توماس فريدمان يكتب: ترامب والصين و«الشراكة عبرالهادي»

بعد أن سافرتُ للتو إلى كل من نيوزيلاندا وأستراليا وكوريا الجنوبية والصين وتايوان، والآن أنا هنا في هونج كونج، بوسعي أن أقول من دون مبالغة إن عدداً مهماً من الزعماء السياسيين والتجاريين من منطقة آسيا- المحيط الهادي قيّموا الرئيس دونالد ترامب وخلصوا إلى أنه أبعد ما يكون عن المفاوض المرغوب، إذ يحجّم نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ويساعد الصين على أن تكون عظيمة من جديد.

 

 

وهؤلاء المستثمرون والخبراء الاقتصاديون والمسؤولون الحكوميون ما زالوا مذهولين بحدثٍ لم يلفت أي اهتمام في الولايات المتحدة تقريباً، ولكنه كان بمثابة زلزال هنا في المنطقة -وهدية ستتسبب لحلفاء أميركا في متاعب وللصين في مكاسب لسنوات عديدة مقبلة. إنه قرار ترامب إلغاء اتفاقية التجارة الحرة «الشراكة عبر الهادي» خلال أسبوعه الأول في الرئاسة، حتى من دون قراءتها، على ما يبدو، أو استيعاب تداعياتها الجيوسياسية الواسعة.

 

 

فقد قام ترامب بكل بساطة بإلغاء الأداة الأثمن والأهم التي كانت في حوزة أميركا من أجل التأثير في المستقبل الجيواقتصادي للمنطقة بطريقتنا والضغط على الصين حتى تفتح أسواقها. والآن، يحاول ترامب التفاوض حول فرص تجارية مع الصين وحيداً -بدلاً من التفاوض معها كزعيم لتكتل تجاري مؤلف من 12 دولة عضوة في «الشراكة العابرة للهادي»، التي كانت تقوم على القيم والمصالح الأميركية، وكانت تستحوذ على 40 في المئة من الاقتصاد العالمي.

 

 

والواقع أنه من الصعب التفكير في أي شيء أكثر سلبية من هذا الموقف، ولا بد أن المتشددين الصينيين بخصوص التجارة مسرورون بهذه القرار أيما سرور. وفي هذا الإطار، قال لي مسؤول رفيع في هونج كونج: «عندما استغنى ترامب عن الشراكة عبر الهادي، انهارت ثقة كل حلفائكم في الولايات المتحدة».

 

 

«وبعد أن أوقفت أميركا الشراكة عبر الهادي، أخذ الجميع يتطلع إلى الصين الآن»، يضيف جوناثان كُون شام تْشوي، رئيس غرفة التجارة العامة الصينية في هونج كونج، مردفاً: «ولكن الصين ذكية جداً، وكل ما هناك أنها تؤثر التزام الصمت».

 

 

والآن، أخذت بكين تشجع الجميعَ في منطقتها بصمت على الانضمام إلى «الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية»، التي تُعد المنافس الصيني في مجال التجارة الحرة لـ«الشراكة عبر الهادي» والتي خلافاً لهذه الأخيرة، تفتقر إلى معايير بخصوص حماية البيئة أو العمالة، و«البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية» الصيني، ومشروعها للتنمية «حزام واحد، طريق واحد».

 

 

وبدورها أخبرتني «كاري لام»، رئيسة هونج كونج التنفيذية الجديدة، أن بلدان «الشراكة عبر الهادي» مثل أستراليا أخذت تتواصل مع هونج كونج بسرعة من أجل إقامة علاقات تجارية أكثر قوة وحرية الآن وقد انسحب الأميركيون من «الشراكة عبر الهادي»، وقالت إنه من «المؤسف» أن الأميركيين انسحبوا، ولكن «هذا سيتيح لبلدنا فرصة الزعامة»، مضيفة أن الصين لا تبحث عن النمو فحسب، ولكن عن «النفوذ» أيضاً.

 

 

صحيح أن «الشراكة عبر الهادي»، وعلى غرار أي اتفاقية تجارية أخرى، كانت ستطرح تحديات لبعض العمال الأميركيين، ولكنها كانت ستخلق أيضاً فرصاً للكثير من العمال الأميركيين الآخرين لأن بعض الاقتصادات الكبيرة مثل اليابان وفيتنام بدأت تفتح أسواقها، فعلى مدى عقود طويلة، كنا قد سمحنا لليابان بأن تظل مغلقة أكثر مما ينبغي، لأنها كانت حليفة في الحرب الباردة، وفيتنام، لأنها كانت عدواً. وكانت نحو 80 في المئة من السلع من شركائنا الـ11 في «الشراكة عبر الهادي» تأتي إلى الولايات المتحدة معفية من الرسوم بينما كانت سلعنا وخدماتنا تواجه 18 ألف رسم في بلدانهم -ألغتها جميعاً «الشراكةُ عبر الهادي».

 

 

ولهذا قدّر «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي» أن الدخل الوطني الأميركي كان سينمو بنحو 130 مليار دولار بحلول 2030 -رقم ليس كبيراً جداً، ولكنه يمثل دفعة قوية للعمال والشركات والدبلوماسيين الأميركيين.

 

 

 

وفي هذا السياق، كتب الكاتب الاقتصادي آدم ديفيدسون في مجلة «ذا نيويوركر» يقول: «إن الشراكة عبر الهادي» كانت ستشجع مديري الشركات والمسؤولين عن الأمور اللوجستية وغيرهم على المراهنة على أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، منطقة كانت ستسيطر عليها الولايات المتحدة، باعتبارها الاقتصاد الأكبر والأكثر تطوراً فيها».

 

 

 

ثم إن بعض البلدان مثل اليابان وفيتنام وماليزيا وسنغافورة قدّمت تنازلات كبيرة للولايات المتحدة حتى تكون جزءاً من «الشراكة عبر الهادي»، وتحديداً لأنها ترغب في أن تكون أميركا حاضرة ومنخرطة في اقتصاداتها، كسد في وجه الهيمنة الاقتصادية الصينية. وفي هذا الصدد، سألني رجل أعمال فيتنامي شاب التقيته في منتدى اقتصادي «وارتون» في هونج كونج: «هل نحن مضطرون للاختيار بين روسيا والصين الآن»؟

 

 

 

والواقع أنه لا يسع المرء إلا أن يقدّر هذا الخليط الصيني من الحزم والصبر والذكاء. وأملي هو أن يتحلى الرئيس الأميركي بهذه الخصال والقدرة على التفاوض مع الصين كرئيس تكتل تجاري يستحوذ على 40 في المئة من الاقتصاد العالمي.

 

 

 

نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]