ثلاث أزمات وراء ثورة الطبقة الوسطى في فرنسا

يبدو أن موجة الاحتجاجات التى تشهدها العاصمة الفرنسية «باريس»، ووصفتها دوائر سياسية في الغرب بـ «ثورة الطبقة الوسطى»، لا تجد طريقا للتراجع فى المرحلة الحالية، رغم خطوات اتخذتها الحكومة الفرنسية من شأنها تهدئة الشارع، إلا أن حركة «السترات الصفراء»اتخذت منحى آخر ولم تعد تقتصر على الجانب الاجتماعى، والتى طغت على مطالب المتظاهرين فى بداية الاحتجاجات التى اندلعت منذ عدة أسابيع، لتصطبغ مؤخرا بالطابع السياسى، فى ظل مطالب المتظاهرين الأخيرة برحيل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وحل البرلمان، بالإضافة إلى الخروج من الاتحاد الأوروبى.

 

موجة «السبت الخامس» من الاحتجاجات الشعبية

وللسبت الخامس على التوالي، تخيم على فرنسا أجواء من التوتر، على الرغم من تنازلات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ودعواته إلى الهدوء، وتخشى السلطات الفرنسية وقوع حوادث جديدة اليوم السبت، بعدما انتهى السبت الماضي بعدد قياسي من الموقوفين (حوالى ألفين) وأكثر من 320 جريحا وأضرار في العديد من المدن بينها باريس وبوردو وتولوز (جنوب غرب)، وتم نشر ثمانية آلاف عنصر من قوات الأمن و14 آلية مدرعة في العاصمة الفرنسية، وتجري عمليات تفتيش في الطرق ومحطات القطارات ووسائل النقل المشترك في باريس، وفرض إجراءات حماية على الدخول إلى المؤسسات مثل قصر الاليزيه والجمعية الوطنية (البرلمان).

 

 

المحرك الرئيس للاحتجاجات وتداعياتها

الحكومة الفرنسية تعترف بتصاعد موجات الاحتجاج ومطالبها،ورغم محاولات «احتواء التحرّك» في الشارع، حذّرت الحكومة من أن لا حلول للمشكلات «بعصا سحرية»، متحدثة عن ثلاث أزمات، تتناول: الجانب «الاجتماعي».. و«الديموقراطية».. و«أزمة أمّة»، في مواجهة «انقسامات ضخمة».. وهي أزمات قام بتوضيحها وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، مؤكدا أنها المحرك الرئيس للاحتجاجات وتداعياتها، لأنها أزمة بوجوه ثلاثة: «أزمة اجتماعية» ترتبط بالقدرة الشرائية.. و«أزمة ديموقراطية» مع تمثيل سياسي غير كاف.. و«أزمة أمّة» في مواجهة «انقسامات ضخمة».

 

 

«الشياطين القديمة بدأت تظهر من جديد».

التحليل الذي بدا منطقيا وموضوعيا من وزير المالية للحالة الفرنسية الراهنة، يتفق مع مع تحليل صحيفة «الجارديان» البريطانية، بأن تداعيات احتجاجات «السترات الصفراء» تشكل أكبر تحدى لرئاسة الرئيس الفرنسى الشاب إيمانويل ماكرون، وأن القارة العجوز«أوروبا» تنظر لما يحدث فى عاصمة النور وهى تحبس أنفاسها لأنها تدرك أن ما يحدث سيكون له بالغ الأثر على كافة أرجاء القارة، وإذا فشل ماكرون فى الاختبار، فلن يكون وحده من يدفع الثمن ..وأوضحت الصحيفة ، أن ماكرون اُنتخب لتعهده بإثبات أن فرنسا يمكن إصلاحها ويمكن إنعاش اقتصادها من خلال التخفيضات الضريبية والإنفاق العام، وتمرير تغيرات واسعة فى سوق العمل، وليس هذا فحسب، وإنما تطلع الأوروبيون إليه باعتباره مدافعا شرسا عن الديمقراطية الأوروبية الليبرالية، ولأنه قدم نفسه على أنه بطل التعددية والحصن ضد مد القومية «الأنانية ـ والخطيرة»، لاسيما مع تصاعد موجة الشعبوية المتشككة فى الاتحاد الأوروبى، والاستبدادية فى أماكن متفرقة من أوروبا، حتى أنه حذر الشهر الماضى فى الذكرى المئوية لهدنة الحرب العالمية الأولى من أن «الشياطين القديمة بدأت تظهر من جديد».

 

 

هل تقف الدولة العريقة على أعتاب ثورة جديدة؟

ويؤكد سياسيون ومحللون، أن الرئيس الفرنسي «ماكرون» اعتقد أنه الأكثر مقدرة وحسما من سابقيه، بدءأ من شيراك مرورا بساركوزى وانتهاء بأولاند، فى تطبيق برنامجه الإصلاحى، الذى أحجم هؤلاء عنه خشية نتائجه المجتمعية وآثاره السياسية، ولكن جاءت النتيجة مخيبة للآمال والتوقعات، إذ وضعته فى مأزق حقيقى بعد أن تعالت أصوات المحتجين مطالبة باستقالته وحل البرلمان، فالاقتصاد فى النهاية لا يُحسب بلغة الأرقام وحدها لأنه يمس حياة المواطنين مباشرة وأحوالهم المعيشية اليومية..وترى د. هالة مصطفى، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، ورئيس تحرير مجلة الديمقراطية بالأهرام سابقا، أن الأمر لم ولن يقف عند هذا الحد، فتعليق الدولة قرارها لمدة ستة أشهر وإعلانها الاستعداد لفتح نقاش حول بعض مطالب المحتجين واستعانتها بالأحزاب والنقابات للدعوة إلى احتواء الأزمة، لم تفلح فى تهدئة الشارع الفرنسى ولا فى التخفيف من حدة المظاهرات التى اجتاحت باريس، فى غضب عارم ينذر بالتصعيد، حتى وإن نجحت بعض الحلول الأمنية فى التصدى الجزئى له، فسيظل كالنار تحت الرماد، فهل تكون هذه الدولة العريقة على أعتاب ثورة جديدة، وما هى طبيعتها, وإلى أين ستقودها؟

 

  • على الرغم من الصدمة التى سببتها تلك الأحداث بحكم عنفها وحدتها وكونها تقع فى عاصمة النور، فإن الحقائق التاريخية تشير إلى أن لفرنسا باعا طويلا مع الثورات، فهى صاحبة أهم ثورة فى التاريخ الانسانى ( ثورة العام 1789) حولت شعارها فى الحرية والإخاء والمساواة إلى واقع غيرت به وجه أوروبا والعالم، وكرست لأفكار التنوير والعقلانية والحريات المدنية وحقوق الإنسان، اليوم يتكرر المشهد، فقط الهدف هو الذى تبدل، حيث كان تغيير الأوضاع القائمة بصورة جذرية هو الهدف فى السابق،أما فى المرحلة الراهنة فالإبقاء عليها أصبح هو المطلب الرئيسى ـ بحسب تعبير د. هالة مصطفى ـ  وتتلخص تلك الأوضاع فى المكتسبات التاريخية التى حصلت عليها الفئات العريضة من الشعب الفرنسى وفى القلب منها الشرائح المختلفة للطبقة الوسطى، هذه الطبقة التى إما أن تكون صمام الأمان لأى مجتمع أو على العكس سبب اضطراباته وعدم استقراره.. وهو ما يجدث الآن في فرنسا.

 

 

فشل الرهان على «ماكرون»

ويرى مراقبون ومحللون سياسيون، أن جانبا من انفجار الاحتجاجات في فرنسا، يرجع إلى فشل الرهان على الرئيس ماكرون، الذى اعتبر وجها جديدا فى السياسة، كزعيم يتمتع بقاعدة حزبية وجماهيرية عريضة فلم يكن قد مضى على حزبه «إلى الأمام» إلا عام واحد، وإنما كان أقرب إلى المرشح الرئاسى التوافقى الذى اختارته أحزاب الوسط واليسار ليقطع الطريق على أحزاب اليمين المتطرف، وربما اختير أيضا لخبرته وخلفيته الاقتصادية فى مسعى للخروج من أزمة الاقتصاد المزمنة، وهى أزمة لا تختلف كثيرا عما تعانيه أغلب اقتصاديات العالم، اقتصاد يحتل المرتبة السادسة على مستوى العالم، والثالثة على المستوى الأوروبى، ولكنه يعانى نقصا فى ناتج دخله القومى وارتفاع فى نسبة الدين وعجزا فى الإنفاق العام، كما تبلغ نسبة البطالة ما يزيد على الـ10% أغلبها من الشباب، ومن هنا كان الحل السريع الذى لجأ إليه الرئيس الفرنسى هو خفض النفقات الحكومية على برامج الرعاية الاجتماعية واتخاذ إجراءات تقشفية أدت إلى رفع أسعار السلع الأساسية، وزادت من قيمة الضرائب، فضلا عن تعديل قوانين العمل لتقليل عدد موظفى الجهاز البيروقراطى للدولة، والتشجيع على المعاش المبكر، فى ظل تدنى الأجور والمعاشات، والتصريح بامكان استقدام العمالة الرخيصة من المهاجرين، مقابل إجراءات مضادة لتحفيز الاستثمار وزيادة الدخل العام من خلال خفض الضرائب على رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى، الذين كانوا عونا له فى صعوده السياسى ويسيطرون على معظم وسائل الاعلام, لذلك لُقب بـ«رئيس الأغنياء»

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]