اخترقت ثورة الجياع «الحجر الصحي» في لبنان، بحسب تعبير الباحثة الروسية، ماريانا بيلينكايا، وتواصلت التظاهرات الاحتجاجية، وتجددت أعمال العنف في الشارع اللبناني، بينما تواصل النخب تقاذف التهم بالمسؤولية عن انهيار الاقتصاد، وفيما آلت إليه الأمور في لبنان وصولا إلى حافة إفلاس الدولة.
فيروس كورونا.. أو الموت جوعا
وتقول الدوائر السياسية والإعلامية في بيروت، لم يصمد اللبنانيون أكثر من شهر ونصف الشهر في الحجر المنزلي المفروض نتيجة التعبئة العامة لمواجهة فيروس «كورونا»، فالأوضاع المعيشية الصعبة التي وضعتهم أمام خيارين، بحسب تقرير صحيفة اللواء اللبنانية: إما الإصابة بفيروس كورونا «كوفيد ـ 19».. وإما الموت جوعاً، كانت أقوى من أي قرار بالبقاء في البيوت، بعدما خسر عدد كبير من اللبنانيين أعمالهم وباتوا عاجزين عن تأمين لقمة عيش أبنائهم في ظل فوضى غير مسبوقة من ارتفاع سعر صرف الدولار الذي انعكس على أسعار المواد الغذائية التي تضاعفت خلال أيام.
- ويقدر مسؤولون حكوميون حاجة لبنان اليوم إلى أكثر من 80 مليار دولار للخروج من الأزمة والنهوض بالاقتصاد، حيث يرزح 45% من اللبنانيين تحت خط الفقر حسب تقديرات مسؤولين. ويقول كل من المستشار في التنمية، أديب نعمة، والباحث الاقتصادي، الدكتور جاسم عجاقة، لصحيفة النهار اللبنانية، إن غالبية العائلات تعيش «خبزها كفاف يومها»، ومن المتوقع اليوم، أن يعاني نصف سكان لبنان من الفقر، «والحبل على الجرار»، أي الانحدار إلى هاوية الفقر متواصل !
55 % من الشعب اللبناني تحت خط الفقر
ووفق تقديرات البنك الدولي فإن 55% من الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر، فيما سُجل في الأشهر الأخيرة إغلاق مئات المؤسسات التجارية، وتزامن مع اقتطاع رواتب عشرات الآلاف من الموظفين، في الوقت الذي تستمر فيه المصارف في حجز ودائع اللبنانيين، وهو ما جعلها الهدف الأول للتحركات الشعبية في الأيام الماضية وسجل إحراق عدد منها في بيروت والجنوب وطرابلس.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنحو 60-70%
وعن دوافع ثورة الجياع في لبنان، تقول الباحثة في مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الدراسات الشرقية، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، سفيتلانا بابنيكوفا، لقد جرى الحديث عن بعض الخطط والبرامج لإنقاذ الدولة وإعادة هيكلة الديون، ولكن في النهاية، حال برنامج مكافحة الأزمة بأكمله إلى البحث عن إجابة عن سؤال: من المذنب، فيما آلت إليه الأمور؟
وجاءت الخلافات وتبادل التهم على خلفية الانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية، وقد أدى تراجع قيمة العملة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنحو 60-70%، وتسبب في موجة جديدة من الاحتجاجات في الشوارع.
دائرة المعاناة تتسع.. والغضب الشعبي يكبر
فترة الحجر المنزلي أدخلت لبنان واللبنانيين في جحيم الفوضى المرتبطة بارتفاع سعر صرف الدولار الذي وصل إلى 4200 ليرة لبنانية في السوق السوداء وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، حيث بات قسم كبير من اللبنانيين غير قادر على شرائها، ويؤكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي، د. جاد شعبان، لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، أن غضب الناس يكبر ودائرة الذين يعانون من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تتوسّع، والتحركات التي نشاهدها اليوم ستتضاعف في الأيام المقبلة وهي بالتأكيد ستشمل أيضاً مواطنين لم يشاركوا في تحركات ثورة أكتوبر/ تشرين الأول، التي اشتعلت في 17 أكتوبر الماضي، بعدما تفاقم الوضع وباتت المعاناة واحدة في كل منطقة من لبنان.
مخاوف العودة إلى الحرب الأهلية
ويرى د. شعبان أن عمر حكومة حسان دياب بقدراتها المحدودة، لن يكون طويلاً، فرغم وجود بعض الوزراء الجيدين إنما قرار هذه الحكومة ليس بيدها بل بيد الأفرقاء السياسيين الذين شكّلوها، بينما الفريق الآخر المعارض يستفيد من الوضع سياسياً، وقد تشهد الأيام المقبلة المزيد من التحركات الشعبية، وقد نذهب إلى وضع أكثر سوءا، وقد تستغل القوى السياسية الوضع القائم اليوم للعودة إلى الحرب الأهلية التي باتت أرضيتها جاهزة أو هي تعمل على تجهيزها.
جمعية المصارف تعترض على خطة الحكومة للإنقاذ
وفي ظل مناخ ساخن من «ثورة الجياع»، وقعت الحكومة اللبنانية طلبا رسميا للحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي، وأعلنت جمعية مصارف لبنان رفضها خطة الإنقاذ الحكومية،وقالت الجمعية في بيان، إنها لا يمكن أن توافق «بأي حال من الأحوال» على خطة إنقاذ اقتصادي حكومية، لا تعالج الضغوط التضخمية، وقد تؤدي عمليا إلى تضخم مرتفع جدا. وناشدت الجمعية أعضاء البرلمان رفض الخطة لأسباب، منها أنها تمس بالملكية الفردية، وقالت إنها ستقدم قريبا خطة كفيلة بالمساهمة في تخفيف الركود وتمهيد الطريق لنمو مستدام.
- ومن جهة أخرى، اعتصم محتجون أمام المصرف المركزي في بيروت، وندد المشاركون بالسلطة السياسية وارتفاع الأسعار، وتردي الأوضاع المعيشية، قبل أن يعمدوا إلى إغلاق أحد الطرقات المحاذية لمصرف لبنان..وتزامنت الاحتجاجات مع إجراءات مشددة فرضتها القوى الأمنية بمحيط المظاهرات.
شكوك حول دعوة رؤساء الكتل النيابية للاجتماع في قصر بعبدا
وبينما تحذر التقديرات من أن أكثر من نصف سكان لبنان سيصبحون فقراء، ومن دخله الشهري 2 مليون ليرة «اخترب بيته»،في ظل الارتفاع الجنوني للدولار وتدهور سعر الليرة..فقد أعربت جهات سياسية ونيابية عن تعاملها بحذر كبير بل بشكوك واسعة مع الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، الى رؤساء الكتل النيابية لعقد اجتماع برئاسته في الحادية عشرة قبل ظهر الأربعاء المقبل، في قصر بعبدا، لاطلاعهم على الخطة المالية والاقتصادية التي أقرها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة ومناقشتها معهم.
وقالت هذه الجهات إن الشكوك تنطلق من غرابة هذه الخطوة التي لا تستند أساسا الى أي أساس دستوري يسمح لرئيس الجمهورية في دعوة رؤساء الكتل النيابية الى اجتماع يضع على المحك تدخل رئاسة الجمهورية في صلاحيات المجلس النيابي ورئيسه ويخلط الصلاحيات !!