توتر غير مسبوق.. الصراع الأخير بين الجيش وبوتفليقة
بات واضحا أن هناك توترا غير مسبوق في تاريخ الجزائر، بين مؤسسة الرئاسة، والجيش الوطني، الأمر الذي رصدته الدوائر السياسية المقربة من «قصر المرادية» -مقر الرئاسة.
وساهمت «مجموعة بوتفليقة» في اندلاع الصراع الأخير بين الجيش وبوتفليقة، وإن بدا «توترا مكتوما» حتى الآن، خشية التأثير على الوضع العام المتوتر و«سخونة» الحراك الشعبي، وتحفز قوى المعارضة، وفي الصدارة التيار الإسلامي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين.
الجيش ينهي سلطة «محيط الرئيس»
ويبدو أن صراع أجنحة السلطة، قد تكشف بعد تدخل الجيش لينهي سلطة المقربين من الرئيس بوتفليقة «محيط الرئيس» بعد سنوات من التحالف.
ويؤكد المراقبون في الجزائر، أن بداية «التوتر المكتوم»، مع تصريحات قائد أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، بضرورة تطبيق البند 102 من الدستور، والذي يقضي بعدم أهلية الرئيس بوتفليقة لمواصلة مهامه كرئيس للبلاد، بسبب ظروفه الصحية.
وهي خطوة سجلت سابقة في الجزائر، أن يطلب نائب وزير دفاع وقائد أركان، بتفعيل المادة 102 من الدستور، التي تنص على عجز الرئيس عن أداء مهامه، ثم تصريحاته الحادة عن أشخاص دون تسميتهم اجتمعوا لضرب مصداقية الجيش.
ولذلك فقد انتظر البعض أن يقدم جناح الرئاسة على تنحية الفريق أحمد قايد صالح من منصبه، غير أن المحيط الرئاسي لم يجرؤ على هذه الخطوة غير محمودة العواقب، التي تعد تصعيدا كبيرا للأزمة.
ومن جهة أخرى، كذبت وزارة الدفاع الوطني، الأخبار التي راجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تزعم إقالة الفريق أحمد قايد صالح من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتعويضه باللواء سعيد باي.
وقالت الوزارة، على صفحتها الرسمية على فيسبوك، «الخبر الذي ينتشر حاليا حول إقالة الفريق أحمد قايد صالح وتعويضه باللواء سعيد باي لا أساس له من الصحة».
الجيش تخلى عن بوتفليقة
الدوائر السياسية والإعلامية في باريس، والتي تعد الأكثر اهتماما ورصدا ومتابعة حثيثة للوضع في الجزائر، تؤكد في تقاريرها، أن الجيش الجزائري تخلى عن بوتفليقة، في محاولة لإنقاذ النظام، وتم تنفيذ سيناريو الإقالة الذي أعده قائد الجيش سلميا، بقراره اللجوء إلى المادة 102 من الدستور.
بينما المعارضة من فصائل التيار الإسلامي، ترى أن مواقف وتصريحات رئيس الأركان، قايد صالح، لا تزيل الشكوك المتعلقة بنيته الالتفاف على الحراك الشعبي، وهذه الرؤية ترجع أساسا إلى مواقف الإسلاميين وجماعة الإخوان من «الجيوش العربية بصفة عامة»، وتصفهم دائما بـ«العسكر»، في تعبير مذموم يشير إلى المرتزقة.
طلاق بين بوتفليقة ورئيس أركانه
وتشير وسائل الإعلام الفرنسية إلى أنه ما زال بإمكان الرئيس «المريض» إقالة قائد الجيش أحمد قايد صلاح، ليكتب نهاية الصراع الأخير بين الجيش وبوتفليقة، ويضع حدا للعلاقات الملتبسة بين بوتفليقة والمؤسسة العسكرية، التي سعى إلى تفتيتها طوال سنين حكمه العشرين.
ونقلت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، عن أحد كوادر الدولة السابقين أن بوتفليقة باعتباره «رجل سلطة لا رجل دولة»، أطاح بمبدأ القرار الجماعي، الذي كان معتمدا في جيش بُني على أسس الزمالة الثورية، «من هنا تدخل الجيش بسبب انهيار المؤسسات، الأمر الذي كنا جميعا بانتظاره».
توافق بين الجيش والرئاسة لإيجاد مخرج للأزمة
ويؤكد المحلل السياسي الجزائري، مخلوف مهني، أن إعلان استقالة بوتفليقة ليس بالأمر المفاجئ، بل كان منتظرا بعد تشكيل الحكومة المؤقتة، كما أن الإبقاء على رئيس أركان الجيش في منصبه بعدما طالب بتطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري، فيه إشارة إلى حصول توافق بين الجيش والرئاسة لإيجاد مخرج للأزمة داخل الإطار الدستوري.
ولا يستبعد مخلوف، أن مؤسستي الجيش والرئاسة قد اتفقتا على خطة لمحاولة إقناع الشعب أن مطالبه لم تفرغ من محتواها.
وسيقدم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة استقالته قبل نهاية عهدته الانتخابية المحددة في 28 أبريل/ نيسان، وسيتولى قبل ذلك إصدار قرارات هامة لضمان استمرارية سير مؤسسات الدولة في أثناء الفترة الانتقالية، حسب ما أفاد به بيان لرئاسة الجمهورية.
هل تستقر الأوضاع بعد تنحي بوتفليقة؟
وبعد تنحي الرئيس الجزائري المرتقب خلال أيام، ستبدأ مرحلة جديدة تنظم فيها انتخابات رئاسية وتُحترم فيها الآجال المنصوص عليها في الدستور، بينما يبقى رد الحراك الشعبي المنتقد للنظام «مجهولا».
والسؤال القائم داخل الجزائر وخارجها: هل سيقبل الحراك الشعبي بهذه التسوية، التي يقترحها الرئيس للخروج من الأزمة، والتي توصل إليها من دون شك بالتوافق مع القيادة العسكرية؟ أم أن الحراك سيبقى متمسكا بموقفه المطالب بتغيير جذري للنظام الحاكم في البلد؟
«ضربة الهراوة في الريح»
الجواب لن يتأخر وسنعرفه خلال الأيام القليلة المقبلة، خاصة مع الرفض الشعبي لتشكيل الحكومة الجديدة، والتي وصفها رئيس الوزراء والمرشح الرئاسي الأسبق، علي بن فليس، بأنها «ضربة الهراوة في الريح».
واعتبرت الأحزاب السياسية، أنّ الحكومة الجديدة المعينة من طرف الرئاسة وُلدت ميتة، وأن تشكيلتها لن تلقى إجماعا من قبل أيّ طرفٍ، وخاصّة من الشّعب الذي يضغط للمطالبة برحيل كل رموز النظام، وليس لتجديد النظام لنفسه.
دور خفي للجنرال توفيق؟
وزارة الدفاع الوطني أصدرت بيانا شديد اللهجة، وحذرت أنها ستكشف بالأسماء المحرضين ضد الجيش.
وقال البيان: هناك أشخاص معروفون اجتمعوا لشن حملة شرسة ضد الجيش في الإعلام ومواقع التواصل.
وألمحت الدوائر الجزائرية إلى لقاءات واجتماعات أجراها الفريق محمد مدين، المعروف باسم الجنرال توفيق، الذي أقاله الرئيس بوتفليقة عام 2014 من منصبه كرئيس جهاز المخابرات لأكثر من عقدين من الزمن.
ومن جانبه، نفى مدين عقد أي لقاءات أو اجتماعات مع سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، أو مع منسق مصالح الأمن بشير طرطاق، أو عناصر من المخابرات الفرنسية.
وأضاف أن «الاتهام الموجه لشخصي والمتعلق بمقابلتي لرجال مخابرات أجانب، قصد إثارة مواضيع مرتبطة مباشرة مع السيادة الوطنية ما هو إلا محاولة متعمدة لإيذائي والمساس بشخصيتي المعروفة، داخل البلاد وخارجها، بطابع التصدي لكل التدخلات الخارجية، سواء كانت سياسية، ثقافية أو اقتصادية، فلا يمكنني أبدا، تحت أي ظرف من الظروف التخلي عن مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية مهما كانت خطورة المشاكل السياسية التي تمر بها البلاد، إنها القاعدة الثابتة التي أحترمها وأعمل بها في جميع تصرفاتي».
زروال يكشف حقائق
وبعد ظهر اليوم، الثلاثاء، أكد رئيس الجمهورية السابق، اليمين زروال، أن لقاءه بالفريق محمد مدين جاء بطلب من هذا الأخير.
وجاء في رسالة زروال «بداعي الشفافية وواجب احترام الحقيقة، أود أن أعلم أنني استقبلت يوم 30 مارس/ آذار بطلب منه الفريق المتقاعد محمد مدين الذي حمل لي اقتراحا لرئاسة هيئة تسيير المرحلة الانتقالية، وأكد لي أن الاقتراح تم بالاتفاق مع السعيد بوتفليقة، مستشار لدى الرئاسة، وعبرت لمحدثي عن ثقتي الكاملة في الملايين من المتظاهرين، وكذا ضرورة عدم عرقلة مسيرة الشعب، الذي استعاد السيطرة على مصيره».
وختم اليمين زروال رسالته بالقول، «اليوم وأمام خطورة الوضعية يجب على أصحاب القرار التحلي بالعقل والرقي لمستوى شعبنا لتفادي أي انزلاق».