تغييرات «للأسوأ»..مخاوف على حالة الديمقراطية الأمريكية
شهادة «جون كيري» وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، حول السياسة الأمريكية في عهد الرئيس الحالي «دونالد ترامب»، تكشف عن المخاوف على حالة الديمقراطية الأمريكية، كاشفا في كتابه الجديد «كل يوم إضافة»، أن الحياة السياسية الأمريكية كانت أفضل كثيراً مما هي عليه اليوم..ويتحدث عن تغييرات جوهرية «للأسوأ» في المشهد السياسي الأمريكي من حيث الشخصيات والسياسات، التي تجعل الماضي «يبدو أجمل»، عندما كان نواب الحزبين الكبيرين (الجمهوري والديمقراطي) في الكونجرس ينحون الخلافات الحزبية جانباً من أجل مصالح وطنية أكبر من مصالح الحزبين.
«ترامب» حوّل الأصدقاء إلى خصوم
ويشير «كيري»، بالكثير من الحزن والقلق، إلى أن هذا لم يعد متاحاً لليوم، حيث الاستقطاب الحزبي والسياسي والشخصي يغلب على كل شيء..ويصف الرئيس ترامب بأنه «يحول خصومنا إلى أصدقاءنا ، ويحول أصدقائنا إلى خصوم»..كما يحكم «كيري» على «ترامب» من خلال الدائرة الضيقة التي تحيط به، من الفاسدين، ففي أثناء التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الرئيس الفلبيني الأسبق «فيرديناند ماركوس» في الفلبين، في الثمانينيات من القرن الماضي، يتذكر كيري، وكان عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي آنذاك، التصادم مع بول مانافورت (أحد أعضاء حملة ترامب البارزين والذى يحاكم حالياً بتهم فساد)، لأنه كان من أعضاء جماعات الضغط التي كانت تدافع عن نظام ماركوس «بينما يأخذون رواتبهم الممتازة من الأموال المسروقة» من الشعب الفلبيني!
ويتناول الكتاب،التناقضات الصارخة في الشخصيات والسياسات الأمريكية، وبالنظر إلى مقدار الإصرار الذى أظهره «ترامب» لتفكيك كل شيء عمل «كيري وأوباما» من أجله، للتوصل إلى الاتفاق النووىي مع إيران، واتفاقية باريس للمناخ، بعد محادثات ماراثونية طويلة وصعبة، ليأتي «ترامب» ويمزق كليهما في الأيام الأولى لإدارته.. ويتحدث كيري عن المسئولية الأخلاقية في السياسة.
الأمور ليست كما ينبغى أن تكون عليه
وفى كتابه «كل يوم إضافة»، الذى صدر قبل أيام عن دار نشر «سايمون آند شوستر»، يعود «كيري» إلى الحاضر، وعينه على مستقبل أمريكا في عهد دونالد ترامب، قائلاً «إن أمتنا أقوى عندما يقف المواطنون ويقررون أن الأمور ليست كما ينبغى أن تكون عليه»..ويوضح كيرى «لقد أعلن الرئيس المنتخب ترامب أنه سيعين سفيرا في إسرائيل من المؤيدين الأساسيين للمستوطنات ومن المعارضين لحل الدولتين، وفى الوقت نفسه، أظهر الإسرائيليون أنفسهم امتعاضا تاما حيال سياستنا من خلال الشروع في عملية تشريع رسمي للبؤر الاستيطانية.. و«لم يكن بمقدورنا الدفاع عن تصرفات إسرائيل في الأمم المتحدة، كان هناك تسارع كبير وغير مسبوق في مشروع الاستيطان»، وأنه كان يعرف أنه سيفقد أصدقاء يهودا بسبب القرار، لكنه يعتقد أن القرار «كان هو الخطوة الصحيحة»..وفى الأيام الأخيرة لإدارة أوباما توترت العلاقات مع إسرائيل على نحو غير مسبوق بعد أن قررت الإدارة عدم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار رقم 2334 الذى يدين المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تعطى فيها إدارة أمريكية المباركة والضوء الأخضر لقرار لمجلس الأمن يدين المستوطنات منذ عام 1979. وردت الحكومة الإسرائيلية بشراسة، وسحبت السفراء من الدول التي صوتت لصالح القرار، واتهم نتنياهو إدارة أوباما «بصياغة القرار سراً مع الفلسطينيين»..وكان هناك بعض الذين جادلوا باستخدام الفيتو لوقف القرار لأنه لا يستحق الثمن السياسي (احتقان العلاقات الأمريكية -الإسرائيلية).
وأوباما لم يكن راغباً في استخدام حق النقض لوقف القرار لأنه يعتقد أن بناء المستوطنات واستمرار الصراع مفتوحاً يتعارض مع المصالح الأمريكية في المنطقة.. ويسرد كيري أن قرار إسرائيل تمرير مشروع قانون يسمح للدولة بتقنين البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية وإعلان دونالد ترامب، الرئيس المنتخب آنذاك، أنه سيعيّن ديفيد فريدمان كسفير لإسرائيل قد أثرا أيضاً على قرار أوباما عدم استخدام حق النقض.
رسالة بشار الأسد السرية إلى أوباما
ويكشف كيري أنه قبل اندلاع الصراع في سوريا، وفى عام 2010، بعث الرئيس السوري بشار الأسد برسالة سرية إلى باراك أوباما يقترح فيها استئناف محادثات السلام مع إسرائيل لاستعادة مرتفعات الجولان السورية التي ضمتها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة عام 1967..ويوضح كيري في الكتاب «سألنى الأسد ما الذى يتطلبه الدخول في مفاوضات سلام جدية» أملاً فى ضمان عودة مرتفعات الجولان.؟ وقلت له: «إنه اذا كان جاداً فعليه تقديم اقتراح خاص»، وسأل الأسد عن جوهر الاقتراح، وتبادلنا بعض الأفكار، ثم أصدر الأسد تعليمات لمساعده البارز بصياغة رسالة منه إلى الرئيس أوباما..وفى الرسالة، دعا الأسد أوباما إلى دعم محادثات السلام مع إسرائيل، مشيرا إلى «استعداد سوريا لاتخاذ عدد من الخطوات مقابل إعادة الجولان من إسرائيل»، لكن نتنياهو أخبر إدارة أوباما أنه غير قادر على عقد اتفاقية مع سوريا في ضوء الظروف الراهنة.. ويقول «كيري» لقد أخفق الأسد في النهاية في الوفاء بوعوده، حيث حاولت إدارة أوباما اختبار مدى جديته من خلال مطالبة الرئيس السوري باتخاذ «إجراءات لبناء الثقة» تجاه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، بما في ذلك وقف إمدادات الأسلحة إلى حزب الله.
«نتنياهو».. مهزوما
وفى الكتاب، يقول «كيري» عن سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال حرب 2014 في غزة، «كانت واحدة من المرات القليلة التي شاهدت فيها نتنياهو مهزوماً للغاية، وليس في حالته وطاقته الطبيعية، لم أر رئيس الحكومة في إسرائيل تحت الحصار بهذا الشكل، لقد لمسني الأمر، فقد رأيت نتنياهو في تلك اللحظة أكثر ضعفاً مما رأيته من قبل».. ويكشف كيري أن مسودة وقف إطلاق النار مع حماس ـ التي انتقدها نتنياهو والحكومة الإسرائيلية بشدة وعكرت العلاقات بين واشنطن واسرائيل وجلبت انتقادات لاذعة لكيري نفسه ـ سربها نتياهو شخصياً لوسائل الإعلام .. ويتذكر «كيري» محادثة غاضبة بينه وبين نتنياهو حول تسريب مقترح «الهدنة الانسانية»، موضحاً أنه قال له: «كنا في منتصف المفاوضات على أساس أطروحاتك، الآن أرى التسريبات في الصحافة. هذا أمر مشين، وقف إطلاق النار الإنساني هو فكرتك، والآن تسرب هذه الوثيقة لتجعلني أظهر وكأنني أحاول تعزيز موقف «حماس».. ويخلص كيري إلى أن «عنصر الثقة الشخصية ضاع» بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى بعد هذه النقطة.
عملية السلام
ويتحدث كيري عن تردد نتنياهو في عام 2013 لإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين المحتجزين منذ ما قبل اتفاقيات أوسلو عام 1993، وهو مطلب قدمه الفلسطينيون للمضي قدماً في المفاوضات.. ويقول: «لقد أخبرت نتنياهو بعبارات لا لبس فيها إذا لم تكن على استعداد لإطلاق سراحهم، أفهم ذلك، لكن المفاوضات لن تنجح.. فرد نتنياهو: حسناً، دعني أرى ما يمكنني فعله».. ويشير كيري إلى أن نتنياهو رفض خطة أمنية إقليمية أعدها الجنرال الأمريكي، جون ألين، والتي كانت ستلزم بسحب تدريجي للقوات الإسرائيلية من الضفة الغربية. وتنص الخطة على أن تقوم القوات الأمريكية بحراسة حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، لكن نتنياهو رفض الخطة، وأصر على أن إسرائيل بحاجة إلى الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد في الضفة الغربية..«لقد كان واضحاً لنا جميعاً أن نتنياهو لم يكن مهتماً بمعالجة المسائل الأمنية فعلياً بطريقة يمكن أن تسمح بانسحاب الجيش الإسرائيلي في نهاية المطاف، وأخبرته بأنى اعتقد أنه يخلق عقبة لا يمكن التغلب عليها، فابتسم نتياهو وقال دعنا نعيد جدولة المناقشة».. ويكشف «كيري» في كتابه «كل يوم إضافة» أن إدارة أوباما فكرت في إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، في عام 2014 ، في محاولة لإنقاذ عملية السلام المتعثرة.. ويشير إلى أن أوباما «لم يعتقد أن نتنياهو سيسمح في أي وقت بإنشاء دولة فلسطينية ، لكنه كان راغباً في تقديم تلك الإيماءة نحو إسرائيل»، كمبادرة لدعم عملية السلام.
