تونس.. قرارات الرئاسة تضع البلاد في مرحلة مفصلية

مفترق طرق تقف أمامَه تونس الباحثةُ عن الاستقرار بعد عشر سنوات من الثورة، فمنذ تحركه يبحث قطارُ الثورة عن محطات يلتقي فيها الفرقاء التونسيون لرسم طريق سلام دائم يلم الشمل ويداوي جروح الماضي.

إلا أن ذلك القطار اصطدم بفساد مستشرٍ وجماعات ظلامية تحاول اختطافَ البلاد.. لتتمخض عنها الأزمةُ الأخيرة بين الرئيس والبرلمان الذي تسيطر عليه حركة النهضة.

البداية كانت مع إعلان الناخبين التونسيين استياءهم من الأحزاب الكبرى لينتخبوا برلمانا منقسما بقوة ثم ينتخبوا بعد ذلك السياسي المستقل قيس سعيد رئيسا للبلاد.

لكن بداية التوتر بين سعيد والنهضة جاءت بعد فشل الأخيرة في الحصول على ثقة البرلمان حين اقترحت حكومةً بزعامة الحبيب الجملي، ليكلف سعيد إلياس الفخفاخ بتشكيل الحكومة.

إلا أن إلياس الفخفاخ أُجبر على الاستقالة في غضون أشهر بسبب فضيحة فساد.

وفي أغسطس عام 2020 أصدر سعيد قرارا بتعيين رئيس للوزراء من خارج الحقل السياسي، وهو هشام المشيشي مستشارُه القانوني السابق، وشكل المشيشي حكومتَه من شخصيات قال إنها مستقلة، أي حكومةُ كفاءات، متجاوزا دعوات النهضة إلى تشكيل حكومة ممثلةٍ للأحزاب.

وفي يناير من العام الجاري أجرى المشيشي تعديلا وزاريا شمل 11 حقيبة من بينها العدل والداخلية وهو تعديل شهد هيمنةً من حركة النهضة على الحكومة، وهو ما دفع سعيد إلى رفض التصديق على التعديل الوزاري بسبب وجود شبُهاتِ تضاربِ مصالحَ في التعيينات.

إلا أن “النهضة” والمشيشي أصرا على طرح التعديل الوزاري على البرلمان لنيل ثقته وهو ما حدث بالفعل .

في المقابل رفض سعيد كل الوساطات لتمرير التعديل الوزاري، كما رفض استقبالَ من وصفهم بوزراءَ فاسدين.

وخلال تلك الأزمة، أثارت زيارةُ زعيمِ حركة النهضة ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، في 17 من يناير الماضي إلى تركيا انتقادات واسعة، حيث تم اعتبارُ الزيارةِ تدخلا في الاختصاص المنفرد لرئيس الجمهورية حسب الدستور .

وعلى أَثَرِ ذلك الخلاف حاولت حركة “النهضة” تمريرَ مشروعِ تعديل قانون المحكمة الدستورية لخفض النسبة اللازمة لتشكيلها من 145 صوتا إلى 131 صوتا لمحاولة تعطيل قرارات سعيد أو حتى عزله.

وفي أبريل 2021 رفض سعيد التوقيع على مشروع قانون المحكمة الدستورية وأعاده إلى البرلمان للمصادقة على تعديلات جديدة بأغلبية أكبر وهو ما فشل فيه البرلمان.

وأدت هذه الأزمات السياسية المتراكمة بدورها إلى شلل اقتصادي وإداري بالإضافة إلى جائحة فيروس كورونا، لتنطلق احتجاجاتٌ واسعة في الشارع التونسي، وتهاجمَ الجموعُ مقار حركة “النهضة” التي حمَّلوها مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد، وهو ما دفع الرئيس قيس سعيد لإصدار قرارات استثنائية بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان وهو ما رفضته حركة النهضة.

وفي هذا السياق، قال رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب سابقاً، العميد مختار بن نصر، إنه بعد قرارات الرئيس سعيد بات هناك انقسام بين السياسيين وفي الشارع، وهو عائد إلى المفاجأة بسبب القرار الاضطراري لرئيس الجمهورية نظراً للفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

وأشار بن نصر، خلال لقاء ببرنامج “مدار الغد”، إلى أن هناك تباينا في وجهات النظر والمواقف رغم أن البعض يرى أن تلك الخطوة ضرورة لتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية في البلاد، إلا أن هناك من يرون وجود تجاوز للدستور ويدعون إلى رفض تلك القرارات.

وأكد أن تلك الخطوة منحت التونسيين أملا جديدا، وأن الفرحة التي عمت البلاد أمس هي دليل على أن الكثير يدعم الرئيس سعيد في هذا التوجه نحو حلحلة الأزمة المستفحلة.

وأشار بن نصر إلى وجود تخوفات مشروعة من استهدافات من قبل “النهضة”، لا سيما مع وجود تهديدات منذ فترة، وأن تونس تعيش على وقع العمليات الإرهابية منذ سنوات، لافتا إلى أن الصدامات التي وقعت أمام البرلمان توحي بأن الأمور قد تتطور.

وأعرب عن اعتقاده بأن المرحلة التي تعيشها تونس حاليا هي أصعب من الوضع في 2011، ورأى أنه لابد من اتخاذ الإجراءات اللازمة والحزم واليقظة من المجتمع ككل، لا سيما أن الجميع بات مقتنعا حاليا أنه لا يمكن لتونس أن تتقدم خطوة واحدة ما لم يتم اتخاذ خطوات لإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي والتنموي.

وتابع أن هذا التغيير هو مطلب شعبي منذ مدة طويلة، إلا أنه تأجل بحكم الإضرابات والفوضى وشلل المؤسسات والارتخاء على المستوى السياسي، إلا أن رئيس تونس أخذ القرار الجريء وحاول أن يعيد توجيه البوصلة من جديد وأن ينطلق في مسيرة جديدة.

وأشار إلى ضرورة محاسبة المسؤولين عن التردي الذي وصلت إليه البلاد، ورأى أن رفع الحصانة عن أعضاء البرلمان تعني أن ساعة المحاسبة دقت وأن هناك نظاما ديمقراطيا وسيطبق القانون على الجميع.

وأضاف أن المواجهات بين أنصار الرئيس وأنصار النهضة هي افتراضات قائمة وغير مستبعدة، لذا يجب اتخاذ كل الإجراءات اللازمة على المستوى الأمني.

فيما رأى الخبير الأمني، العميد خليفة الشيباني، أن القرارات التي اتخذها الرئيس سعيد تعد تاريخية وأنهت العبث بالدولة التونسية، مشيرا إلى أنه عقب تلك القرارات عاشت البلاد “الاستقلال الثاني” للدولة، واستعاد التونسيون بلادهم من مجموعة ليس لها علاقة بالشعب وانتهى الدمار بعد 10 سنوات شهدت جميع أنواع الدمار للشعب.

وتابع الشيباني أن البلاد كانت مصابة بـ”جائحة سياسية” قبل الإصابة بجائحة كورونا، وباتت مصداقية رئيسي الحكومة والبرلمان “في الحضيض” لدى الشعب التونسي، مضيفاً أن “النهضة” مسؤولة عن إفلاس التونسيين وجوعوهم وجلعت أطفال تونس يشاركون في الهجرة السرية.

وأشار إلى أنه لا يمكن لمن أفسد الحياة في تونس أن يكونوا جزءا من الإصلاح، وأنهم سبب الأزمة، معرباً عن اعتقاده بأن القرارات التي اتخذها سعيد لن تقف إلى هذا الحد.

وأوضح الشيباني أن الشعب التونسي لا يُهدد ولا يخاف من وعيد العناصر الإخوانية، وقادر على حماية ثورته، وأن الشعب يطالب برحيل ومحاسبة تلك الطبقة السياسية، ورأى أن البديل هو تشكيل حكومة إنقاذ وطني تقودها كفاءات تونسية.

ولفت إلى أن المشيشي لن يستطيع تعطيل أي إجراء، وأن الشعب التونسي بات يراه “لعبة” في أيدي حركة النهضة.

ورأى أن حركة النهضة تنتظر المحاسبة على 10 سنوات “سوداء” كانت تحكم فيها وتتدعى أنها لا تحكم، مؤكداً أنهم الحاكمون فعلياً منذ 2011، وأن ما حدث من دمار اقتصادي وصحي وسياسي واجتماعي وغيره في تونس كان بسبب الحركة التي تجب محاسبتها، ويجب الآن مكافحة الفساد المستشري في تونس بدرجة لم يسبق لها مثيل في أي عهد سابق.

واستطرد الشيباني أن رسالة الشعب التونسي باتت واضحة وهي :”نحن بحاجة إلى دولة ديمقراطية وعادلة لا يلعب بها الفاسدون وهواة السياسة”.

كذلك، أوضحت الكاتبة الصحفية والمحللة السياسية، وفاء الشاذلي، أن الشعب التونسي وجد نفسه يعيش منغلقاً سياسياً، وبعد انتخابات 2019 تواصل المهزلة السياسية داخل البرلمان وأصبح الشعب يشاهد “صدامية برلمانية”، وباتت مصلحته هي آخر ما يفكر فيها البرلمان.

وتابعت الشاذلي أن الديمقراطية التي حاكها البرلمان تصب في صالح “الإخوان” الذين صاغوا لأنفسهم قانونا انتخابيا ونظاما سياسيا ودستورا ليحكموا تونس لعشرات السنين.

ولفتت إلى أن الشعب التونسي تعرض إلى صدمة في حركة “النهضة” التي تعاطف معها في انتخابات المجلس التأسيسي ومع مظلوميتها ولعبها لدور الضحية، لذا تم انتخابها ووصلت لسدة الحكم، لتحكم بعدها بالطمع لصالحها، مؤكدة أن الجميع الآن بات يعرف حقيقة تلك الحركة، حتى إن هناك قيادات من الحركة هاجمت الغنوشي وعائلته.

وأوضحت الشاذلي أن يجب أخذ الحيطة من التحذيرات من الاستهدافات، خاصة أن قرارات أمس لم تكن مرفقة بإيقافات للمتورطين من قيادات حركة النهضة، حيث خرج الغنوشي أمس أمام البرلمان وقام بإرسال تهديد مبطن للشعب التونسي ودعا أنصاره للمواجهة مع مؤيدي قرارات سعيد.

وأضافت أنه لا يمكن ترك الفرصة أمام هؤلاء لبث الفتنة والالتجاء إلى السلاح، خاصة أن الغرب الليبي يشهد حالة من الانفلات والقتال وبعضها على تواصل بالغنوشي والنهضة، لذا هناك مخاوف من التواصل بينهم، مؤكدة: “ننتظر الإقامات الجبرية لهؤلاء ومنعهم من السفر”.

وأشارت الشاذلي إلى أن تونس حاليا في حالة طوارئ طبقا للدستور، والتي تتضمن إجراءات تتعلق بالإقامات الجبرية وتحديد الإقامة للشخصيات التي تشكل خطراً على الدولة.

ونوهت إلى أن الرئيس تحدث عن الأفخاخ الموجودة في دستور 2014 الذي لا يساعد في أي انفراجة سياسية، ويحمل في كل فصل فخ إخواني يمنع الإقلاع الاقتصادي لتونس، لذا يمكن الرجوع لدستور 1959 الذي تمت صياغته عقب الاستقلال، خاصة أن الشعب التونسي يثق فيه وفي من وضعه بخلاف دستور 2014 الذي تنعدم الثقة فيه.

وأكدت أن حركة النهضة ليست وحدها من أجرمت في حق الشعب التونسي، إلا أن هناك “خونة” باعوا أنفسهم لها من سياسيين وموظفين وغيرهم.

وأضافت: “الشعب التونسي يعيش اليوم حالة من القهر غير المسبوقة، وتلقت أمس جرعة كبيرة من الأكسجين بعد قرارات الرئيس سعيد”.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]