في تصعيد غير مسبوق في تاريخ الصحافة المصرية، تم احتجاز نقيب الصحفيين يحيى قلاش، وسكرتير عام النقابة جمال عبد الرحيم، وخالد البلشي عضو مجلس النقابة، في نيابة وسط القاهرة، والتي تسلمت، اليوم الإثنين، أوراق قضية اتهام النقيب وعضوي المجلس، بالتستر على مطلوبين أمنيا داخل مقر النقابة.
وجاء في أوراق القضية، أن المخلي سبيلهم عاجزون ماديا عن دفع الكفالة وليسوا ممتنعين عن الدفع، ومن المقرر أن تستكمل النيابة التحقيقات معهم مساء اليوم، الإثنين.
وأكد مصدر قضائي بالنيابة، أن النقيب وأعضاء مجلسه مصيرهم الحبس 4 أيام على ذمة التحقيقات، طالما امتنعوا عن سداد الكفالة.
كانت الأجهزة الأمنية بمحكمة جنوب القاهرة، رحلت نقيب الصحفيين وأعضاء المجلس إلى قسم قصر النيل، حتى تسديد الكفالة، وقدرها 10 آلاف جنيه لكل منهم، في خزينة المحكمة.
وجاءت التطورات صادمة للوسط الصحفي والنقابات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، والتي ترى في تصعيد السلطة لأزمة نقابة الصحفيين مع الداخلية، «سلوكا» غير مبرر، ويفتقد للحكمة والتعامل بموضوعية وحيادية مع الأزمة، التي ستزداد اشتعالا وتعقيدا.
وأوضح نقيب الصحفيين، يخي قلاش، أن موقفهم من عدم دفع الكفالة يأتي استنادا إلى طلبهم في بداية التحقيقات بمعرفة النيابة، انتداب قاضي تحقيق لمباشرة التحقيقات في كل الوقائع المتعلقة بأزمة اقتحام الشرطة لمبنى النقابة، في الأول من مايو/ آيار الجاري، وكذلك التحقيق في البلاغات المقدمة من النقابة قبل واقعة الاقتحام وبعدها، على خلفية البيان الذي أصدره المستشار النائب العام، يوم 3 مايو الجاري، الذي استبق فيه نتائج التحقيقات في واقعة الاقتحام، خاصة فيما يتعلق بنص المادة «70» من قانون نقابة الصحفيين، التي لا تجيز تفتيش مبنى النقابة إلا في حضور ممثل النيابة العامة ونقيب الصحفيين أو من يمثله.
وأضاف نقيب الصحفيين، أنه وهيئة الدفاع تقدموا بعدة دفوع أخرى، استنادًا إلى قانون الإجراءات الجنائية، فيما يتعلق بطلب انتداب قاضي تحقيق، مؤكدا أن هذا الطلب يأتي متوافقا مع الضمانات التي يكفلها القانون.
وتؤكد المستشارة تهانى الجبال، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقا، أنَ القانون يجيز للنيابة العامة أن تستجيب لطلب الماثل أمامها بانتداب قاضٍ للتحقيق من عدمه، مؤكِّدة أنَّ للماثل للتحقيقات أمام النيابة الحق في طلب انتداب قاضٍ، وفي المقابل فإنَّ للنيابة العامة أن تقرر ما تراه وفقا لمصلحة سير التحقيقات.
وأضافت الجبالي، أن الطبيعي والمتبع عبر السنوات الماضية أنَّه عندما تجد النيابة العامة الشخص الماثل أمامها في أثناء سير التحقيقات شخصية اعتبارية ومعلوما ويشغل منصب بالمجتمع، أي يتيقين لدى النيابة صعوبة الهرب، أن تقضي في هذه الحالة بإخلاء سبيل بضمان محل الإقامة، وهو أسلوب متبع منذ سنوات وقانوني، أما مساءلة أن تقضي النيابة العامة بإخلاء السبيل بكفالة في واقعة نقابة الصحفيين أمر غير طبيعي، وعلى المعنيين بشكل عام ضرورة أن يعوا خطورة الظرف الراهن، الذى تمر به البلاد، ويتعين علينا جميعا أن نسعى إلى توفيق الأوضاع بين المؤسسات في إطار البعد القانوني والاجتماعي.
ومن جانبه، أكد الكاتب الصحفي جمال فهمي، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن رئيس المجلس محمد فايق، يجري اتصالات بالجهات المعنية بشأن احتجاز نقيب الصحفيين يحيى قلاش وعضوي المجلس جمال عبدالرحيم وخالد البلشي، فضلا عن طرح القضية في اجتماع المجلس الشهري، الأربعاء المقبل، مستنكرا توجيه النيابة لهم تهم إيواء خارجين على القانون ونشر أخبار كاذبة.
وقال فهمي، المشهد يزداد قتامة يوما بعد يوم، ولدي شعور أن أحدا دفعنا في مسرح عبثي تجاوز كل الحدود المنطقية، ليصل الأمر لاتهام النقيب و2 من أعضاء المجلس، بإخفاء مطلوبين، رغم أن النقابة مكان عام، كما أن اتهامات النيابة تعد صورة لـ«التطبيق التعسفي والتلاغب بنصوص القانون»، متسائلا: «إلى أين نحن ذاهبون في ظل من يريد خلق مشاكل وكوارث يومية لا داعي لها ولا تفيد أحدا، وتلحق الضرر بالبلد؟».
وأعرب الكاتب الصحفي جمال فهمي، عن دهشته من موقف الدولة، ففي الوقت الذي رحبت فيه نقابة الصحفيين بالحلول السياسية من أجل مصلحة الوطن، واحترام كرامة الصحفيين، رغم أنها المُعتَدَّى عليها، هناك من يريد أن يزيد الأزمات اشتعالا، ولا يهمه الأضرار الفادحة التي ستلحق بالجميع.
فيما أوضح الدكتور محمود كبيش، أستاذ القانون الجنائي، عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة سابقا، أن القانون الجنائي شمل الكثير من المواد والنصوص القانونية التي تبيح للماثل أمام النيابة العامة أن يطلب انتداب قاضٍ للتحقيق دون أي قيود على ذلك، وفقا لمعايير القانون.
وقال كبيش، إن رفض الصحفيين الثلاثة دفع الكفالة أمر قانوني ودستوري، لافتا إلى أنَّ انتداب قاضٍ للتحقيق ليس مرهونا لكون الماثل أمام النيابة شخصية سياسة أو نقيبا أو غيرهما، بل يحق لأي مواطن المطالبة بانتداب قاضٍ للتحقيق إذا ما رأى عدم حيادية في سير التحقيقات.
