تحذر الدوائر السياسية في تونس من مؤشرات المشهد السياسي، الملبد باختناقات وتجاذبات سياسية، وصراع على الصلاحيات، ومناوشات داخل برلمان «مترهل » الأداء، وخلافات وتوتر «مكتوم» بين مؤسسات السلطة الثلاث ( رئاسة الجمهورية، والحكومة، والبرلمان)، وأزمات اقتصادية واحتقان اجتماعي، بعد عشر سنوات من الثورة التونسية.
ويرى سياسيون ومراقبون، أن المشهد العام ينبىء بأن تونس على أبواب «أزمة نظام»، وهو التعبير الذي تردد على لسان رئيس الجمهورية، قيس سعيد.
تحذير من مصير «ملوك الطوائف»
وتشيرالأحداث إلى تحوّل في نمط العلاقة بين التونسيين وممثلّي السلطة، وفي تمثّلهم للسلطات (التنفيذية والتشريعية، وحتى القضائية) وإدراكهم لمركز القوّة والسيادة والنفوذ والقانون، بحسب تعبير الباحثة السياسية التونسية، آمال قرامي.. وفي تجسيدها لوقائع المشهد العام في تونس قالت «قرامي»: تتواتر علينا الأخبار الدالة على هشاشة الدولة وخروج عدد من المؤسسات عن السيطرة، ولجوء البعض إلى أشكال غير مألوفة من «الاحتجاج»، والدخول في الإضراب. بالإضافة إلى إعلان ممثلّي بعض النقابات عن توقّف الدروس في بادرة تعدّ الأولى من نوعها لتجريد الوزير من سلطة اتّخاذ القرار، وهكذا تبدو علامات الفوضى بادية للعيان على مستوى السلوك والهيئة والأفعال والخطابات، مما يعيد للذاكرة صور الماضي، وما آل إليه أمر«ملوك الطوائف» بعد أن بانت علامات الضعف السياسي والانهيار الاقتصادي وكثر النزاع حول امتلاك السلطة وكثرت الثورات والصراعات.
مأزق رئيس الحكومة
ومع مؤشرات ووقائع «أزمة النظام»، فإن رئيس الحكومة هشام المشيشي في مآزق، والرجل امام ملفات ثقيلة مترابطة بعضها ببعض، إذا ظن انه حقق تقدما في حل أحدها وجد انه لم يغادر نقطة البداية، بحسب تعبير المحلل السياسي التونسي، حسان العيادي، ولعل أبرز مثال على ذلك توفير موارد مالية لتمويل الميزانية وهذا يقوده الى صندوق النقد الدولي الذي ينظر اليه بريبة في ظل الوضع السياسي للبلاد .
و«أزمة النظام» فتحت أبواب الجدل حول: فشل النظام البرلماني والعودة للنظام الرئاسي..وحول إمكانية توجه الرئيس قيس سعيد لطرح مبادرة تعديل الدستور..وتعديل نظام الانتخابات..ووضع تصورات لصلاحيات مختلف مؤسسات الدولة.
تصاعد دخان الخلافات بين رأسي السلطة التنفيذية
وفي ظل المناخ الراهن في تونس، ترصد الدوائر السياسية والحزبية ، مؤشرات صعود دخان الخلافات بين رأسي السلطة التنفيذية: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، على خلفية إقالة وزير الداخلية المحسوب على قصر قرطاج (الرئاسي)..ومثلما كان ّ متوقعا فقد أصبح الصراع بین راسي السلطة التنفیذیة مفتوحا ومعلنا، بحسب تقدير الكاتب التونسين جھاد الكلبوسي، حیث تؤكد التطورات الأخیرة وبعد إقالة وزیر الداخلیة توفیق شرف الدین أن تونس ستعیش فصلا جدیدا من الصراع بین رئیس الجمھوریة قیس سعید ورئیس الحكومة ھشام مشیشي الذي یسعى بدوره لإیجاد توازن وتناسق داخل حكومته في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تمر به تونس.
تنازع الصلاحیات بین قصري قرطاج والقصبة
. ولا یخفي على احد أن الخلافات المتراكمة بین رأسي السلطة التنفیذیة مركزھا البحث عن مداخل للسیطرة على مؤسسات الدولة سواء انطلاقا من البحث عن منطلقات قانونیة أو دستوریة لتوسیع دائرة الحكم أكثر وكان ما قاله رئیس الجمھوریة قیس سیعد بأنه القائد الأعلى للقوات العسكریة والأمنیة منطلقا لفتح نقاشات واسعة حول مسالة تنازع الصلاحیات بین قصري قرطاج والقصبة ( مقرا رئاسة الجمهورية والحكومة).
وهكذا..عاد إلي واجھة الجدل السیاسي والدستوري في ظل غیاب المحكمة الدستوریة، جدل ساخن و«غير صحي» حول حدود صلاحیات رئیس الجمھوریة ورئیس الحكومة، في مجالي الأمن والدفاع.
أزمة النظام
وفي تعقيبه على مؤشرات «أزمة النظام».. قال االأمین العام للحزب الجمھوري، عصام الشابي، إن مكونات المنظومة الحاكمة مازالت تخوض صراعھا البیني من أجل بسط نفوذھا على مؤسسات الدولة ولو كان ذلك على حساب تماسك تلك المؤسسات وإصابتھا بالشلل التام. . وأضاف الشابي: آخر حلقات ھذا الصراع كان میدانھ أروقة وزارة الداخلیة التي حاول رئیس الجمھوریة السیطرة علیھا بخلطه المتعمد بین صفته قائدا أعلى للقوات المسلحة العسكریة والقوات المسلحة الأمنیة في مخالفة صریحة للدستور، مما دفع وزیر الداخلیة إلى القیام بتغییرات على رأس إدارات حساسة دون الرجوع إلى رئیس حكومته.
حوار وطني قبل أن يجرف السيل الجميع
ونقلت صحيفة الصباح التونسية، عن «الشابي» قوله: إن الشرعیة الانتخابیة لا یمكن أن تكون جواز عبور لتدمیر الدولة أو المس باستقرار البلاد الذي یقع على عاتق ھذه المنظومة قبل غیرھا وھي المطالبة بالاستجابة دون تأخیر لدعوة تنظیم حوار وطني قبل فوات الأوان وقبل أن یجرف السیل الجمیع.
وفي المرحلة الحالية، بمطبّاتها و انسداداتها السياسية و ارتدادات ذلك كلّه اقتصاديا و اجتماعيا ..ما يزال الغموض يلفّ الحوار الوطني المرتقب بخصوص صيغته وآلياته وهوية المشاركين فيه وسبل تجسيد مخرجاته في خضمّ وضع عام يزداد التهابا، زادته حدّة تصريحات الغنوشي ـ رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة الإخوانية ـ تحذّر من القتال بديلا عن الحوار المرتقب.