حذرت الدوائر السياسية في بيروت، من مؤشرات إنهيار لبنان المحاصر حاليا بين «وباء كورونا» و«لعبة السياسيين».
وبينما يتفاقم الوضع الصحيّ في لبنان يوماً تلو الآخر، منذراً بكارثة وبائية قد يعجز القطاع الطبي ومعه الجهات الرسمية على مواجهته، بدأ اليوم الأحد، تطبيق منع التجوّل الكامل على الأراضي اللبنانية.
وفي المقابل لا تزال الحكومة اللبنانية الجديدة «معلقة في الفضاء» ترقبا للتوافق داخل «لعبة السياسيين» !
وفي حين قالت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية، إنه لا شيء جديداً على خط الحكومة بانتظار ما سيقوم به الرئيس المكلف سعد الحريري بعد عودته من السفر.
وبات واضحا أن مؤشرات السنة الجديدة لا توحي بالاطمئنان للبنانيين، لا أمنياً ولا اقتصادياً ولا حتى معيشياً، فهل تستطيع المنظومة الحاكمة التخلي عن أنانياتها ومصالحها الفئوية، وتضع قطار الإنقاذ والإصلاح على السكة الصحيحة؟
الانحدار المتسارع في مقومات الدولة
ويرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة اللواء اللبنانية، صلاح سلام، أن معاناة اللبنانيين تتصاعد بين فترة وأخرى مع الإهمال المتمادي من قبل أهل الحكم في تأمين أبسط متطلبات الصمود لذوي الدخل المحدود والطبقات المعوزة، وفي اتخاذ الإجراءات الضرورية لوقف الانحدار المتسارع في مقومات الدولة، وفي البنية الاقتصادية والمعيشية، وأطلقت العنان لتفلت أسعار الدولار، وفقدان الليرة ٨٠ بالمئة من قيمتها النقدية، وأكثر من ذلك من قوتها الشرائية.
ولم يعد يكفي القول إن المسؤولين يعيشون في كوكب آخر، لأنهم لا يشعرون بما يُعاني المواطنين بسبب الأوضاع المتدهورة في البلد، والتي وصلت إلى حد غير مسبوق.
لعبة الأمم وصراع المحاور
ومع تعقيدات «لعبة السياسيين» وتعثر الإفراج عن الحكومة، أعلن البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي أنه عندما زار رئيس الجمهورية الخميس الماضي اكّدا معًا وجوب الاسراع في تشكيل حكومة انقاذية غير سياسية تباشر مهمّاتها الاصلاحية، وتكون المدخل لحلّ الازمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية..وسأل: الا تتلاشى العقبات الداخلية والخارجية أمام إنقاذ مصير لبنان وإحياء دولة المؤسسات؟ ولماذا الاصرار على ربط هذا الانقاذ بلعبة الأمم وصراع المحاور؟ ما قيمة حكومةِ اختصاصيّين إذا تمّ القضاءُ على استقلاليّتها وقدراتِها باختيار وزراء حزبيّن وليسوا على مستوى المسؤولية؟ ما قيمةُ الحيادِ والتجرّدِ والشفافية والنزاهة إذا تسلّمَ الحقائب المعنيّة بمكافحة الفساد ومقاضاة الفاسدين وزراءُ يُمثلون قوى سياسيةً؟.
دعوة للمصالحة الشخصية!
وتابع: هذة الاسئلة الخطيرة تحملنا على تجديد الدعوة إلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة، سعد الحريري، لعقد اجتماع مصالحة شخصية، يجددان فيه الثقة التي تقتضيها مسؤوليتهما العليا، ولا ينهيانه من دون إعلان حكومة، وفقًا لنص الدستور وروحه.
فمن المعيب حقًا، لكي لا أقول جريمة أن يبقى الاختلافُ على اسمٍ من هنا وآخرَ من هناك، وعلى حقيبةٍ من هنا وأُخرى من هناك، وعلى نسبةِ الحصصِ ولعبةِ الأثلاث وإضافة الأعداد، فيما تكاد الدولة تسقط نهائيًا، ولسنا ندري لصالح من هذا الانتحار
ويؤكد المراقبون للشان اللبناني «الحرج»، أنه في زمن عجز وفشل كل الأحزاب السياسية، ورغم هذا الانقطاع والتباعد الحواري بين أهل السلطة، تبقى مبادرة البطريرك الراعي الشمعة الوحيدة في هذا الظلام الدامس! فهل مَن يستدرك ويتجاوب قبل فوات الأوان؟
إحياء دور الصرح البطريركي
وهكذا .. بعد أن هيمن الجمود على الوضع السياسي، واستفحلت سلسلة الانهيارات في البلد، بادر البطريرك إلى مطالبة الرئيسين بالتخلي عن حساباتهما الفئوية، وتجاوز مصالحهما الشخصية، والعمل معاً على إنجاز الحكومة الجديدة، واضعاً الصرح البطريركي بتصرف لقاء الطرفين، إذا تعذر اللقاء في في قصر الرئاسة «بعبدا»!
دعوة لعقد حوار وطني ينتج عنه نظام سياسي جديد
ومن جهة أخرى، وفيما اعتبره البعض سيناريو جديد داخل «لعبة السياسيين» طرح جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، ووزير الخارجية السابق، وصهر الرئيس اللبناني ميشال عون، عقد حوار وطني ينتج عنه تصوّر لبناني مشترك لنظام سياسي جديد يضمن الإستقرار في البلد والقفز فوق المشاكل البنيوية في النظام.
وأنهى دعوته بالهجوم على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري .. قائلا: نحن لا نأتمن سعد الحريري لوحده على الإصلاح بل نحمّل نهجه السياسي مسؤولية السياسة الإقتصادية والمالية، فكيف نأتمن للشخص ذاته مع نفس الأشخاص الذين لا يقبل ان يغيّر احدا منهم وبنفس سياسة التسعينات انّه وحده يصلّح البلد؟
آمال بقرب الإفراج عن الحكومة
ويشير مراقبون في بيروت، إلى أنه في ظل الجمود الذي يسيطر على مشاورات تأليف الحكومة في لبنان، أتت تصريحات أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، لتفتح احتمال تحرك المياه الراكدة على خط الحراك السياسي، وقد أبدى استعداده للمساعدة في تسهيل عملية تشكيل الحكومة، داعياً إلى عدم انتظار تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مهامه، إضافة إلى عودة الحريري إلى لبنان بعد زيارة قام بها إلى تركيا، والتقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، وبعد اتصال رئيس البرلمان نبيه بري أول من أمس بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، للبحث في عملية تشكيل الحكومة، وتأكيد أنه إذا «كانت هناك رغبة لدى الأطراف بالإفراج عن الحكومة، هناك استعداد من الجميع للتعاون»، بحسب ما قالته مصادر مواكبة للاتصالات المتعلقة بالحكومة.
أزمة سلطة محليّة منتهية الصلاحية
وفي خضم الأزمة الحكومية المستعصية، وفي ذروة الصراع الدائر على المحاصصة بين الأطراف السياسية، يرى الخبير الإستراتيجي اللبناني، مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات، العميد الركن خالد حمادة، أنّ المؤسسات الدستورية والرسمية ودوائر اتّخاذ القرارفي لبنان لم تعد أكثر من أروقة ترتادها أو تقطنها سلطة محليّة (دون مستوى الدولة)، منتهية الصلاحية، بالرغم من كلّ المساحيق والجراحات التجميلية، سلطة تخلّت عن كلّ أوراقها وانطوت على نفسها بين ملفات الفساد والفشل!.
