تساؤلات حائرة وقلقة داخل الدوائر السياسية الفرنسية، حول انهيار مبادىء العدالة الاجتماعية والديمقراطية في واحدة من أعرق الدول الأوروبية التي «خلقت» مفاهيم العدالة الاجتماعية والديمقراطية، وترسخت بفعل الثورة الفرنسية 1789 / 1799 وكان لها تأثيرات عميقة على أوروبا والعالم الغربي ؟!
- التساؤلات التي تخيم على الأوساط السياسية والشعبية، يراها محللون سياسيون فرنسيون، «مفاجأة من العيار الثقيل»، رفعت الغطاء عن المسكوت عنه من تضارب المصالح والفساد الإدارى والسياسى فى أروقة السلطة الفرنسية، بعد أن كشف عنها بالوثائق المحلل السياسي الفرنسي، فانسان جوڤير، فى كتاب جديد صدر مؤخرا بفرنسا تحت عنوان «المحميون فى الدولة..أهلًا بالماكرونيين».. وألقت الوثائق «السرية» الضوء على كواليس تداول السلطة والمزايا التى ينعم بها المقربون منها على مدى الحيا ة.
ويقول «جوفير»، الذى عكف على دراسة هذا الموضوع لمدة عامين، إن المعلومات التى حصل عليها تعد بمثابة أسرار عُليا تعتمدها الدولة كما لو كانت الشفرة النووية التى لا يعلم أرقامها سوى رئيس الجمهورية، وتكشف زيف أسطورة العدالة والديمقراطية والمساواة الاجتماعية فى دولة تتظاهر أمام مواطنيها والعالم بأنها قطعت شوطا طويلا فى طريق العدالة والشفافية! وأنه من المؤسف أن يكون لفرنسا وجه ظاهره الديمقراطية والشفافية، وباطن يخالف تماما ذلك.. ويتهم المحلل السياسي يـ «الوثائق» المسئولين فى فرنسا، بأنهم مجموعة ،من المنتفعين، وغالبا يكونون من الـ 15 شخصا الأوائل من خريجى «الإينا» (المدرسة العُليا المتخصصة فى العلوم السياسية والمعروف عنها تخريج رجال الدولة والرؤساء، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الرئيس جاك شيراك وفرانسوا اولاند وغيرهما).. وحاول الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزى، التصدى لفكرة ضرورة أن يكون رجال الدولة والمسئولين من خريجى «الإينا» ولكن دون جدوي.
وتناولت تقارير مراكز الدراسات والأبحاث «المجتمعية ـ الإنسانية»ن في فرنسا، القضية التي فجرها «فانسان جوڤير» في كتاب أصبح الأكثر مبيعا في الوقت الراهن، حول تداول السلطة فى الأروقة الفرنسية، وكشف النقاب عن بعض الوثائق المصنفة بالسرية فى أروقة الدولة، والتى تشير إلى أن 150 شخصا من هؤلاء الذين أطلق عليهم «المحميين» يتبوأون مناصب فى وزارة المالية الفرنسية ويتقاضون رواتب أعلى من رئيس الجمهورية، حيث يشير إلى أنهم يحصلون على رواتب مدى الحياة تبلغ قيمتها 300,000 يورو سنويا، وهى خالصة من الضرائب، وذلك حتى سن المعاش!!
- «الكتاب .. القنبلة» ـ بحسب وصف عدد من السياسيين والإعلاميين في باريس ـ يوجه اتهاما صريحا للحكومات التى توالت على فرنسا منذ حقب طويلة وحتى الآن، بحصر السلطة فى محيط مجموعة بعينها تتداولها أيا كانت من اليسار أو اليمين والآن مع الحزب الحاكم المعروف بأنه يميل للوسط تقريبا، وأن هذه الطبقة من صفوة المنتفعين بالسلطة تنعم بخيرات البلاد على حساب الشعب، وأن المزايا والمنح التى تحصل عليها هذه الطبقة وبطريقة ملتوية تتعارض تماما مع ما تتظاهر به الدولة من قيم وعدالة وشفافية وديمقراطية، وأن 600 موظف فى الحكومة وعلى وجه الخصوص بوزارة المالية يتقاضون حتى الآن رواتب خيالية على حساب دافعى الضرائب!!
الكتاب الذي فجر جدلا واسعا داخل فرنسا، يضم 264 صفحة حافلة بالمفاجآت، ويذكر أن قانون العمل، الذى أثار احتجاجا شعبيا ساخنا، فى حقبة الرئيس السابق فرانسوا أولاند، والرئيس الحالى إيمانويل ماكرون، وهو القانون الذى خرج الآلاف إلى الشارع ونظموا إضرابا، لم تلتفت الحكومة لامتعاضهم، لأنه يَصب فى مصلحة رجال الأعمال والمقربين من السلطة..وهناك بعض القوانين التى تطرح على النواب تحت قبة البرلمان وتوافق عليها الجمعية الوطنية ويصبح الأمر شبه محسوم فى انتظار اعتماده من مجلس الشيوخ، إلا أن قصر الرئاسة «الاليزيه» يتدخل ويحول دون ذلك، مما يعد تجاوزا خطيرا لقوانين الدول.
- الفرنسيون يتداولون ما تم الكشف عنه، من الأمثلة، للتجاوزات المسكوت عنها فى كواليس السياسية الفرنسية، والتى أطلق عليها الكاتب «تجارة المصالح» في بلاط السلطة، سواء من الذين كان لهم صديقات فى هذه المدرسة العليا «الإينا»، وأصبحوا فيما بعد رفقاء درب، آو أزواج مثل الرئيس السابق فرانسوا اولاند وزوجته المرشحة الرئاسية والوزيرة السابقة سيجولن روايال، وكيف انهما تقاسما المصالح حين وصلا لكراسى السلطة، وكذلك وزيرة الدفاع الحالية، فلورانس بارلى، وزوجها مارتانڤيل، اللذين عملا فى نفس الوزارة وكيف استفادا من الوضع لصالحهما.. واستعرض مثالا آخر، لسيدة كانت تشغل منصبا مهما بمستشفيات باريس والتى وصل راتبها إلى 350٫000 يورو سنويا، رغم أنها كانت تتقاضى مبلغ 65٫000 يورو شهريا قبل ذلك فى منصب مديرة للسكك الحديدية (اسانسياف)، ثم خرجت هذه السيدة من هذين المنصبين لتعمل مدى الحياة حاليا فى إحدى الجهات الرقابية.. وأن هناك بعض المؤسسات الكبرى فى الدولة تستغل هؤلاء المنعمين أو المحميين فى أروقة السلطة وتستخدمهم كمستشارين لشركاتهم وأعمالهم، وبرواتب خيالية بغية استغلالهم فى عقد صفقات مع الدولة، ليتفاقم تضارب المصالح والفساد الإدراي ـ بحسب وصف المحلل السياسي الفرنسي، فانسان جوڤير ـ