعينيات .
وفي 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1971، غادرت «تريز هلسة» أراضي فلسطين المحتلة 48 دون علم عائلتها وهربت إلى الضفة الغربية ثم إلى لبنان، برفقة شابة زميلة لها في الدراسة.وانضمت لحركة فتح وانخرطت في مجموعة فدائية ، وعرف عنها موقفها بأن «للنساء حق في المقاومة في الصفوف الأمامية كالرجال».
وفي 8 مايو/ أيار 1972، كانت واحدة من بين أربع فدائيين شاركوا في اختطاف طائرة سابينا البلجيكية إلى مطار اللد في إسرائيل عام 1972، وكان الهدف من وراء هذه العملية هو مبادلة الرهائن بأسرى أردنيين وفلسطينيين..وانتهت العملية الفدائية باعتقالها، وحكم عليها بالسجن المؤبد مرتين وأربعين عاما، قضت منها 10 سنوات في السجن إلى أن انتهت بالنفي بعد الإفراج عنها بصفقة التبادل عام 1983.
تريز هلسا، مثال المرأة العربية ـ الفلسطينية المُناضِلة، التي كانت ترفض دائماً الصفوف الخلفية، وتحرص على أنْ تكون في الصفوف النضالية الأمامية..وأعطت مِثالاً للمرأة العربية، كشريكٍ دائمٍ في مسيرة العمل النضالي لدحر الاحتلال.. وإذا كانت المحطّات النضالية في سجلّها الحافل مُتنوّعة، لكن في طليعة بطولاتها، الرصاصة التي أطلقتها، وهي القناصة، أصابت كتف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي «نتنياهو»، وكان ضابطاً في فرقة الكومندوس الإسرائيلية، التي اقتحمت طائرة اختطفتها «مجموعة وليم نجيب نصار»، التابعة لـ «مُنظّمة أيلول الأسود» بتاريخ 8 مايو/ أيار 1972، وكانت تابعة لخطوط «الشركة الوطنية البلجيكية» – «سابينا»، في رحلتها رقم 571، المُتّجهة من «مطار بروكسل» إلى «مطار تل أبيب»، وجرى تحويل وجهة سيرها، فحطّت في «مطار اللد» في الأراضي الفلسطينية المُحتلّة.. ورفضت «هلسة» الإستسلام خلال خطفت الطائرة، وأصابت بنيامين نتنياهو برصاصها خلال عملية تبادل إطلاق النار.
- كان العمل البطولي يلفت انتباهها، لكن الدوافع لنقطة التحوّل الأولى في حياتها، عندما سمعت الشاعر توفيق أمين زيّاد يُلقي بنفسه قصيدة «أناديكم»، وتأثّرت كثيراً بالبيت الذي يقول: «أنا ما هُنتُ في وطني»..وكانت محطة التحوّل الثانية في حياتها، حين سمعتْ عن آثار التعذيب الذي تعرّض له الأسير قاسم أبو خضره، على أيدي قوّات الاحتلال خلال سجنه، ومنع ذويه من فتح التابوت للحؤول دون مُشاهدة جثمان الشهيد وآثار التعذيب.
عاشت تريز هلسة، في العاصمة الأردنية «عمان» مع أولادها الثلاثة، وبقيت محرومة من دخول الاراضي الفلسطينية المحتلة، ورؤية عائلتها في عكا وحيفا.. كانت «أم اسماعيل» تحلم دائماً بزيارة عكا، بعدما منعها الاحتلال من ذلك، فأغمضت عينيها وأسلمت الروح افي الأردن، بعد مُعاناة مع مرض عضال.
