تونس: «عزوف انتخابي» يدين الأحزاب ويرفع أسهم «النهضة» !!
حذرت الدوائر السياسية في تونس، من مؤشر الـ «عزوف الانتخابي» عن المشاركة في الانتخابات البلدية «المحلية» التي جرت أمس الأحد، مما يمثل إدانة للأحزاب ودورها وفعاليتها، وفقدان الثقة في حركة الساحة الحزبية التي تبدو منعزلة عن الشارع التونسي ومطالبه ومعاناته الاقتصادية، رغم أن الانتخابات البلدية تعد خطوة مهمّة جدا في اتجاه تثبيت واقع تونسي جديد ومُغاير، وهو اتجاه يدعم الخيار الانتقالي ويضع لبنة أخرى في مسار التجربة الديمقراطية الناشئة، بعد عقود من سيطرة الحكومة المركزية على سلطة القرار وتهميش المناطق الداخلية.
وإذا كانت نسبة المشاركة «المتدنية» في التصويت، عقابا للأحزاب، بحسب المراقبين في تونس، إلا أنها صبت لصالح حركة «النهضة» الإسلامية، التي سبقت وحشدت الأعضاء والمريدين والمنحازين للتيار الإسلامي، بعد أن تصدرت النهضة هذه الانتخابات، متبوعة بـ «حزب نداء تونس» بفارق يصل إلى 5 بالمئة.
وكشفت النتائج الأولية للانتخابات البلدية، والتي ستعلن بصفة رسمية، بعد يومين، عن تصدر حزب «حركة النهضة» بنسبة 27.5%، وحلّ حزب حركة «نداء تونس» في المرتبة الثانية بنسبة 22.5% من الأصوات، وتوزعت النسب الباقية بين بقية الأحزاب وائتلافات حزبية متنافسة..وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن نسبة التصويت بلغت 33.7%، مشيرة إلى أن «مليوناً و796 ألفاً و154 تونسياً أدلوا بأصواتهم»، من بين 5،3 مليون ناخب تونسي، وهي نسبة سجلت ظاهرة عزوف المواطنين وخاصة شريحة الشباب عن المشاركة في التصويت.
العزوف يستقطب الخطاب الأيديولوجي
وبينما يؤكد مسؤولون في حزب النهضة، أن فوز حزبهم متقدما على منافسه العلماني حزب «نداء تونس» في أول انتخابات بلدية حرة، هو تتويج لانفتاح النهضة وبحثها الخيار الديمقراطي والتوافق الذي عمل عليه رئيس الحركة راشد الغنوشي ( كانت النهضة رشحت يهوديا على قوائمها).. يقول مسؤولون بحزب نداء تونس، أن القراءة المقارنة بين النتائج التي فاز بها كل من حزب نداء تونس، وحركة النهضة، تظهر أن 27.5 بالمئة النسبة التي حصدتها النهضة تكاد تتماثل مع قواعدها الانتخابية التي لا تتجاوز نسبة 23 بالمئة، وهو ما يعني أن نسبة المتعاطفين مع الحركة التي أدلت بصوتها لفائدتها لا تتجاوز 2.5 بالمئة.
ويؤكد حسن الزرقوني، مؤسس ومدير عام مؤسسة «سيغما كونساي» لإستطلاع الآراء، أن حركة النهضة استفادت كثيرا من العزوف الانتخابي وتدني نسبة المشاركة، مشيرا الى أنه في حالات العزوف عادة ما يستقطب الخطاب الأيديولوجي الناخبات والناخبين وهو ما ينطبق على حركة النهضة.
الناخب التونسي لا يثق في السياسة والسياسيين!
وأرجع «الزرقوني»، تدني نسبة المشاركة إلى عدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصاديةن انعكست على الأوضاع المعيشية وما يرافقها من تدهور للمقدرة الشرائية ونسبة البطالة التي تصل إلى 15 بالمئة ونسبة الفقر التي تناهز 18 بالمئة إضافة إلى الانكماش الاقتصادي حيث لا تتجاوز نسبة النمو 2 بالمئة.
وأضاف: إن تدني نسبة المشاركة، يحمل رسالة قوية إلى السياسيين مفادها أن الناخب التونسي لا يثق لا في السياسة ولا فيهم، ولذلك فإن على جميع الأحزاب أن تدرس النتائج الهزيلة وتستخلص منها العبر.
وإذا كانت تونس، راهنت على الانتخابات البلدية للتقدم بالمسار الانتقالي الديمقراطي وتشكيل أول مؤسسات حكم محلي في البلاد ممثلة للتونسيين وتحظى بتأييدهم، غير أن المؤشرات بدت محبطة ودون تطلعات السلطات والأحزاب والتونسيين.
«العزوف»: مؤشر سلبي ورسالة قوية
ويرى رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، أن العزوف الجماهيري عن المشاركة في أول انتخابات بلدية تجري في تونس بعد الثورة الشعبية في العام 2010، مؤشر سلبي، ورسالة قوية يجب على مكونات المشهد السياسي التقاطها،وعليهم أن يعملوا على تطوير الخطاب السياسي، وتوجيهه لما ينفع الناس.. بينما يؤكد المحلل السياسي التونسي، يوسف الشريف، أنّ نسبة العزوف الكبيرة تعني أنّ الأحزاب ضعيفة وغير قادرة على تعبئة الناخبين…وأضاف: لقد اتجهت الأحزاب في السنوات الأخيرة إلى الحيل بين سياسيين، دون برامج كبيرة، وهذا لا يهم المواطن.
ويقول معلقون ان تدني نسبة المشاركة رسالة يمثل قوية من التونسيين مفادها عدم رضا التونسيين عن أداء الأحزاب ومسؤوليتهم بشأن الأزمة الهيكلية التي تشهدها البلاد.
والتحدي الأكبر أمام المجالس البلدية الجديدة، هو تحقيق توقعات الناخبين فيما يتعلق بزيادة ميزانيات البلديات في دولة تصدر فيها الحكومة المركزية القرارات الرئيسية بشأن كيفية إنفاق الأموال، خاصة وأن هناك قانونا جديدا يحدد نقلا تدريجيا لصناعة القرار إلى المستوى المحلي، لكن لا يزال من غير الواضح كيف سينفذ ذلك عمليا.