طلب سليم شيبوب، صهر الرئيس التونسي الأسبقزين العابدين بن علي، المتورط في قضايا فساد مالي واستغلال نفوذ خلال فترة حكم بن علي «1987-2011»، رسمياً أمس السبت، المصالحة مع الدولة التونسية، حسبما أعلنت هيئة الحقيقة والكرامة المكلّفة بتفعيل قانون العدالة الانتقالية.
ويجيز قانون العدالة الانتقالية الذي صادق عليه البرلمان التونسي في ديسمبر/كانون الأول 2013 وأحدثت بموجبه هيئة الحقيقة والكرامة، وقف التتبعات القضائية ضد المتورطين في الاعتداء على المال العام في عهد بن علي شرط اعتراف مكتوب واعتذار صريح وإرجاع الأموال المنهوبة إلى الدولة.
وكان سليم شيبوب غادر تونس إبّان الثورة التي أطاحت بنظام بن علي يوم 14 يناير/ كانون الثاني2011، وأقام نحو 4 سنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد صدرت ضده مذكرة توقيف فور عودته إلى البلاد يوم 18 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 من أجل قضايا فساد، وفي 12 يناير / كانون الثاني 2016، أفرج القضاء مؤقتاً عن شيبوب بسبب انتهاء المدة القانونية القصوى للتوقيف والمحددة بـ14 شهراً.
المصالحة مع شيبوب تزامنت مع توجه الشيخين في الائتلاف الحاكم، راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، والرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، للمصالحة مع رموز عهد الرئيس الأسبق، ما أثار جدلا واسعا داخل الشارع السياسي التونسي، منذ لقاء الغنوشي مع الأمين العام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل محمد الغرياني، وكمال مرجان رئيس حزب المبادرة ووزير الدفاع الأسبق وآخر وزير خارجية في حكومة بن علي.
وترى الدوائر السياسية في تونس، أن الزيارتين، تحملان رسائل واضحة وسياسية بامتياز في ظل ما تبديه النهضة من انفتاح براجماتي على بقية مكونات المشهد السياسي بما فيه رموز النظام السابق الذين كانت تمقتهم الحركة الإسلامية والتي يقود زعيمها في الفترة الأخيرة بادرة لطي صفحة الماضي ضمن عفو عام يشمل رجال بن علي ورجال الاعمال المجمدة أرصدتهم ومنهم من تتعلق به تهم بالفساد سليم شيبوب.
ويأتي استقبال الغنوشي لاثنين من رموز النظام السابق، بحسب رؤية المحلل السياسي التونسي، سالم بو عبد الله، ضمن مبادرة رئيس النهضة للمصالحة والعفو العام على أرجح التقديرات،موضحا لوكالة الأنباء الفرنسية، أن اقتراح الغنوشي الذي عرضه على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بشأن المصالحة مع رموز بن علي، قد أثار جدلا واسعا حول توقيتاته والأهداف منه،وفيما رأى فيه بعض السياسيين والمحللين، أنه يتواءم منطقيا ضمن التغيرات الجديدة التي تخطط حركة النهضة مناقشتها في مؤتمرها العاشر وضمن سياقات الانفتاح التي يروج له الاسلاميون خشية الفشل مجددا على غرار فشل تجربة حكم الاخوان المسلمين في مصر، رأى آخرون أن الاقتراح المشفوع بلقاءين مع مرجان والغرياني براغماتي تؤمن من خلاله النهضة موقعا أوسع في الخارطة السياسية وتحضيرا على الأرجح لتحالفات مستقبلية تثبت اقدام الحركة الاسلامية في السلطة.
ومن جانب آخر، دافع رئيس الهيئة السياسية لنداء تونس، رضا بالحاج، عن خيار المصالحة الهادفة إلى الاستفادة من كفاءات الذين عملوا مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وخاصة من رجال الأعمال الذين فضل الكثير منهم استثمار أموالهم في الخارج، وقال إن المصالحة خيار استراتيجي لتعزيز وتمتين الوحدة الوطنية، وبالتالي فإن تحقيق هذه المصالحة أصبح اليوم وأكثر من أي وقت مضى ضرورة، في خضم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغير مستقرة في تونس بعد.
وكان مشروع «المصالحة الاقتصادية» الذي اقترحه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ووافقت عليه الحكومة والقاضي بالمصالحة مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد في فترة حكم بن علي، قد أثار انتقادات واسعة، وتم وصفه بأنه قانون غير دستوري ويمهد لإنهاء مسار العدالة الانتقالية الذي انطلق في تونس منذ فترة، وقد شهدت الساحة السياسية والحقوقية التونسية إبان اقتراح المصالحة، تحركا نشطا من أجل الضغط على مجلس نواب الشعب بعدم قبوله.
ومن المتوقع أن يثير إعادة طرح الملف من جديد ، بحسب تأكيد أستاذ العلوم السياسية عبد الحميد الغرابلي، مشاكل سياسية كبيرة في ظل المعارضة الكبيرة التي يواجهها هذا المشروع حتى على المستوى الشعبي لا سيما في ظل تفاقم تقارير الفساد في تونس، خاصة وأن البعض يرى أن تمرير مشروع المصالحة وتطبيقه سيحفز الفاسدين على مزيد المضي في طريقهم وسيعزز مسألة التهرب من العقاب.